تحقيقات

هشاشة مفاصل «الفيصلية»

ماذا أنت فاعل يا أمين؟

محطة أشياب التحلية تتوسط الحي.

عبدالله الداني (جدة) aaaldani@

«حي الفيصلية 3» الذي تربطه صلة القرابة بـ «الأشياب» والشارع الأشهر في جدة «التحلية» يقول سكانه إن أزماته تنطلق من القرابتين، فالحي الذي يتوسط الشارع الفخيم والنبع الرئيسي للماء، يتوزع بين الفخامة والعشوائية، بين النعومة والحفر، بسبب ثقل حجم الآليات الثقيلة وناقلات المياه الضخمة التي تنهب الشوارع نهبا وأصابته بالكدمات والجروح العميقة.. ربما يختلف الفيصلية 3 عن بقية رصفائه في الحي الممتد من طريق الأمير محمد بن عبدالعزيز (التحلية) جنوبا حتى شارع صاري شمالا، ومن طريق المدينة غربا إلى شارع الأمير ماجد بن عبدالعزيز (السبعين) شرقا، ويكمن الاختلاف الواضح في مفاصل الفيصلية في الوضع العام الذي يسود الجزء الثالث سكانا ومحتويات وملامح يشكل دوار «الدراجة» أبرزها.

الجزء المعني بجولة «عكاظ» يقع بين شارعي (التحلية) والروضة جنوبا وشمالا، وطريقي الملك فهد (الستين) والمكرونة غربا وشرقا، وهو الموقع الذي يئن تحت وطأة مشكلات عدة أولاها احتشاد المعدات والشاحنات التي اختارت الحي ملاذا وسكنا لها فباتت مطالب سكانه الأولى تحريرهم من عنت الشاحنات والناقلات والمعدات الجاثمة على قلب وروح الحي.. يقول سكانه إن أزمات الفيصلية 3 ليست جديدة ولا طارئة بل ظلت ملفات دائمة وعالقة على طاولات مسؤولي أمانة جدة في مختلف حقبها، وليس هناك جديد يعاد، «الأمور هنا واضحة، ولا تحتاج إلى مزيد من الإفصاح والشكوى، الملفات موجودة على الطاولة، فقط المطلوب من الأمين الجديد إعادة فتحها وقراءتها والتأشير عليها وحسم مطلوباتها». هل من امتياز؟ مجاورة الحي لأشياب ووحدة التحلية من أكبر الإشكاليات التي تتفرع من الأزمات والاختناقات، فالجوار كما يقول الأهالي لم يمنح الأهالي أي ميزة عن غيرهم بل على النقيض تماما، شكل عبئا إضافيا بسبب تسلل الناقلات إلى عمق الأحياء ومزاحمة السكان في مواقفهم، فلا تكاد تجد فضاء في الحي بعدما احتلته الشاحنات والمعدات، الأمر الذي يعتبره السكان ضيوفا ثقلاء غير مرحب بهم، إذ باتت الشاحنات والمعدات مصادر قلق وإزعاج للجميع.

ويرى هؤلاء أن قرب الفيصلية من الشارع الأشهر في جدة لم يضف أيضا أي مزايا لهم، إذ بات حيهم محل مقارنة بين شارع فخيم وأزقة عشوائية ضيقة كثيقة المخلفات والمخالفات. ولعل أكثر ما يتحدث عنه الأهالي يتمثل في مشاريع الحفر وإعادة الحفر فباتت الشوارع مغلقة من كل جانب، ما إن تطمر الحفر إلا وتلحقها حفرة أعمق منها، وما يتم طمرها وردمها تبدو مثل الندوب والتلال تؤذي المركبات ولا يسلم منها حتى الأبرياء العابرون، أما تدفقات الصرف الصحي في الحي، فقد مل الأهالي الحديث عنها، إذ إن لا أحد يلتفت إلى صرخاتهم، في ظل تداخل الاختصاصات بين الأمانة وجهات أخرى.. الحي بين نارين يسأل أحد المواطنين: من هو المختص بمعالجة التسربات والتدفقات أهي الأمانة أم شركة المياه؟ وما ذنب المواطن الذي بات معلقا بين جهتين؟

يركز أحمد الفرشوطي حديثه في الشاحنات والصهاريج المتوقفة داخل الحي، «باتت مصدر إزعاج للسكان بشكل لا يتصوره أحد، لعجلاتها دبيب يهز الأرض مع تحركاتها المستمرة ليل نهار، وتزيد الوطأة في ساعات الليل إذ يعمد سائقوها إلى إيقافها في مكان مجرى السيل القديم، وأضحى واقع الحي مؤلما نناشد بضرورة إصلاح ما يمكن إصلاحه ومعالجة الخلل وتنظيم الوضع في الحي فالراحة باتت مفقودة بسبب الشاحنات والعشوائية التي يعيشها الحي»، أما صلاح باعامر، أب لأسرة مكونة من 5 أفراد، فأوضح أنه بات قلقا على أطفاله الصغار من مخاطر الشاحنات وتردد العمالة الوافدة المخالفة التي تقطن الحي بكثرة وتعمد على الجلوس والتسكع في حي أغلبه من العائلات.. هذه مصيبة كبرى، ففي الصباح الباكر يذهب بعضهم إلى أعمالهم ويعودون في المساء ويتسكعون في أزقة الحي ويبقى البعض جالسا أمام منزله يحدق في العابرين من الرجال والنساء في مناظر جارحة. متى يحين أوان الرحيل؟ أحمد باسندوة اكتفى بالقول إن ما استعرضه جيرانه من السكان يكفي لوصف حالة الفيصلية 3 ويزيد: لن أزيد تعليقا على ما يبدو للجميع فالصور توضح كل شيء وبإمكانكم التقاط ما ترون من مشاهد سيئة يزخر بها الحي وتشكل خطرا على ساكنيه منذ سنوات طويلة دون أدنى تحرك أو إيجاد حل رغم المناشدات المتكررة لكل من لديه صلاحية لإنهاء الإشكالية، ويبدو أن انتظارنا سيطول أيضا هذه المرة، «في الجهة الشرقية من الحي وخصوصا الناحية المقابلة لأشياب التحلية يفقد الحي السكينة والطمأنينة بفعل دبيب الشاحنات الداخلة والخارجة والمتوقفة والتي اتخذت من مجرى السيل المردوم ملاذا آمنا وموقفا لها ونبتت في ذات المواقع ورش إصلاح خاصة بتلك الناقلات ما يعني أن بقاءها سيطول.. الميادين والفضاءات تحولت إلى مواقع ميكانيكا في الهواء الطلق».

أما معاناة المقيم العربي سيد عبدالكريم فيلخصها هو بنفسه، «أتمنى أن أجد وقتا للراحة بعد قدومي من عملي الشاق قبل العشاء بلا جدوى، أنشد الراحة في وسط مليء بالضجيج.. هذا متعب وشاق أفكر جادا الرحيل من هنا».

ويضيف أن واقع الحي الشعبي شجع على تكاثر السلبيات كالعمالة السائبة وكثرة الشاحنات وتدفقات وطفوحات مياه الصرف والمجاري والطرق المنهكة بفعل سير الشاحنات. وهذا أمر بات طبيعيا في الحي، فضلا عما تسببه مياه الصرف من تكاثر للبعض والذباب والأمراض، متسائلا: كيف تعيش العائلات داخل حي مكتظ بالعزاب؟

اما عبدالشكور فلاتة فيقول: دائما أعبر بهذه المنطقة وهي تختلف عن بقية أجزاء حي الفيصلية الممتد إلى ناحية الشمال من المحافظة، إلا أنه يمثل جزءا مختلفا تماما.. كثير الفوضوية والعشوائية، ونتمنى إزالة هذه التلوث البصري الذي يعكر واجهة الحي. للوقوف الخاطئ ثمن أوضح مصدر في شرطة محافظة جدة أن هناك حملات أمنية منتظمة تطال الأحياء طبقا لخطط زمنية دقيقة ومعلومات وتحريات يتم حصرها في مربعات معينة، وتباشر الدوريات السرية مهماتها بشكل دائم فضلا عن البلاغات الواردة من مواطنين يشعرون بالمسؤولية الاجتماعية تجاه الحي، مبينا أن حل إشكالية العمالة المخالفة لا يتم دون التعاون من داخل الحي، إذ يتوجب على أصحاب العقارات عدم إسكان العمالة المخالفة في هذا الحي وغيره، وإذا لم يجدوا التعاون فلن يجدوا مكانا يسكنون فيه.

من جانبه، أوضح المتحدث باسم إدارة المرور في محافظة جدة العقيد زيد الحمزي أن دوريات المرور تجوب بشكل دائم الشوارع المحيطة بالحي وتوقع العقوبات على الشاحنات المخالفة التي تقف بشكل خاطئ، وتلك التي تعيق حركة السير والمرور. ماذا عن ورش الشاحنات؟ المتحدث الإعلامي لمديرية الدفاع المدني بمنطقة مكة المكرمة العقيد سعيد سرحان، أوضح أن دوريات السلامة تراقب عن كثب ما يتعلق بمهماتها من ناحية توافر أدوات السلامة وغيرها، كما أكد أن هناك اشتراطات معينة لافتتاح الورش والمحلات التجارية وخصوصا تلك التي تتعلق بالأنشطة التي لا تتناسب ممارستها داخل الأحياء السكنية كمحطات الوقود ومحلات توزيع أسطوانات الغاز وغيرها، وأن المنطقة وغيرها تحظى بمتابعة دائمة من الدفاع المدني.