«قطرائيل».. علاقة بدأت بـ «جس النبض» وازدهرت بـ «انقلاب الحمدين»
اعترافات إسرائيلية عن «الملف السري» وعرابي التقارب بين الدوحة وتل أبيب
الخميس / 03 / محرم / 1440 هـ الخميس 13 سبتمبر 2018 02:15
عبدالرحمن باوزير (جدة) A_Bawazier@
قبيل انقضاء مارس 1996، زار مسؤولون إسرائيليون الدوحة ليقفوا على آخر الاستعدادات للزيارة غير المسبوقة التي ينوي رئيس وزرائهم حينها شمعون بيريز القيام بها؛ إذ ستطأ قدما أول رئيس وزراء إسرائيلي الإمارة المطلة على الخليج العربي، وسيعزف النشيد الإسرائيلي الوطني، وسترفع أعلام الكيان الصهيوني. وما هي إلا أيام حتى حطت الطائرة الإسرائيلية في مطار الدوحة في الثاني من أبريل 1996، وخرج بيريز ليلتقي أمير قطر حينها حمد بن خليفة الذي يبدو أنه انقلب على كل شيء وليس على والده فقط، وحظي بيريز باستقبال رسمي، يصفه أول مدير لمكتب تمثيل المصالح الإسرائيلية في قطر سامي ريفيل في كتابه «قطر وإسرائيل: ملف العلاقات السرية» بـ«الكامل والحار»، لتعزف فرقة الموسيقى العسكرية القطرية النشيد الإسرائيلي (هتفكا)، ويعترف إيفيل بأن وقع الزيارة على المسؤولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم بيريز، خلق شعوراً بوجود إمكانية حقيقية لـ«تحقيق نبوءة الشرق الأوسط الجديد»!
ونظر الإسرائيليون إلى الانقلاب الذي أطاح بخليفة آل ثاني على يد ابنه حمد بن خليفة إلى أنه يبشر بتحول مهم في سياسة قطر، واعتبر ريفيل أن النظام الانقلابي الجديد نفذ إجراءات عدة سماها بـ«الإصلاحية» تدريجياً لوضع نهاية لفترة طويلة من «المراوحة في المكان»، ما يؤكد سعي الدوحة إلى لعب أدور أكبر من مراوحتها لمكانها التقليدي الذي تحدده الجغرافيا والتاريخ.
ووفقاً لشهادة المسؤول الإسرائيلي في كتابه (اطلعت «عكاظ» عليه)، فإن بيريز التقى أمير قطر المتهور حمد بن خليفة ووزير خارجيته حمد بن جاسم الذي يعد عراب الاتصالات الإسرائيلية - القطرية في القصر الأميري، ويشير إلى أن الملف الاقتصادي كان غطاء التقارب الذي يسعى حمد بن خليفة من خلاله للبحث عن رضا واشنطن عن توجهاته السياسية التي تخالف المواقف العربية المحافظة حيال إسرائيل بقيادة المملكة العربية السعودية.
ويبحر ريفيل في سرد تفاصيل اللقاء الذي يصفه في أكثر من موقع بـ«التاريخي»؛ إذ يشير إلى أن تل أبيب حضرت بكبار مسؤوليها الاقتصاديين إلى الدوحة «شارك رئيس اتحاد الصناعيين دان بروبر»، مشدداً أنه كان أبرز ما في أجواء حفل «الاستقبال الفاخر والرسمي» الذي جرى في القصر الأميري توقيع اتفاقية فتح مكاتب للتمثيل الدبلوماسي تحت مسمى «مكاتب تمثيل المصالح التجارية». انحراف قطري وبدا أن استعداد الدوحة في ظل نظامها الانقلابي الجديد للانحراف عن الإجماع العربي أعطى إشارة للإسرائيليين بوجود مسار جديد في العالم العربي بحسب شهادة ريفيل.
ويرى ريفيل، الذي قضى في الدوحة مع عائلته 3 أعوام، أن قطر كغيرها من دول الخليج تقع في عين العاصفة (التهديد الإيراني)، وأنها حاولت أن تشق طريقاً آخر بنفسها رغم تناقضاته، وسارعت بإقامة علاقات رسمية مع إسرائيل ووطدت علاقتها مع إيران عبر تقاسمها الحدود البحرية وحقول الغاز، كما وطدت علاقتها مع النظام البعثي السوري وحركة حماس الإخوانية وحزب الله.
ولم يغفل مدير مكتب تمثيل المصالح الإسرائيلية في قطر الدور الذي لعبه مسؤولون قطريون كبار من داخل القصر الأميري ووزارة الخارجية القطرية، والتنفيذيون في كبرى الشركات القطرية، في بلورة العلاقات بين بلادهم وإسرائيل، بيد أن عراب تلك الاتصالات كان حمد بن جاسم الذي لعب الدور الأكبر في انقلاب صيف 1995، ورسم سياسة الدوحة الخارجية التي بدت «مراهقة ومندفعة وخارقة لكل الأعراف».
ولعب مسؤولو وزارة الخارجية الإسرائيلية دوراً رئيسياً في عمليات الاتصال مع القطريين، ويورد ريفيل، اسمي أوري سافير، وايتام بنتسور من كبار المسؤولين في الخارجية الإسرائيلية، إضافة إلى مدير عام إدارة الشرق الأوسط وعملية السلام يو آف بيران، ونائب المدير العام رافي باراك.
وعلى غير ما يعتقده كثيرون، فإن الاتصالات القطرية - الإسرائيلية بدأت قبل 3 أعوام من زيارة بيريز إلى الدوحة؛ إذ شهد المقر الخاص للسفير القطري لدى الأمم المتحدة في نيويورك، بوادر «جس النبض» بين الدوحة وتل أبيب، عقب اجتماع وزير الخارجية حمد بن جاسم ونظيره الإسرائيلي شمعون بيريز، وهو أول اجتماع رسمي لمسؤولين رفيعين بين البلدين. ورغم تحفظ أمير قطر الأسبق خليفة آل ثاني على أي محاولة للاتصال مع إسرائيل، تجرأ فريق حمد بن خليفة في حكومة والده (كان ولياً للعهد ووزيراً للدفاع) بدعوة إسرائيل عام 1994 في فندق «شيراتون الدوحة» في اللقاء الختامي لمجموعات العمل في قضية مراقبة التسلح وتنمية الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط وترأس الوفد الإسرائيلي في هذه المحادثات مدير عام وزارة الدفاع الاسرائيلية آنذاك ديفيد عبري بحسب إفادة المسؤول القطري في الدوحة بين عامي 1996-1999.
ويصر ريفيل على التأكيد أن نقطة التحول في العلاقات القطرية الإسرائيلية كانت بعد إطاحة حمد بن خليفة بوالده من الحكم صيف 1995، مضيفاً «بعد تغيير الحكم شهدت الاتصالات القطرية والإسرائيلية زخماً جديداً». رسائل قطرية محفزة وأرسلت الحكومة الانقلابية الجديدة رسائل محفزة لإسرائيل، وأفصح حمد بن خليفة عن عمل إدارته على مشروع الغاز بين قطر وإسرائيل، والتقى حمد بن جاسم نظيره بيريز في أكتوبر عام 1995 في فندق «بورتا جراند» في العاصمة الأردنية (عمان)، وحسم مستشارا الرجلين تفاصيل الاتفاق في بهو الفندق، ليعطي حمد بن جاسم الضوء الأخضر لتوقيع المذكرة. واعتبر الإسرائيليون المذكرة إنجازاً كبيراً فهي الأولى من نوعها.
ووفقاً للكاتب، فإن الاتفاق يتضمن أن تحصل شركة «إنرون» في قطر على حقوق الغاز الطبيعي المستخرج من الحقل الشمال في قطر، وأن الطرفين بروح طيبة سيتفاوضان للتوصل إلى اتفاق بيع الغاز إلى إسرائيل بصفة نهائية.
وكان توقيع المذكرة - بحسب ريفيل- يضع قطر كأول إمارة خليجية تتخذ خطوة علنية وواضحة أمام العالم كله للانشقاق عن الحظر الاقتصادي العربي المباشر المفروض على إسرائيل. «كانت رائحة التاريخ تملأ الأجواء». ولا يخفي المسؤول الإسرائيلي صرامة الموقف السعودي حيال القضية الفلسطينية بالقول إن «المملكة ظلت صارمة حيال القضية الفلسطينية؛ إذ جدد وزير التجارة أسامة فقيه في المؤتمر الاقتصادي بعمان موقف بلاده المتمسك بفرض الحظر الاقتصادي على إسرائيل حتى يتم توقيع معاهدة سلام يشمل السيادة العربية على القدس الشرقية ورقابة دولية على البرنامج النووي الإسرائيلي». قطري في جنازة رابين وبعد أيام من انتهاء المؤتمر ومذكرة الاتفاق بين الدوحة وتل أبيب التي يعتبرها الإسرائيليون «تاريخية»، اغتيل إسحاق رابين في نوفمبر 1995، وهبطت طائرة وزير الإعلام القطري، عبدالعزيز بن حمد الكواري (قبل عامين من إلغاء الوزارة في قطر)، للمشاركة في تشييع رابين في مطار بن جوريون، ويقول ريفيل، إنه كان مرافقاً مع الكواري وقال إنه لم يكن يتخيل أبداً أن يأتي يوماً يزور فيه القدس تحت السيادة الإسرائيلية، ليحضر مراسم التأبين عبر طائرة هليكوبتر عسكرية إسرائيلية.
وأكد أن التطورات المهمة للعلاقات الإسرائيلية القطرية بدأت في ظل التطورات التي تشهدها قطر، بيد أنه وصف تلك الفترة بفترة المبالغة في كل شيء بما في ذلك ما كان يتأمله القطريون والإسرائيليون في علاقاتهما، واستدل بالتصريحات القطرية الرسمية حيال صفقات تجارية مع إسرائيل بما فيها بيع النفط، وإمكانية مشاركة الصناعات البيتروكمياوية الإسرائيلية في مشروعات كبيرة تم التخطيط لها في قطر، وعن إقامة مزارع مشتركة لزراعة المحاصيل في أجواء صحراوية، وعن إجراء أبحاث مشتركة في مجال تحلية المياه، وعن مشروعات في مجال الطيران والسياحة مع الخطوط القطرية، وفوق كل ذلك بدأ الحديث عن إقامة مشروعات الغاز الطبيعي المسال بين قطر وإسرائيل بتكلفة تتجاوز الـ 5 مليارات دولار.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، يشير ريفيل إلى الاتصالات المكثفة بين كبار المسؤولين القطريين ونظرائهم الإسرائيليين، ويلفت إلى لقاء حمد بن جاسم مع نظيره الإسرائيلي إيهود باراك، في باريس عام 1996، واللقاءات المتلاحقة مع صناع القرار القطري ومستشاريهم المقربين في الشهور التالية لذلك، وبعد تلك اللقاءات جاء الحديث للقيام بالخطوة التالية وهي إقامة العلاقات والفتح المتبادل لمكاتب تمثيل المصالح.
ولا يخفي ريفيل أن قطر تعرضت لضغوط وصفها بـ «الهائلة» من الدول المجاورة لها في قلب الخليج العربي، خصوصاً في ضوء حجم الجارة الكبرى (السعودية) ومواقفها المحافظة والثابتة تجاه حقوق الفلسطينيين.
ويضيف: «لذلك كان من الضروري انتظار الوقت المناسب لاتخاذ القرار لدى القطريين حتى تنشأ من وجهة نظرهم الظروف التي تتيح لهم تجاوز الخطوط السياسية واتخاذ خطوة كان من المتوقع أن تضع قطر في قلب العاصفة».
ولم يأخذ القطريون وقتاً طويلاً في التفكير؛ إذ قضي الأمر قبل شهرين فقط من الانتخابات الإسرائيلية التي تنافس فيها شمعون بيريز وبنيامين نتنياهو على رئاسة الوزراء، ووجه القطريون دعوة رسمية لبيريز لزيارة قطر في إطار إظهارها تعبيراً عملياً للتقارب مع إسرائيل.
وافتتح الإسرائيليون في خطوة مثيرة مكتباً للتمثيل الدبلوماسي تحت مسمى «مكاتب تمثيل المصالح التجارية»، وبدت ملامح المكتب سياسية رغم الغطاء الاقتصادي. كاذبون مع العرب ولم يقلق الإسرائيليون من التصريحات الحادة تجاههم والوعود التي يدلي بها المسؤولون القطريون للعرب في الجامعة العربية، حتى أن ريفيل يؤكد أن ما يقوله القطريون للعرب عكس ما يتم على أرض الواقع.
واستشهد ريفيل بأنه رغم التوتر المتصاعد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتعهد قطر بإلغاء اتفاقية الغاز، التي لم تكن سوى مذكرة وفي مراحلها الأولية، أرسل رئيس الوزراء القطري وزير الداخلية عبدالله بن خليفة دعوة لإسرائيل في نوفمبر 1996 في معرض «Milipol Qatar» الدولي لوسائل الأمن الداخلي والتأمين ومعدات الشرطة، وهو نسخة من معرض Milipol«Paris»، وكانت هذه المرة الأولى التي تتلقى إسرائيل دعوة رسمية للمشاركة في معرض تجاري في دولة خليجية.
ورأى الإسرائيليون أن للدعوة أهميةً سياسيةً كبرى؛ لأن حرص قطر على مشاركة إسرائيل في المعرض أكد أن إعلان الدوحة تجميد علاقاتها مع تل أبيب في أعقاب تعرضها لضغوط كبيرة من جامعة الدول العربية بعد تشكيل حكومة نتنياهو لا يتجاوز الوعود الكلامية.
ولا تزال الدعوات القطرية للإسرائيليين مستمرة في كافة الأصعدة (السياسية، الاقتصادية، الرياضية، وحتى التعليمية والثقافية). وظل بيريز -أحد أهم عرابي الاتصالات مع الدوحة -حاضراً في خريطة العلاقات الإسرائيلية القطرية، حتى أنه زار الدوحة مرة أخرى في مطلع 2007، والتقى أميرها حينها حمد بن خليفة في القصر الأميري، وأوضحت الإذاعة الإسرائيلية أن زيارة بيريز إلى الدوحة كانت تلبية لدعوة برنامج (مناظرات الدوحة) الذي تنظمه مؤسسة أكاديمية قطرية.
وكانت زيارة بيريز الثانية لافتة أكثر، فرغم المزاعم القطرية بارتفاع وتيرة الخلاف مع تل أبيب، إلا أن الرجل الإسرائيلي الثقيل، جال العاصمة القطرية والتقى طلاباً جامعيين.
وزارت وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني، التي كانت تقوم بأعمال رئيس الوزراء المستقيل حينها إيهود أولمرت، الدوحة، والتقت ليفني بحمد بن خليفة وحمد بن جاسم في أبريل 2008، وهي أول وزيرة خارجية تزور الدوحة، وثاني مسؤولة بعد بيريز تلتقي القيادة القطرية على أرضها.
كما أكدت الدوحة سماحها لإسرائيل بالمشاركة في بطولة كأس العالم 2022 إذا حققت متطلبات التأهل.
ولا يخجل المسؤولون القطريون من الاعتراف بأن هرولة الدوحة إلى تل أبيب حينها كانت من أجل خطب ود واشنطن، حتى أن وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم، اعترف أنهم فعلوا ذلك لكسب الأمريكيين، في وقت لا يزال النظام القطري يزايد على أصحاب المواقف الثابتة والراسخة في القضية الفلسطينية.
ونظر الإسرائيليون إلى الانقلاب الذي أطاح بخليفة آل ثاني على يد ابنه حمد بن خليفة إلى أنه يبشر بتحول مهم في سياسة قطر، واعتبر ريفيل أن النظام الانقلابي الجديد نفذ إجراءات عدة سماها بـ«الإصلاحية» تدريجياً لوضع نهاية لفترة طويلة من «المراوحة في المكان»، ما يؤكد سعي الدوحة إلى لعب أدور أكبر من مراوحتها لمكانها التقليدي الذي تحدده الجغرافيا والتاريخ.
ووفقاً لشهادة المسؤول الإسرائيلي في كتابه (اطلعت «عكاظ» عليه)، فإن بيريز التقى أمير قطر المتهور حمد بن خليفة ووزير خارجيته حمد بن جاسم الذي يعد عراب الاتصالات الإسرائيلية - القطرية في القصر الأميري، ويشير إلى أن الملف الاقتصادي كان غطاء التقارب الذي يسعى حمد بن خليفة من خلاله للبحث عن رضا واشنطن عن توجهاته السياسية التي تخالف المواقف العربية المحافظة حيال إسرائيل بقيادة المملكة العربية السعودية.
ويبحر ريفيل في سرد تفاصيل اللقاء الذي يصفه في أكثر من موقع بـ«التاريخي»؛ إذ يشير إلى أن تل أبيب حضرت بكبار مسؤوليها الاقتصاديين إلى الدوحة «شارك رئيس اتحاد الصناعيين دان بروبر»، مشدداً أنه كان أبرز ما في أجواء حفل «الاستقبال الفاخر والرسمي» الذي جرى في القصر الأميري توقيع اتفاقية فتح مكاتب للتمثيل الدبلوماسي تحت مسمى «مكاتب تمثيل المصالح التجارية». انحراف قطري وبدا أن استعداد الدوحة في ظل نظامها الانقلابي الجديد للانحراف عن الإجماع العربي أعطى إشارة للإسرائيليين بوجود مسار جديد في العالم العربي بحسب شهادة ريفيل.
ويرى ريفيل، الذي قضى في الدوحة مع عائلته 3 أعوام، أن قطر كغيرها من دول الخليج تقع في عين العاصفة (التهديد الإيراني)، وأنها حاولت أن تشق طريقاً آخر بنفسها رغم تناقضاته، وسارعت بإقامة علاقات رسمية مع إسرائيل ووطدت علاقتها مع إيران عبر تقاسمها الحدود البحرية وحقول الغاز، كما وطدت علاقتها مع النظام البعثي السوري وحركة حماس الإخوانية وحزب الله.
ولم يغفل مدير مكتب تمثيل المصالح الإسرائيلية في قطر الدور الذي لعبه مسؤولون قطريون كبار من داخل القصر الأميري ووزارة الخارجية القطرية، والتنفيذيون في كبرى الشركات القطرية، في بلورة العلاقات بين بلادهم وإسرائيل، بيد أن عراب تلك الاتصالات كان حمد بن جاسم الذي لعب الدور الأكبر في انقلاب صيف 1995، ورسم سياسة الدوحة الخارجية التي بدت «مراهقة ومندفعة وخارقة لكل الأعراف».
ولعب مسؤولو وزارة الخارجية الإسرائيلية دوراً رئيسياً في عمليات الاتصال مع القطريين، ويورد ريفيل، اسمي أوري سافير، وايتام بنتسور من كبار المسؤولين في الخارجية الإسرائيلية، إضافة إلى مدير عام إدارة الشرق الأوسط وعملية السلام يو آف بيران، ونائب المدير العام رافي باراك.
وعلى غير ما يعتقده كثيرون، فإن الاتصالات القطرية - الإسرائيلية بدأت قبل 3 أعوام من زيارة بيريز إلى الدوحة؛ إذ شهد المقر الخاص للسفير القطري لدى الأمم المتحدة في نيويورك، بوادر «جس النبض» بين الدوحة وتل أبيب، عقب اجتماع وزير الخارجية حمد بن جاسم ونظيره الإسرائيلي شمعون بيريز، وهو أول اجتماع رسمي لمسؤولين رفيعين بين البلدين. ورغم تحفظ أمير قطر الأسبق خليفة آل ثاني على أي محاولة للاتصال مع إسرائيل، تجرأ فريق حمد بن خليفة في حكومة والده (كان ولياً للعهد ووزيراً للدفاع) بدعوة إسرائيل عام 1994 في فندق «شيراتون الدوحة» في اللقاء الختامي لمجموعات العمل في قضية مراقبة التسلح وتنمية الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط وترأس الوفد الإسرائيلي في هذه المحادثات مدير عام وزارة الدفاع الاسرائيلية آنذاك ديفيد عبري بحسب إفادة المسؤول القطري في الدوحة بين عامي 1996-1999.
ويصر ريفيل على التأكيد أن نقطة التحول في العلاقات القطرية الإسرائيلية كانت بعد إطاحة حمد بن خليفة بوالده من الحكم صيف 1995، مضيفاً «بعد تغيير الحكم شهدت الاتصالات القطرية والإسرائيلية زخماً جديداً». رسائل قطرية محفزة وأرسلت الحكومة الانقلابية الجديدة رسائل محفزة لإسرائيل، وأفصح حمد بن خليفة عن عمل إدارته على مشروع الغاز بين قطر وإسرائيل، والتقى حمد بن جاسم نظيره بيريز في أكتوبر عام 1995 في فندق «بورتا جراند» في العاصمة الأردنية (عمان)، وحسم مستشارا الرجلين تفاصيل الاتفاق في بهو الفندق، ليعطي حمد بن جاسم الضوء الأخضر لتوقيع المذكرة. واعتبر الإسرائيليون المذكرة إنجازاً كبيراً فهي الأولى من نوعها.
ووفقاً للكاتب، فإن الاتفاق يتضمن أن تحصل شركة «إنرون» في قطر على حقوق الغاز الطبيعي المستخرج من الحقل الشمال في قطر، وأن الطرفين بروح طيبة سيتفاوضان للتوصل إلى اتفاق بيع الغاز إلى إسرائيل بصفة نهائية.
وكان توقيع المذكرة - بحسب ريفيل- يضع قطر كأول إمارة خليجية تتخذ خطوة علنية وواضحة أمام العالم كله للانشقاق عن الحظر الاقتصادي العربي المباشر المفروض على إسرائيل. «كانت رائحة التاريخ تملأ الأجواء». ولا يخفي المسؤول الإسرائيلي صرامة الموقف السعودي حيال القضية الفلسطينية بالقول إن «المملكة ظلت صارمة حيال القضية الفلسطينية؛ إذ جدد وزير التجارة أسامة فقيه في المؤتمر الاقتصادي بعمان موقف بلاده المتمسك بفرض الحظر الاقتصادي على إسرائيل حتى يتم توقيع معاهدة سلام يشمل السيادة العربية على القدس الشرقية ورقابة دولية على البرنامج النووي الإسرائيلي». قطري في جنازة رابين وبعد أيام من انتهاء المؤتمر ومذكرة الاتفاق بين الدوحة وتل أبيب التي يعتبرها الإسرائيليون «تاريخية»، اغتيل إسحاق رابين في نوفمبر 1995، وهبطت طائرة وزير الإعلام القطري، عبدالعزيز بن حمد الكواري (قبل عامين من إلغاء الوزارة في قطر)، للمشاركة في تشييع رابين في مطار بن جوريون، ويقول ريفيل، إنه كان مرافقاً مع الكواري وقال إنه لم يكن يتخيل أبداً أن يأتي يوماً يزور فيه القدس تحت السيادة الإسرائيلية، ليحضر مراسم التأبين عبر طائرة هليكوبتر عسكرية إسرائيلية.
وأكد أن التطورات المهمة للعلاقات الإسرائيلية القطرية بدأت في ظل التطورات التي تشهدها قطر، بيد أنه وصف تلك الفترة بفترة المبالغة في كل شيء بما في ذلك ما كان يتأمله القطريون والإسرائيليون في علاقاتهما، واستدل بالتصريحات القطرية الرسمية حيال صفقات تجارية مع إسرائيل بما فيها بيع النفط، وإمكانية مشاركة الصناعات البيتروكمياوية الإسرائيلية في مشروعات كبيرة تم التخطيط لها في قطر، وعن إقامة مزارع مشتركة لزراعة المحاصيل في أجواء صحراوية، وعن إجراء أبحاث مشتركة في مجال تحلية المياه، وعن مشروعات في مجال الطيران والسياحة مع الخطوط القطرية، وفوق كل ذلك بدأ الحديث عن إقامة مشروعات الغاز الطبيعي المسال بين قطر وإسرائيل بتكلفة تتجاوز الـ 5 مليارات دولار.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، يشير ريفيل إلى الاتصالات المكثفة بين كبار المسؤولين القطريين ونظرائهم الإسرائيليين، ويلفت إلى لقاء حمد بن جاسم مع نظيره الإسرائيلي إيهود باراك، في باريس عام 1996، واللقاءات المتلاحقة مع صناع القرار القطري ومستشاريهم المقربين في الشهور التالية لذلك، وبعد تلك اللقاءات جاء الحديث للقيام بالخطوة التالية وهي إقامة العلاقات والفتح المتبادل لمكاتب تمثيل المصالح.
ولا يخفي ريفيل أن قطر تعرضت لضغوط وصفها بـ «الهائلة» من الدول المجاورة لها في قلب الخليج العربي، خصوصاً في ضوء حجم الجارة الكبرى (السعودية) ومواقفها المحافظة والثابتة تجاه حقوق الفلسطينيين.
ويضيف: «لذلك كان من الضروري انتظار الوقت المناسب لاتخاذ القرار لدى القطريين حتى تنشأ من وجهة نظرهم الظروف التي تتيح لهم تجاوز الخطوط السياسية واتخاذ خطوة كان من المتوقع أن تضع قطر في قلب العاصفة».
ولم يأخذ القطريون وقتاً طويلاً في التفكير؛ إذ قضي الأمر قبل شهرين فقط من الانتخابات الإسرائيلية التي تنافس فيها شمعون بيريز وبنيامين نتنياهو على رئاسة الوزراء، ووجه القطريون دعوة رسمية لبيريز لزيارة قطر في إطار إظهارها تعبيراً عملياً للتقارب مع إسرائيل.
وافتتح الإسرائيليون في خطوة مثيرة مكتباً للتمثيل الدبلوماسي تحت مسمى «مكاتب تمثيل المصالح التجارية»، وبدت ملامح المكتب سياسية رغم الغطاء الاقتصادي. كاذبون مع العرب ولم يقلق الإسرائيليون من التصريحات الحادة تجاههم والوعود التي يدلي بها المسؤولون القطريون للعرب في الجامعة العربية، حتى أن ريفيل يؤكد أن ما يقوله القطريون للعرب عكس ما يتم على أرض الواقع.
واستشهد ريفيل بأنه رغم التوتر المتصاعد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتعهد قطر بإلغاء اتفاقية الغاز، التي لم تكن سوى مذكرة وفي مراحلها الأولية، أرسل رئيس الوزراء القطري وزير الداخلية عبدالله بن خليفة دعوة لإسرائيل في نوفمبر 1996 في معرض «Milipol Qatar» الدولي لوسائل الأمن الداخلي والتأمين ومعدات الشرطة، وهو نسخة من معرض Milipol«Paris»، وكانت هذه المرة الأولى التي تتلقى إسرائيل دعوة رسمية للمشاركة في معرض تجاري في دولة خليجية.
ورأى الإسرائيليون أن للدعوة أهميةً سياسيةً كبرى؛ لأن حرص قطر على مشاركة إسرائيل في المعرض أكد أن إعلان الدوحة تجميد علاقاتها مع تل أبيب في أعقاب تعرضها لضغوط كبيرة من جامعة الدول العربية بعد تشكيل حكومة نتنياهو لا يتجاوز الوعود الكلامية.
ولا تزال الدعوات القطرية للإسرائيليين مستمرة في كافة الأصعدة (السياسية، الاقتصادية، الرياضية، وحتى التعليمية والثقافية). وظل بيريز -أحد أهم عرابي الاتصالات مع الدوحة -حاضراً في خريطة العلاقات الإسرائيلية القطرية، حتى أنه زار الدوحة مرة أخرى في مطلع 2007، والتقى أميرها حينها حمد بن خليفة في القصر الأميري، وأوضحت الإذاعة الإسرائيلية أن زيارة بيريز إلى الدوحة كانت تلبية لدعوة برنامج (مناظرات الدوحة) الذي تنظمه مؤسسة أكاديمية قطرية.
وكانت زيارة بيريز الثانية لافتة أكثر، فرغم المزاعم القطرية بارتفاع وتيرة الخلاف مع تل أبيب، إلا أن الرجل الإسرائيلي الثقيل، جال العاصمة القطرية والتقى طلاباً جامعيين.
وزارت وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني، التي كانت تقوم بأعمال رئيس الوزراء المستقيل حينها إيهود أولمرت، الدوحة، والتقت ليفني بحمد بن خليفة وحمد بن جاسم في أبريل 2008، وهي أول وزيرة خارجية تزور الدوحة، وثاني مسؤولة بعد بيريز تلتقي القيادة القطرية على أرضها.
كما أكدت الدوحة سماحها لإسرائيل بالمشاركة في بطولة كأس العالم 2022 إذا حققت متطلبات التأهل.
ولا يخجل المسؤولون القطريون من الاعتراف بأن هرولة الدوحة إلى تل أبيب حينها كانت من أجل خطب ود واشنطن، حتى أن وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم، اعترف أنهم فعلوا ذلك لكسب الأمريكيين، في وقت لا يزال النظام القطري يزايد على أصحاب المواقف الثابتة والراسخة في القضية الفلسطينية.