كتاب ومقالات

الشيخ الجزائري في ذمة الله

عبدالله عمر خياط

ورد في الحديث الشريف «إن الله لا يقبض العلم ينتزعه انتزاعاً ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا».

وهذا الحديث الشريف من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم فقد كان الشعراء في عصره وما قبله لا وزن للعلم في أشعارهم ولا في محادثاتهم، أما الحديث الشريف فقد جاء بفتح جديد في ارتياد مطارح جديدة للعقول كي تخرج عن نطاق الرثاء والهجاء والوصف والمديح، فانطلقت الأذهان في مضامير الفقه والحديث والتفسير، وقصص الأنبياء والأمم السابقة، ومكارم الأخلاق مما لم يكن للعرب عهد به من قبل.

هذه المقدمة أكتبها على أثر الخبر الذي هزني يوم الأربعاء الماضي 4 /12 /1439هـ عن وفاة العلامة الشيخ أبي بكر جابر الجزائري الذي كنت كلما زرت المدينة أغتنم ما بين المغرب والعشاء لأحضر دروسه، وهي الدروس التي امتازت بالأفق الواسع والاطلاع على أقوال المذاهب الأربعة والانفتاح عليها وهي مذاهب أئمة أهل السنة المعروفين وهم: أبوحنيفة النعمان، ومالك بن أنس، ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن حنبل الشيباني رحمهم الله.

فمما قال في كتابه «منهاج المسلم»: «إن ما دونه الأئمة الأربعة: مالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة وما رأوه وقالوه من مسائل الدين والفقه، والشرع هو: مستمد من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس لهم إلا ما فهموه من هذين الأصلين، أو استنبطوه منهما، أو قاسوه عليهما، إذا أعوزهم النص منهما، أو الإشارة أو الإيماء فيهما».

وقد تشرفت بطباعة هذا الكتاب قبل ثلاثة وثلاثين سنة في مطابع سحر بجدة العائدة لي. وهذا الكتاب «منهاج المسلم» للشيخ أبي بكر الجزائري قد انتشر انتشاراً كبيراً حتى أن الطبعة التي طبعتها مطابع سحر كانت الطبعة السادسة وذلك عام 1405هـ ولا شك أن الكتاب طُبع بعد ذلك مرات عديدة.

وقد امتد عمر الشيخ الجزائري ذلك أنه عاصر الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ عطية محمد سالم، والشيخ محمد الحافظ، والشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ عبدالعزيز بن صالح، وغيرهم من العلماء من المدينة المنورة التي عاش فيها الشيخ الجزائري ومن خارجها.

ولذلك يمكن القول إن أجيالاً من المسلمين تلقوا علوم الشريعة الغراء على يد الشيخ أبي بكر الجزائري ومتحوا مما صدر عنه من علوم في الفقه والتفسير والسيرة والحديث، وحسب علمي فإن الملك خالد والملك عبدالله - رحمهما الله - حضرا بعض دروسه.

وللشيخ الجزائري كتاب «هذا حبيبك يا محب» وهو في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وله أيضاً كتاب «أيسر التفاسير».. وبعد موت الشيخ الجزائري سوف ينهال الناس على شراء هذه الكتب، ففي موته رحمه الله حياة لعلمه.

السطر الأخير:

لُقيت خيراً يانوى... وَوُقيت من ألم النوى

فلقد نشا بك عالم... لله أخلــص ما نـــوى

* كاتب سعودي