محطة أخيرة

«فائق الشعر» الذي هندس «أبعاد» الأغنية

فائق عبدالجليل

خالد الجارالله (جدة)

يكتنز موروث الراحل فائق عبدالجليل بنفائس شعرية مزهوة برصافة القول وجزالة المعنى، لم يكن ليمضي على وجع إنساني أو حالة عاطفية دون أن يجثو بجلالة أحاسيسه عندها فيكتب منها وعنها ولأجلها.

فائق الذي تماهى بصفته شاعراً مع ذائقته مستطرباً، أرسى مفاهيم جديدة في القصيدة المغناة جعلته فارقاً عن سواه في اللون الذي تمرسه حتى لا يشبهه فيه أحد، كان محدثاً في القصيدة الشعبية على نحو سما بها إلى مرتقى رفيع في الأناقة، لامس فيها قلوب شريحة واسعة من النخب والعامة على حد سواء، فبات صاحب مدرسة مستقلة مازالت تمتد جذورها في الأغنية الخليجية حتى اليوم.

الكتابة عن شاعر فائق بحجم عبدالجليل على بعد 18 عاماً دون موعد، تجيء بها المناسبات التي لطالما كتبها في أغانيه، حتى لا يكاد يعرفه الغياب، والغوص في تفاصيل حياته، منذ أن قرعت المعاناة قلبه بانفصال والديه إلى أن غرق في غياهب الرحيل المر، تنبئ عن حقبة لم يبرحها الألم وقصة متخمة بالجراحات والمحطات القاسية، فالشاعر الذي جرب الفقد والحرمان والأسى والحزن لا يستغرب أن يكون ضليعاً في مخادرة قلوب المتعبين وبليغاً في عاطفته وشاعريته، منذ أن بدأ في كتابة أول أحرفه إلى أن رحل في زمن مجهول لأسباب معلومة وعلى أيدٍ غادرة.

«أبعاد» النجاح الذي تشكل في مساحاته وزواياه نجومية فنان العرب محمد عبده، كان عبدالجليل مهندسها البارع الذي نجح في تقويس زوايا الشعر هنا، وجبر انكساراتها هناك على نحو ظهر به تعاون مع فنان العرب بشكل مختلف، فكانت أنجح أعماله معه «نيستيني» و «في الجو غيم» و «المعازيم» و «وهـم» و «آخر زيارة» وحتى أعماله التي غناها فنان العرب بعد رحيله، وتعاون مع طلال مداح في مجموعة من الأعمال الخالدة «زلزليني» و«حبيبي اختار» و«فينا واحد» و«طيب»، وتغنى بكلماته عمالقة المغنين الخليجيين.

غاص عبدالجليل في تفاصيل مجتمعه بعيداً، فكانت جذور قصائده ضاربة في عمق الناس، يرتدي هنا عباءة المثقلين بسنوات العمر ويتوكأ عصيان الأزمنة الغابرة، ويطير هناك بأجنحة العاشقين وينهمك في تفاصيل شغفهم، لم يكن نصه الغنائي ليتزحزح عن حصافته أو يتمرد على فصاحته أو يميل عن نسقه، كان جديراً بمكانته وقدره، الذي بقي حياً ولم يمت.

ترجمت بعض قصائده إلى اللغة الفرنسية بحسب «ويكيبيديا» ونشرت لهُ عدة قصائد في صحيفة لوموند الفرنسية في عقد السبعينات، كتب عنه كثيرون وتناولوا سيرته دون أن يشبعوها على قدر ما قدمه للأغنية الخليجية من أعمال تموج في بحرها منذ سبعينات القرن الماضي.