كتاب ومقالات

كتاب «سفر».. الإفك وحرب الخليج الرابعة !

محمد الساعد

لم تكن حرب تحرير الكويت المعركة الوحيدة التي خاضها السعوديون العام 1990، فقد كانت هناك حرب أخرى لا تقل شراسة وضراوة تدور بين الدولة والشعب من جهة والحركيين من جهة أخرى، الذين انحازوا ضد بلادهم وحاولوا تنفيذ أجنداتهم واستغلال الأزمة لمصالحهم، انتهت حرب الخليج ولم ينته الصراع الثقافي مع الحركيين الساعين لهدم الكيان.

كانت الأمة السعودية قيادة وشعبا تعيش واحدة من أكثر الأيام صعوبة، فدولة شقيقة هي الكويت احتلت تماما، وعلى حدودهم الشمالية يقف مليون جندي عراقي، ودول عربية محيطة خانت الأخوة وانحازت للمحتل، إضافة لمجتمع دولي قد لا يرى الأزمة كما تراها الرياض.

أما الداخل فقد استغل الحركيون وأعضاء تنظيم الإخوان المسلمين «المحلي» الأزمة، لابتزاز الدولة ولوي ذراعها وإشغالها، في محاولة لإسقاطها والحلول مكانها لو أمكن ذلك.

أول جريمة فعلها الحركيون كانت التشكيك في قرار المملكة باستضافة قوات التحالف لتحرير الكويت ومساندة مجهودها العسكري، فأنزلوا القصص والملاحم على الأحداث وصوروها بغير حقيقتها لبث الرعب في الأنفس، وطلبوا عبر أسامة بن لادن، الذي كان للتو قد عاد من أفغانستان، تشكيل «ميليشيات» من فلول الأفغان لتحل بدلا من الجيوش الرسمية والقيام بمهمة حماية السعودية، كما زعموا.

بالطبع كان واضحا أن محاولة الحركيين إدخال 500 ألف مقاتل أفغاني وعربي ليس لهم ولاء إلا لقيادتهم في جبال الأفغان وجبل المقطم في مصر، هو للسيطرة على السعودية ليس أكثر، ومع ذلك تعامل «الحكام» في الرياض مع الأمر من باب الاجتهاد ورفضوا ذلك بلطف.

لم يرق ذلك لتنظيم الإخوان الذين أشعلوا نيران الكراهية في كل اتجاه، فحسب تحليلهم «المتواضع» كانوا متأكدين من سقوط الرياض قريبا في أيديهم وعملوا على 4 محاور لتسريع ذلك..

أولا.. قام التنظيم العالمي بالانحياز لصدام وتأييده في احتلاله للكويت ومفاوضته على إعطائهم الحكم، كما شجعوه على احتلال السعودية، شارك في ذلك كويتيون وعرب من أعضاء الإخوان بشهادة المرحوم الشيخ سعود الصباح سفير الكويت في واشنطن.

ثانيا.. تأليب الجماهير العربية والإسلامية على المملكة ومحاولة إسقاطها شعبيا، جاء ذلك كإحدى نتائج مؤتمر حيدر آباد الذي عقد بعد أسابيع من الأزمة، فخرجت المظاهرات في الهند وباكستان وماليزيا والأردن وفلسطين واليمن وبلاد المغرب العربي مطالبة صدام بإحراق المملكة.

ثالثا.. بالتوازي عمل التنظيم الداخلي في المملكة على هدم الجبهة الداخلية وإحداث شرخ بين الشارع السعودي وقيادته، فأصدروا الخطب والأشرطة والكتيبات للتشكيك في الدولة وتشويهها، في وقت لا يحتمل الخيانة ولا التغرير بالناس.

رابعا.. قام الحركيون بطرح برنامجهم السياسي المضاد للبيعة الشرعية، عبر ما اصطلح عليه بمذكرة النصيحة، والتي تلاها إنشاء ما يسمى بلجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية بقيادة سعد الفقيه ومحمد المسعري.

وكأن الزمن يعيد نفسه من جديد، وكأن مشايخ الحركيين لا يتعلمون من التجارب والتحولات الهائلة في السياسة والمجتمع التي شهدها العالم والمنطقة والمملكة، فمع صدور كتاب «الإفك» المنسوب لسفر الحوالي قبل أيام - وهو منشور مفكك بلا هوية واضحة لا يزيد عن كونه حكايات وإشاعات وملاحظات - يعيدون اجترار الماضي كما هو بلا تنقيح ولا تجديد، يراوحون مكانهم لا يستطيعون مغادرة مغارات تورا بورا ولا كهوف قندهار.

الغريب أن ظروف كتاب «الإفك» شبيهة جدا بما حدث في حرب الخليج الثانية، فنحن نعيش اليوم أزمة مع إيران قد تقود لحرب خليجية رابعة، وها هم الحركيون لا يفكرون إلا في أنفسهم ولا يقرأون الواقع بشكل صحيح ويعيشون في الأمنيات ويخطئون التحالفات، بل إن ما يسمى بنصائح «سفر» الثلاثة التي جاءت في آخر كتابه هي أقرب ما تكون لمذكرة النصيحة التي صدرت في تلك الفترة الحرجة من تاريخ الخليج.

وبمراجعة سريعة للكتاب ستظن أنك تعيش في الفترة بين 1981 و2003، التي شهدت صعود أدبيات الحركيين والتنظيمات المسلحة، التي حاولت إنشاء مجتمع موالٍ لهم يبدأ من تعاليمهم ومن رؤيتهم للحياة والسياسة ولا ينتهي إلا عند أقدامهم، هدم المكانة المستحقة لكبار العلماء وإسقاطهم من وجدان الناس، وضرب سمعة رجال الدولة عند العامة واتهامهم بالعلمانية، ومناصبة الإعلام السعودي العداء المطلق واتهامه بتبرير سياسات الدولة ونشر التغريب في المجتمع ووصف العاملين فيه بالليبراليين والملاحدة، كما لم تسلم منهم قوات الأمن وبالأخص رجال المباحث الذين وصفوهم بجند الطاغوت.

الجديد في كتاب سفر هو إضافة الجيش لمشروع التخوين، حين وصفهم بالمرتزقة الذين يسعون للكسب المادي، ويتخذهم الكبراء للنهب غير المحسوب، في الوقت الذي يخوض الجيش أشرف معاركه ليس بالذود عن حياض المملكة فحسب، بل وعن الأمة العربية بتحرير اليمن من الاحتلال الفارسي.

كان ذلك وما زال مشروع الحركيين وخريطة عملهم التي يتبنونها منذ 5 عقود ضد كل مكونات الدولة السعودية لإفقادها بناءها الذي تقوم عليه ليسهل بعد ذلك إسقاطها متى ما حانت لحظة السيولة التي يخططون لها ويظنونها جائزتهم الكبرى.

* كاتب سعودي