عودة للخرف
أشواك
الاثنين / 07 / محرم / 1440 هـ الاثنين 17 سبتمبر 2018 02:08
عبده خال
ثمة قضايا مجتمعية لا بد من معاودة طرقها للبحث عن مخرج، وفي زمن ثورة التواصل أحدثت موجة من الارتداد للداخل، الكل يبث والكل يستقبل، أصبح الإنسان كفوهة بئر تستقبل مياه الأودية مجتمعة، فتمتلئ حتى تفيض وليس هناك من يبرحها.
غدا كل منا لا يستطيع أن يفكر خارج ما تجتاحه من رسائل وأخبار ومقاطع، فيقوم بدوره ببث ما يصله من غث وسمين، وفي هذا الإغراق لا تحدث عملية الشهيق والزفير، الكل غارق ويبحث له عن مخرج، وقد كتبت عن هذا الإغراق قائلا إنه لم تعد هناك من وسيلة للهرب من طوفان الأخبار والتعليقات والمقولات، وكل ما نتبادله جالب للقلق أو السأم، وربما أن ما يحدث الآن هو استعادة لزمن بداية الثورة الصناعية في أوروبا وانشغال الناس عن حياتهم الأولى المتسمة بالدعة إلى العمل والانهماك الزائد فيه، عندها ظهرت دعوة لمطالبة الناس بالعودة إلى القرية من أجل المحافظة على سلامة الروح من الانجراف في الحياة الميكانيكية ذات التسارع المفقد لروح الجماعة، ويظهر لي أن العالم الآن يبحث له عن موقع ليهرب إليه، بحثا عن ملجأ يقيه من طوفان الأخبار والحكايات، ولأن مكنة التواصل مسحت من الخارطة وجود القرية أو الريف أو هدوء الصحراء أو الجزر النائية فلم يعد هناك مكان لتهرب إليه من كل هذه الضوضاء.
وإذا كانت تلك الدعوة صالحة في ذلك الزمن لوجود ظهير للمدينة بأن تهرب إليه كالقرى والأرياف إلا أن هذا الظهير غرق داخل المدينة أيضا فلم تعد هناك قرية فقد استوطنتها كل أدوات التواصل.
وقد كتبت مرتين عن الروائي العظيم جابريل ماركيز، أولها عندما أصيب بالخرف والثانية عند رحيله، وقد مكنه الزمن من أن يقف على تفسخ الحكاية من خلال أدوات التواصل، وعندما أصيب بالخرف قلت في نفسي لقد هرب من المصيدة التي أعدت للبشرية، فبعد أن تمتع بخلق عوالم ساحرة من القصص وأسكننا بها اكتشف أن العالم لن يستقبل شيئا جديدا منه كونه منشغلا بتلقي الرسائل القصيرة ذات الوخز الحاد من غير أن يعيش صاحبها لحظة حلم، ولأن ماركيز فنان عظيم قرر الرحيل إلى براري الخرف هربا من حياة مرهقة بما تحمله لنا من أخبار متوالية وسقيمة.
وأجدني أعيد سؤالي:
هل على كل ذي فن أن يهرب باتجاه الخرف كون عوالمه لن تكون محل تهافت كما كان يحدث سابقا، ربما في هذا الهياج التواصلي لا تستطيع أن تسمع قصيدة رائعة أو أغنية ذات شجن أو رواية ذات عالم مدهش. ربما أشعر بهذا كون الفضاء غدا مزدحما بما لا يجب أن يسمع، وربما هو شعور مقدم للحاق بماركيز -في محطته الأولى- من عالم الخرف، ذلك العالم الذي يسقط فيه الرهق النفسي وتعود لتهجئة حروف العالم لتشكلها وتصنع عالما لا يستقيم إلا في بالك الوديع.
غدا كل منا لا يستطيع أن يفكر خارج ما تجتاحه من رسائل وأخبار ومقاطع، فيقوم بدوره ببث ما يصله من غث وسمين، وفي هذا الإغراق لا تحدث عملية الشهيق والزفير، الكل غارق ويبحث له عن مخرج، وقد كتبت عن هذا الإغراق قائلا إنه لم تعد هناك من وسيلة للهرب من طوفان الأخبار والتعليقات والمقولات، وكل ما نتبادله جالب للقلق أو السأم، وربما أن ما يحدث الآن هو استعادة لزمن بداية الثورة الصناعية في أوروبا وانشغال الناس عن حياتهم الأولى المتسمة بالدعة إلى العمل والانهماك الزائد فيه، عندها ظهرت دعوة لمطالبة الناس بالعودة إلى القرية من أجل المحافظة على سلامة الروح من الانجراف في الحياة الميكانيكية ذات التسارع المفقد لروح الجماعة، ويظهر لي أن العالم الآن يبحث له عن موقع ليهرب إليه، بحثا عن ملجأ يقيه من طوفان الأخبار والحكايات، ولأن مكنة التواصل مسحت من الخارطة وجود القرية أو الريف أو هدوء الصحراء أو الجزر النائية فلم يعد هناك مكان لتهرب إليه من كل هذه الضوضاء.
وإذا كانت تلك الدعوة صالحة في ذلك الزمن لوجود ظهير للمدينة بأن تهرب إليه كالقرى والأرياف إلا أن هذا الظهير غرق داخل المدينة أيضا فلم تعد هناك قرية فقد استوطنتها كل أدوات التواصل.
وقد كتبت مرتين عن الروائي العظيم جابريل ماركيز، أولها عندما أصيب بالخرف والثانية عند رحيله، وقد مكنه الزمن من أن يقف على تفسخ الحكاية من خلال أدوات التواصل، وعندما أصيب بالخرف قلت في نفسي لقد هرب من المصيدة التي أعدت للبشرية، فبعد أن تمتع بخلق عوالم ساحرة من القصص وأسكننا بها اكتشف أن العالم لن يستقبل شيئا جديدا منه كونه منشغلا بتلقي الرسائل القصيرة ذات الوخز الحاد من غير أن يعيش صاحبها لحظة حلم، ولأن ماركيز فنان عظيم قرر الرحيل إلى براري الخرف هربا من حياة مرهقة بما تحمله لنا من أخبار متوالية وسقيمة.
وأجدني أعيد سؤالي:
هل على كل ذي فن أن يهرب باتجاه الخرف كون عوالمه لن تكون محل تهافت كما كان يحدث سابقا، ربما في هذا الهياج التواصلي لا تستطيع أن تسمع قصيدة رائعة أو أغنية ذات شجن أو رواية ذات عالم مدهش. ربما أشعر بهذا كون الفضاء غدا مزدحما بما لا يجب أن يسمع، وربما هو شعور مقدم للحاق بماركيز -في محطته الأولى- من عالم الخرف، ذلك العالم الذي يسقط فيه الرهق النفسي وتعود لتهجئة حروف العالم لتشكلها وتصنع عالما لا يستقيم إلا في بالك الوديع.