ثقافة وفن

«نينو» و«ليلى» وبينهما ألف عام

تمثال نينو وعلي على ضفاف البحر الأسود. (عكاظ)

عبدالهادي صالح

بينما يتحدث الأدب العربي عن قصة أسطورية تحكي العشق الكبير الذي وقع بين شاب يدعى «قيس» وشابة تسمى «ليلى» في بلاد العرب القرن الثاني الهجري إبان الحكم الأموي، والأشعار التي تنسب إلى هذه الحكاية وتخليدها قصة الحبيبين وانتهائها ببكاء العاشق «قيس» واستدعاء «ليلى» في قصائده والحلم بها ومن ثم موته في الصحراء دون أن يستعيد حبيبته ويتزوج بها والتضحية في سبيل الحب الذي اجتمعا عليه، وزواج حبيبته «ليلى» برجل من ثقيف من دون أن تقوم هي الأخرى بردة فعل تجاه حبها غير التمنع والاستنكار.. وقد سطرتها الكثير من الكتب ووثقها الكثير من المؤلفين ومنهم الإمام الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء كمرجع صحيح لرواية القصة وأسماء أبطالها.

يتحدث الأدب القوقازي عن قصة أسطورية مماثلة وقعت بين فتى أذربيجاني مسلم شيعي يسمى «علي» وفتاة جورجية مسيحية أرثوذكسية يطلق عليها «نينو» في العصر الحديث في بلاد القوقاز، وخلد هذه القصة كتاب صدر العام 1937م لمؤلفه قربان سعيد وهو الاسم المستعار للكاتب أسعد بيه الاسم البديل للكاتب ليف نوسيمبوم من أسرة يهودية في مدينة باكو على ضفاف بحر قزوين، الذي غير اسمه بعد الانتقال من اليهودية إلى الإسلام المذهب الشيعي.

يتداول الناس هذه القصة في بلاد القوقاز، ولعل أول ما يبادر الزائر لتلك الأماكن استعراض السكان لتلك القصة والافتخار بها وتسلية السياح بعشق الشاب الأذري والأميرة الجورجية والتسامح الديني الذي جمعهما، غير متأكدين تماما من حقيقة أسماء أبطالها كما سجلها قربان سعيد في روايته، لكن القصة أصبحت تعرف بقصة «نينو وعلي» وبخاصة بعد تحولها إلى فيلم العام 2016م قام بإخراجه آصف كاباديا في بريطانيا، واستلهام النحاتة الجورجية تمارا كفيسيتادزي لتلك القصة وصنع تمثال للعاشقين 2010م على ضفاف البحر الأسود في مدينة باتومي، واستدعاء الفنانين التشكيليين لتلك القصة عبر الفرشاة واللون وتمجيد حب العاشقين من خلال الفن في بلاد القوقاز أجمع.

ليس بمستغرب أن تكون القصة حقيقية؛ فالإنسان هو الإنسان بغرائزه وجوارحه والرجل غالباً هو العاشق والمرأة هي المعشوق، ولربما أضاف قربان سعيد عليها شيئا من الخيال وقام بتوثيقها وتخليد تلك القصة في كتاب (النسخة العربية الهيئة العامة لقصور الثقافة القاهرة 2010م ترجمة عبدالمقصود عبدالكريم).

لم يقف اختلاف الديانة أمام عشق «علي خان شرفنشير» المسلم الشيعي والأميرة الجورجية «نينو كيبياني» المسيحية الأرثوذكسية التي تقدم حبها بكامل جوارحها إلى الفتى الأذري، ثم يطلب منها الزواج وتتفق الأسرتان على إتمام المراسم، ريثما تهدأ الأوضاع السياسية أوائل القرن العشرين في روسيا القيصرية.. الاتحاد السوفيتي في ما بعد، ويثق علي خان في نوايا صديقه الأرمني «نشارارين» ويترك عشيقته لتذهب معه إلى دار الأوبرا في مدينة باكو، لكن هذا الصديق ينتهز الفرصة ويحاول اختطاف الفتاة والسفر بها إلى موسكو، ويكتشف علي خان الأمر ويلحق بهما ويقتل صديقه الأرمني من أجل حبيبته، ثم يطالب الأرمن بدم الفتى الشيعي؛ فيهرب إلى داغستان ويبقى في الجبال، ثم تبحث عنه «نينو» حتى عرفت بمكانه وتلحق به ويتم الزواج بينهما على يد الزاهد الأذري سيد مصطفى، ومع امتداد الحرب إلى مدينة باكو الأذرية يهرب الناس من المدينة إلى المدن المجاورة ويرحل العاشقان إلى مدينة طهران ثم يعودان إلى باكو بعد استقرار الأوضاع التي ما لبثت أن اهتزت مرة أخرى بدخول الروس وقتل الناس بعد أن حاولوا الدفاع عن مدينتهم الحالمة ومنهم العاشق علي خان الذي يرسل حبيبته إلى مدينة تبليسي عند أبويها، ويلتحق بالجبهة ويسقط ميتا على أحد جسورها دفاعاً عن حبه ووطنه.

هكذا إذاً يبقى الحب منقوشاً على كفوف الأزمنة، ويتعرف الناس إلى تداعياته من خلال حكايات متنوعة في بلدان العالم، وتبقى التضحية وحدها نصير ذلك الحب، ويبقى الإنسان هو الإنسان.

* باكو (يوليو تموز 2018)