كتاب ومقالات

السعودية الأكثر اعتدالاً

يحيى الامير

في الواقع، ليس من الضروري على الإطلاق أن يكون جميع الناس متفقين على كل ما تشهده السعودية اليوم وما ستشهده من تغييرات قادمة، لكن الأهم هو أن لا تكون ثمة سلطة في أيدي الممانعين وألا تكون الآراء والقناعات الشخصية قادرة على التأثير في اختيارات الآخرين.

أستطيع القول إن تلك الحالة المؤلمة والقاهرة انتهت تماماً بعد التنظيم الجديد لعمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي ظلت لسنوات تمثل بسلوكها وتحركها دون سند قانوني واضح أزمة كبرى في الحياة اليومية في السعودية، ولكي تؤسس لزمن المؤسسات والحياة المدنية وتسهم في بناء الاستقرار والسلم الاجتماعي كان صدور ذلك التنظيم ضرورة ملحة للغاية.

في كل بلدان العالم يمثل القانون والنظام الضابط الأول لحياة الناس اليومية وتمثل وظيفته الكبرى في حماية حق الاختيار والتنوع بينما تدير مؤسسات الدولة ذلك التنوع من خلال توسيع دائرة الخيارات في الحياة العامة وتكاد تتضح يوما بعد يوم ملامح تلك المعادلة في الحياة السعودية.

إن أكثر ما يستفز خصوم السعودية اليوم ليست الحرب في اليمن ولا الموقف من تدخلات الحكومة الكندية، إنه هذا الاعتدال الذي بات واقعا ملموسا وتوجها مستقبليا، يمثل الاعتدال في السعودية إفسادا لكل مشاريع التربص التي ظل يبنيها خصوم المملكة، والذي طالما ارتكزوا فيه على قضية التشدد والوجود السابق لهيئة الأمر بالمعروف وحظر قيادة المرأة للسيارة وغيرها من الملفات القديمة، وما نراه اليوم من تسييس لبعض القضايا وحديث مستفيض عن ثلة من الموقوفين في قضايا أمنية إنما هو بحث عن بدائل لذلك الملف الذي فقدوه في سياق هجومهم المستمر على المملكة.

لقد مثلت بعض المظاهر المتشددة السابقة أبرز وأهم أداة في أيدي الخصوم، كانت سلاحهم الأبرز في إقناع العالم أن السعودية لا يمكن أن تكون حليفا جيدا وهي تمنع النساء من قيادة السيارة وتتركز السلطة في الشارع بأيدي الهيئة التي تتدخل في سلوك الناس ولبسهم. إضافة إلى اتهام السعودية المستمر بأنها تصدر التشدد من خلال الاستدلال بتلك المظاهر والملفات القديمة.

اليوم بالاعتدال الجديد الواقعي والمستقبلي أفسدنا عليهم كل ذلك، وبنينا واقعاً يصبح فيه الناس أكثر قدرة على إدارة حياتهم وخياراتهم اليومية.

يمثل الاعتدال أبرز عوامل دعم المواطنة وبناء الوجدان الوطني العام، ويدافع الناس عن أوطانهم بقدر محبتهم لحياتهم، وهكذا يصبح الوطن جزءا من تلك الحياة والعيش، لم يعد ذلك المرتبط بوفرة الأكل والسكن وغيرها من الضروريات؛ العيش الكريم هو الحياة اليومية الحرة القائمة على تمكين الأفراد من اختيار نمط حياتهم وحماية كذلك.

من أجل ذلك كان لا بد من موقف قوي وحازم من كل أفكار وشخصيات ومواقف التشدد والتطرف والإنكار والأحادية وبناء برامج ومواقف موازية ومضادة لذلك.

أبرز تلك البرامج والمواقف تتركز في أحد أهم برامج الرؤية السعودية ٢٠٣٠، وهو برنامج: جودة الحياة، وأبرز المواقف تتمثل في: حماية السلم الاجتماعي (تكررت هذه العبارة كثيرا في بيانات النيابة العامة التي باتت تمثل أحد أهم الأجهزة الحديثة في السعودية).

بينما يزداد الشعور العام بالرضا يوميا في حياة السعوديين، يزدادون تشبثا بهذا الواقع العظيم لينطلقوا منه لمستقبل مدني وطني ورائع.

* كاتب سعودي