كتاب ومقالات

محو أمية الإدارة التعليمية

عبداللطيف الضويحي

يحل اليوم العالمي لمحو الأمية وقد عاد التعليم غريبا كما بدأ، ليس من قلة القراءة والكتابة وإنما من فقر الإدارة للعملية التعليمية وبسبب طغيان تعليم الوجاهة على تعليم المعرفة والابتكارات وعلى تعليم العمل والمهنة. يحل اليوم العالمي لمحو الأمية ونحن أيتام على مائدة المعرفة وغرباء في حفلة اقتسام المستقبل.

رغم الجهود التي يبذلها القائمون على التعليم، خاصة ما قامت به هيئة تقويم التعليم، وللإنصاف وإحقاق الحق أن ما قامت به هيئة تقويم التعليم هو أهم مشروع تطوير للتعليم في المملكة من وجهة نظري عبر مسيرة التعليم. غير أن المعلمين والطلاب لايزالون متقدمين بمراحل على الإدارة. على ما يبدو لا يزال التعليم يبحث عن مخرج من التركة الثقيلة والإرث الثقيل والذي يلقي بظلاله على الإدارة التعليمية ويعيق توضيح مفهوم الإدارة في التعليم. الهدف الذي يعمل عليه المعلم والطالب، لايزال مختلفا عن الهدف الذي تعمل عليه الإدارة.

لا أعرف لماذا تنشغل وزارة التعليم بالمباني وحافلات الطلاب على حساب التعليم. ما علاقة وزارة التعليم بمتابعة شؤون الحافلات ومباني المدارس وغيرها من الشؤون اللوجستية والخدماتية؟ هذه الخدمات يجب أن تتولاها جهة حكومية متخصصة لاعلاقة لها بوزارة التعليم أوالصحة أو الشؤون الاجتماعية أو غيرها. وزارة التعليم يجب أن ينصبّ اهتمام كوادرها وتركيزهم فقط على التعليم ولاشيء سوى التعليم. إنني مؤمن أن وزارة التعليم لديها كوادر إدارية بارعة وفائقة القدرات، لكن ترهل الجهاز الإداري في المركز والفروع يعيق التغيير والديناميكية ويعرقل وضع العربة على السكة الصحيحة، فالإدارة الناجحة ليس بكثرة الإداريين، خاصة في هذا العصر، عصر التواصل والاتصال.

وزارة التعليم والإدارات التعليم مطالبة بأن تصرف وقتها كل وقتها وجهودها كل جهودها ومواردها كل مواردها المالية والبشرية على وضع خطط التعليم القصيرة والمتوسطة والطويلة ومتابعة تنفيذ خططها وتقييم النتائج والعمل المستمر على التطوير وتذليل المصاعب التي تعترض المعلمين والطلاب في العملية التعليمية. ومن المهم أن يتم تنسيق هذا التخطيط مع خطط الدولة للتنمية وفق جدول زمني. وإلا أصبحنا نكرر أخطاءنا السابقة في التعليم وغير التعليم.

لانزال نقرأ في الصحف أن بعض المدارس تعاني من نقص في كوادرها، فتضطر لتكليف مدرس الرياضيات بتدريس اللغة العربية أو أن مدرس اللغة الإنجليزية يقوم بتدريس الاجتماعيات أو العلوم والعكس كذلك. ولا نزال نقرأ في الإعلام أن المدرسة الفلانية لا يوجد فيها معلم رياضيات أو معلم علوم... لماذا؟ ما السبب؟ إلى متى تستمر هذه القصص؟ كما أن الوزارة لا تزال تفصل ثوبا واحدا لكل الطلاب ولكل المدارس ولكل المناطق دون مراعاة لأي فارق اجتماعي وجغرافي واقتصادي، العام الماضي كانت إحدى المدارس في المنطقة الشرقية هي أفضل المدارس في أحد الاختبارات المطلوبة من طلاب الثانوي، وكانت إحدى المدارس في منطقة الجوف هي الأسوأ في نفس الاختبار، توقعت وتمنيت لو أن الوزارة علقت على السبب في هذه الحالة، حتى لو لم تعرف كان ذلك دافعا للوزارة أن تبدأ تعرف عما وراء المدرسة الأفضل والمدرسة الأسوأ، لأن هذا هو بداية التعرف على المشكلة وتصحيح الأخطاء إذا وجدت.

لا نزال إلى اليوم نتابع الجدل الدائر حول مسؤولية القصور في أداء الطلاب بين من يعزوه للمدرسة ومن يعزوه للأسرة. ألم يحن الوقت لتقسيم عمل الوزارة إلى مرجعيات علمية في كل مادة وتأسيس وإحداث أندية ومراكز ومدن علمية للفيزياء والفلك والرياضيات والأحياء و الكيمياء. هل يعقل أن تسبق بعض مجتمعاتنا المحلية في تأسيس مراكز علمية في عنيزة وتكون الوزارة ضيفا أو ممولا فقط. لماذا لا تتبنى وزارة التعليم ما قام به رجالات عنيزة الكرام واستنساخ هذه المدينة العلمية إلى بقية مناطق المملكة؟

هل تعرف وزارة التعليم أن أحد عناصر التنافس بين الدول الصناعية يتمحور حول عدد علماء الرياضيات؟ وهل تعرف وزارة التعليم أن بعض الجامعات في أوروبا تقبل طلابها أو ترفضهم استنادا إلى عدد المفردات اللغوية التي تعلمها الطالب خلال دراسته العامة حتى آخر سنة في المرحلة الثانوية؟ أين الرياضيات وأين اللغة العربية في خطط وزارة التعليم؟ ناهيك عن الفيزياء والأحياء والكيمياء وغيرها من العلوم واللغة العربية؟

إنه من حسن حظ وزارة التعليم وربما من سوء حظها أنها ليست كباقي الوزارات التي تنصب عملها فقط على أهدافها، لكن التعليم لا يخص وزارة التعليم وحدها، فنتائج التعليم تتقاطع وتتلاقى مع الاقتصاد والثقافة والتنمية بكل بنودها في الدولة. وعليه فالتعليم مطالب بأن يكون لديه كوادر إدارية تتقدم في تفكيرها وابتكارها على المعلمين والطلاب لا تسير خلفهم، والتعليم مطالب بكادر إداري يضاهي الكوادر البشرية في القطاع الخاص في المملكة، بل وينافس مثيله عالميا، لكي يتفاعل تعليمنا مع المرحلة الحالية والمراحل المستقبلية.

* كاتب سعودي

Dwaihi@agfund.org