كتاب ومقالات

وزارة التعليم.. هل ما زال المعلم أولاً ؟

عبداللطيف الضويحي

كان لافتا انعقاد منتدى المعلمين الدولي قبل بدء الدراسة مباشرة أو بالتزامن مع نهاية الإجازة. خاصة من حيث عدد المشاركين السعوديين وغير السعوديين ونوعية المشاركات. فهل هذا مؤشر على أن تعليمنا لا يزال يقصر العملية التعليمية على المعلم؟ أم أنها انطلاقة جديدة لتحويل المعلم إلى مدرب؟

منذ سنوات أطلقت وزارة التعليم شعار «المعلم أولا»، حينها كنتُ قد اختلفتُ مع هذا الشعار وعبرتُ عن هذا الاختلاف في إحدى المقالات. لأنني لم أجد هذا التوجه يعكس بالفعل الهدف الحقيقي من العملية التعليمية وما يجب أن تكون عليه هذه العملية. ففي تصوري أن الطالب هو من يجب أن يكون أولا وليس المعلم. فالمعلم الجيد أو المفيد هو وسيلة تحقيق ونجاح الطالب الجيد أو الطالب المفيد. فهل يستقيم التركيز على التعليم من خلال المعلم الجيد مع إغفال بقية أركان العملية التعليمية؟ صحيح أن المعلم الجيد مهم، لكن ماذا يستطيع أن يقدم المعلم الجيد إذا كانت المدرسة سيئة، وماذا يفعل المعلم الجيد إذا كانت المقررات جامدة غير متفاعلة مع الواقع؟ فهل الهدف النهائي من العملية التعليمية هو الخروج بمعلم جيد بصرف النظر عن الطالب؟

إن تركيز الوزارة على المعلم يبقي على المعلم محوراً للعملية التعليمية، وهذا يعني أننا لا نزال ندور في إطار العملية التعليمية التقليدية، وهو التعليم الصفي المحصور في المعلم يتحدث والطلاب يستمعون، وهذا يتنافى مع المدرسة الحديثة التي أصبحت تمزج ما بين التعليم والتدريب والتطبيق الميداني، ناهيك عن الدعوات الكثيرة التي تطالب بأن يصبح المعلم «محرك بحث» في تخصصه.

اقترحت في مقالتي للأسبوع الماضي أن يكون الأسبوع الأول من الدراسة مكرساً لتشجير المدرسة بهدف الخروج من النمطية التعليمية المنحصرة في الصف. إن الفائدة التي يجنيها الطالب عن ثقافة الزراعة من الميدان تفوق بمراحل عشرات المحاضرات من دروس العلوم في الصف.

علماً بأن المدرسة تستطيع أن تحول الكثير من المحاضرات في شتى المقررات والتي يتلقاها الطلاب في الصف إلى الميدان وحيث الواقع أكثر جاذبية لتلقي الفائدة.

السؤال الذي يجب أن تجيب عنه وزارة التعليم: هل نظام الوزارة يسمح بالتمايز بين المعلمين في ابتكار أساليب تعليمية من الميدان بعيدا عن الصف والتلقين والملل والرتابة والتقليدية؟

هل يستطيع المعلمون في مدارس المنطقة الشرقية أن ينقلوا طلابهم ومحاضراتهم من حين لآخر إلى حقول البترول وفي شركات البترول والتعرف على أهم مادة طبيعية للعالم؟ وهل يستطيع المعلمون في مدارس الرياض نقل طلابهم ومحاضراتهم إلى مصانع المواد الغذائية أو مصانع الحديد والأسمنت أو داخل الشركات المتخصصة؟ وهل يستطيع المعلمون في الجوف نقل طلابهم ومحاضراتهم إلى مزارع الزيتون في الهواء الطلق أو إلى أقدم القلاع الأثرية في حصن مارد وقلعة زعبل أو على بحيرة الجوف؟ وهل يستطيع المعلمون في المدينة المنورة أو مكة المكرمة نقل طلابهم وإعطاء محاضراتهم في المواقع التاريخية والأماكن المقدسة؟

هل يكافأ المعلمون الذين يبتكرون أساليب تعليمية ميدانية أو تطبيقية خارج الصف وخارج المدرسة أم يعاقبون؟

ما قيمة المحاضرات التي تلقى على الطلاب والطالبات عن نظام المرور، في الوقت الذي ليس لهؤلاء الطلاب والطالبات أي دور أو رأي بتنظيم الحركة المرورية حول مدارسهم وأمام بوابات مدارسهم؟ هل يستوي الكلام بين 4 جدران والسلوك الفعلي التطبيقي الميداني؟

هل يعقل أننا لم نسمع أو نعرف بقصة نجاح واحدة لمعلم أو معلمة من بين أكثر من 500 ألف معلم ومعلمة؟ لماذا لم تبرز أسماء المعلمين المبدعين والمبتكرين من بين هذه الأعداد لولا إن المشكلة في نظام التعليم وفي الإستراتيجية التعليمية وليست المشكلة في المعلمين والمعلمات..

نعم لصقل مواهب المعلم ونعم لتدريب المعلم واحتكاكه بخبرات دولية من خلال المنتديات والورش والحلقات الدراسية، لكن المعلم بحاجة أكثر لمساحة من حرية التفكير وابتكار الأساليب التعليمية والتجارب الميدانية والمرونة في الأنظمة لكي يبدع وينطلق ويتميز.

وأتمنى للجميع عاما دراسيا سعيدا.

* كاتب سعودي