غِنى يُرجى وفقر يخشى!
على خفيف
الاثنين / 10 / ذو القعدة / 1439 هـ الاثنين 23 يوليو 2018 01:26
محمد أحمد الحساني
كنت ذات مساء أتبادل أطراف الحديث مع أحد قدامى رجال التربية والتعليم، وهو من الذين يمتازون على الرغم من تجاوزه الثمانين من عمره بذاكرة جيدة وثقافة واسعة ومتنوعة، فأخذنا الحديث إلى الفقر والغنى وتأثيرهما في حياة الإنسان، فأنشد بيتاً جميلاً وحكيماً من الشعر سجلته فوراً في مفكرتي لإعجابي بمعناه وكان البيت يقول:
ألم تر أن الفقر يُرجى له الغِنى
وأن الغِنى يُخشى عليه من الفقر
ولما تأملت المعنى وجدت أن الإنسان الفقير على الرغم من مكابدته لتكاليف الحياة ومعاناته من ضيق ذات اليد إلا أنه قد يعيش على أمل أن تتحسن أحواله وتتبدل فيصبح ذات يوم من طبقة الأغنياء والشواهد على ذلك كثيرة لاسيما بالنسبة للذين يؤمنون بأن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فكون الفقير يعيش حياته على أمل ويحيا بالأمل فإن ذلك الشعور يجعل لحياته معنى طيباً، فإذا تحقق له الغنى أو السعة في الرزق ولو بشكل نسبي فإنه يشعر بسعادة غامرة تطيب بها دنياه وتطيب أكثر إذا ما صاحب العطاء شكر المنعم المتفضل عز وجل فيكون بذلك قد أوتي ثواب الدنيا والتمس طريق حسن ثواب الآخرة.
أما الذي يولد وفي فمه ملعقة من ذهب فإن غناه قد يكون سبباً في تعاسته وقلقه وتشاؤمه، فهو يرى ما هو فيه من خير وسعة في الرزق، ولكنه يظل خائفاً على ثروته من أن يفقدها بسبب عوامل السوق أو تبدل أحوال الاقتصاد أو انهيار الأسهم أو العقارات أو النشاط التجاري الذي يمارسه، فإذا أضواه الليل وخلد إلى فراشه خطر له خاطر يتصل بتجارته واتصالاته وجدول اليوم التالي، فانبعث من الفراش واتصل بمساعديه للتأكد من أن جميع الأمور ستكون مرتبة، وإذا صحا بعد نوم قلق فتح الهاتف واتصل وسأل عن أخبار السوق والصفقات وإذا كان له سنوات في سوق الأسهم ورأى اللون الأحمر اغتم وشعر بعدم الرغبة في طعام الإفطار وقال لفريدة: «خليني أروح أشوف كيف أعالج هذه المصيبة الجديدة!»، وينطبق الأمر نفسه على من اغتنى بعد فقر فجعل الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه وغاية مراده من الحياة. وخلاصة القول إن الفقر مع وجود أمل بإمكانية تحقق الغنى هو شعور مريح حتى لو لم يتحقق ذلك الأمل، وإن الغنى مع الشعور بالخشية الشديدة من الفقر هو التعاسة بعينها، وإن القناعة كنز لا يفنى، ولكن هذه الحكمة تردد وتكتب ولا تطبق إلا نادراً !
* كاتب سعودي
ألم تر أن الفقر يُرجى له الغِنى
وأن الغِنى يُخشى عليه من الفقر
ولما تأملت المعنى وجدت أن الإنسان الفقير على الرغم من مكابدته لتكاليف الحياة ومعاناته من ضيق ذات اليد إلا أنه قد يعيش على أمل أن تتحسن أحواله وتتبدل فيصبح ذات يوم من طبقة الأغنياء والشواهد على ذلك كثيرة لاسيما بالنسبة للذين يؤمنون بأن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فكون الفقير يعيش حياته على أمل ويحيا بالأمل فإن ذلك الشعور يجعل لحياته معنى طيباً، فإذا تحقق له الغنى أو السعة في الرزق ولو بشكل نسبي فإنه يشعر بسعادة غامرة تطيب بها دنياه وتطيب أكثر إذا ما صاحب العطاء شكر المنعم المتفضل عز وجل فيكون بذلك قد أوتي ثواب الدنيا والتمس طريق حسن ثواب الآخرة.
أما الذي يولد وفي فمه ملعقة من ذهب فإن غناه قد يكون سبباً في تعاسته وقلقه وتشاؤمه، فهو يرى ما هو فيه من خير وسعة في الرزق، ولكنه يظل خائفاً على ثروته من أن يفقدها بسبب عوامل السوق أو تبدل أحوال الاقتصاد أو انهيار الأسهم أو العقارات أو النشاط التجاري الذي يمارسه، فإذا أضواه الليل وخلد إلى فراشه خطر له خاطر يتصل بتجارته واتصالاته وجدول اليوم التالي، فانبعث من الفراش واتصل بمساعديه للتأكد من أن جميع الأمور ستكون مرتبة، وإذا صحا بعد نوم قلق فتح الهاتف واتصل وسأل عن أخبار السوق والصفقات وإذا كان له سنوات في سوق الأسهم ورأى اللون الأحمر اغتم وشعر بعدم الرغبة في طعام الإفطار وقال لفريدة: «خليني أروح أشوف كيف أعالج هذه المصيبة الجديدة!»، وينطبق الأمر نفسه على من اغتنى بعد فقر فجعل الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه وغاية مراده من الحياة. وخلاصة القول إن الفقر مع وجود أمل بإمكانية تحقق الغنى هو شعور مريح حتى لو لم يتحقق ذلك الأمل، وإن الغنى مع الشعور بالخشية الشديدة من الفقر هو التعاسة بعينها، وإن القناعة كنز لا يفنى، ولكن هذه الحكمة تردد وتكتب ولا تطبق إلا نادراً !
* كاتب سعودي