ثقافة وفن

«تتلوّى كاف تشبيه» تقرأ تجربة «حسن السبع»

مع ذكرى مرور عام على رحيله

45-hinh-nen-powerpoint-dep-ve-lich-su-khong-the-bo-qua-10-702x336

عرض: علي بن محمد الرباعيokaz_online@

تصدى الزميل حسين الجفال لمشروع وفاء للشاعر الراحل حسن السبع، بإصداره كتاب «تتلوى كاف التشبيه» تضمن دراسات عن تجربة السبع الشعرية والكتابية طيلة ثلاثة عقود، وأسهم بها كل من النقاد الدكتور فهد حسين من البحرين، والدكتور سعد البازعي، والدكتورة ميساء الخواجا، والدكتور محمد حبيبي من المملكة، وتزامن إصدار الكتاب مع ذكرى مرور عام على رحيل الشاعر السبع.

ويؤكد الجفال أن تجربة حسن السبع برغم أنها لا توازي ما أصدر مجايلوه؛ إذ أصدر أربع مجاميع شعرية، ورواية واحدة، وكتاب مقالات، إلا أن تجربته عريضة في سعة مراجعها واتساع الآفاق التي يستشرفها.

فيما تناول الناقد الدكتور فهد بن حسين «البحرين» رواية حسن السبع «ليالي عنان» وعدّها من الروايات التي تأخذ القارئ إلى عوالم من المجتمع العربي بين ماضيه وحاضره ومستقبله، وتطلعات الكاتب في وطننا الكبير عامة، والمنطقة بخاصة، والغوص في ثنايا الأحداث لترى الأسئلة تتمظهر بين المفردات بألسنة الشخصيات من جهة، ويرى أن الرواية تفرض عليك قراءتها، ومناقشتها، والتعليق عليها، ليس في أحداثها وحبكتها الفنية والجمالية، بل في طبيعة هذا النسيج الذي حاول الكاتب بناءه في سياق أحداث العالم العربي، والتمكن من مد الجسر الحضاري والثقافي والأدبي بين ماضي التراث العربي واقعنا المعيش، والتطلع إلى المستقبل، بما تناولته من واقع مؤلم لعالمنا العربي، من خلال رؤية إنسان القرن الواحد والعشرين.

واستعرضت الناقدة الدكتورة ميساء الخواجا من تجربة السبع الكتابة والسخرية في مجموعته «ركلات ترجيح، رأت فيها أن الشاعر حسن السبع شاعر مميز استطاع أن يجمع في أسلوبه بين الجد والهزل، بين الرومانسية الحالمة والواقعية الانتقادية، وكان في ذلك كله شاعرا مهتما بالصورة الشعرية وبانتقاء مفرداته ليخرج منها سبكا فنيا يميز شعره الذي استطاع أن يوائم بين التراث والحداثة، وأن يكتب النص العمودي بروح شاعر معاصر تلامس واقعها برؤية وشفافية عالية.

وتضيف «لعل التراث والاهتمام به من أبرز ما يلفت النظر في تجربة السبع ويظهر ذلك جليا من خلال توظيف التراث والتناص المباشر وغير المباشر مع الشعراء القدامى، ومع الشعر العربي القديم. كما برز التراث أيضا من خلال توظيف المفردة التراثية القديمة –والصعبة أحيانا- جنبا إلى جنب مع الألفاظ المرتبطة بالحياة المعاصرة واللغة السهلة والقوية في الوقت نفسه. إضافة إلى ذلك تتجلى معرفة التراث واستيعاب تجربة الشعر العربي القديم في الاهتمام الواضح بالموسيقى والإيقاع الخارجي والداخلي مع الاحتفاظ بالوزن لتتجاور في دواوينه القصائد العمودية وقصائد التفعيلة دون أن يسجن في أحدها على حساب الآخر».

وعدت السبع ذا رؤية ووعي عميق بطبيعة الأدب الساخر وبأهمية دوره. وتنطلق من عتبة الإهداء التي يوجهها إلى «السادة المكشرين../‏ ابتسموا../‏ فإنكم لن تخسروا إلا تجاعيدكم» في دعوة صريحة إلى الضحك كما ينبئ بطبيعة الكتاب الساخرة التي ستقوم على المفارقة والتضاد. ويحيل أيضا إلى أهمية الاشتراك في «الضحك» على اعتبار أنه ظاهرة إنسانية في المقام الأول.

وخصص الناقد الدكتور سعد البازعي دراسته عن «الازدواجية الآسرة» في تجربة حسن السبع، مشيراً إلى أن البعض لا يعرف من حسن السبع سوى خفة ظله وضحكته المجلجلة. إلا أنهم لم يعرفوه شاعراً مبدعاً وكاتباً جاداً واسع المعرفة آسر الأسلوب، وعدّه أنموذجاً نادراً في المشهد الأدبي السعودي من خلال أدبه الساخر وخفة ظله وجمعه ذلك مع جدية واتساع في الرؤية عند تناول مختلف القضايا التي تعج بها المشاهد الثقافية بدوائرها ومستوياتها المتعددة. ويرى أن شعره اتسع للرؤية الكوميدية الساخرة، من ناحية، وللمواقف الإنسانية المأسوية، من ناحية أخرى، ويذهب البازعي إلى أن في شعرية القصائد التي أثرى بها السبع المشهد الشعري السعودي والعربي الكثير من نصف الاقتراب المرتسم هنا. نصف الاقتراب بما هو تمنع القصيدة عن الانقياد السهل للقارئ العجول، مطالبتها إياه بالتأمل في غنائية عذبة وأحياناً في عمق ثقافي قد لا يتأتى لكثير من القراء.

ويشير البازعي إلى أن الثقافة التراثية لم تقف عند حدود الشعر بل تعدتها إلى المقالة أو بالأحرى المقالات الكثيرة التي أثرى بها السبع الصحافة الثقافية على مدى يزيد على العقدين، مثلما تعدتها إلى السرد حيث كانت آخر الأعمال التي نشرها رواية «ليالي عنان» التي تتمحور حول إحدى الشخصيات التي عايشها الكاتب من خلال كتاب الأغاني بشكل خاص فتخيل نفسه في عالم تلك الجارية العباسية التي سبق أن كتب حولها قصيدة جميلة تقول أسطرها الأخيرة في وصف يلمس مأساة تلك الجارية الموهوبة من خلال نهايتها المفاجئة، ويذهب إلى أن تلك القراءة الإنسانية لم تتبلور سوى من رؤية رحبة ترى في العالم ما يستدعي السخرية والضحك وما يستدر الأسى والبكاء، وقليلون هم من امتلكوا القدرة على الإبداع على كلا المستويين واستطاعوا مع ذلك كله أن يكونوا في صلاتهم بالناس في اقتراب كامل وليس نصف اقتراب.

فيما صاغ الشاعر الأكاديمي الدكتور محمد حبيبي من عناوين السبع «عناقيد المخيلة» بدء من «سهر القناديل» إلى «بوصلة الدهشة» ويؤكد أنه من أول أسطر ديوانه الأول «زيتها.. وسهر القناديل»، يوحي الشاعر حسن السبع بأهمية الحضور المكثف لعنصر الصورة في تجربته الشعرية. من خلال عنوان الديوان، ومن خلال النص الأول الذي يستهل به الكتاب، ويشكل العتبة الأولية له. فعنوان الديوان «زيتها.. وسهر القناديل» يتشكل من صورة شعرية يسقطها الشاعر على الديوان بأكمله. استعار فيها خاصية «السهر» التي هي سمات الإنسان، ومسقطا إياها على القناديل في أنسنة للجماد، ورسم مجازي للعلاقة بين القناديل وأنثاه التي تستلهم منها القناديل الطاقة لبث الضياء.

ويرى حبيبي أن الشاعر السبع يؤكد في قصيدة «شهرزاد» طريقته في الحضور المكثف للصورة. ما يجعلنا أمام ما يقارب الست صور في أربعة أسطر شعرية. بدءا من استعارة العبقرية للغة، فتشبيهها بالعش الدافئ الذي يشبه وطنا من ثوان قصار، وصولا إلى تجدد إيقاع رقصة الثواني المتناغمة مع نثار ألق فضة النجمة التي تلمع في جبين المساء.

ويذهب إلى أن مقابلة حقلين من المفردات والصور تعزز التوزع والتنازع الذي يعيشه الشاعر بين نهج وصور الشعراء القدامى، وصور وتراكيب رواد شعر الحداثة. وتوقف عند مهارة التشكيل البصري للصورة والذي جسد مهارة الشاعر في تطويع الصورة كيفما يشاء للحالة أن تتشكل وترتسم لعنصر واحد، وبعدة أشكال تتفاوت فيها تضاؤلا واتساعا، مثلما بدا في المشاهد التي رسمها للحديقة. هذا الملمح أحد ملامح ثلاثة تدل على مقدار ما وصل إليه الشاعر من إحكام في اشتغاله على الصورة من خلال ديوان «حديقة الزمن الآتي».