دماء العشاق على واجهات الصخور

دماء العشاق على واجهات الصخور

جولة: د. محمد الحربي تصوير: ماجد العتيق

جميع الواجهات او القصور الموجودة في "مدائن صالح" هي عبارة عن مقابر نبطية.. ويبدو ذلك واضحا وجليا لكل من يزورها جميع النقوش والكتابات التي على هذه الاثار هي كتابات ونقوش نبطية.. اين هي اثار الثموديين اذن؟ وهل يوجد في المكان أي شيء يدل على ان قوم ثمود عاشوا في هذه المنطقة التي ذكرت الحجر دون تحديد موقعها وطبقاتها. ولكن هل "مدائن صالح" هي نفسها "الحجر"؟ وان كانت هي بالفعل فأين ذهبت مساكن الثموديين واثارهم؟ هل سويت بالارض وقامت على اثارها حضارة اخرى؟ هل حول الانباط مساكن الثموديين الى مقابر؟ لماذا توجد في المنطقة مقابر منحوتة في الجبال وليست مساكن؟ واين هي مساكن الانباط الذين نحتوا هذه المقابر؟ هل تكفي النصوص للجزم بأن هذه هي منطقة "الحجر" حاضرة الثموديين دون الحاجة الى ان يؤكد علماء الاثار بالدليل والبرهان العلمي الدقيق وقياس عمر الصخور باستخدام تقنيات نصف العمر وتقنيات الكربون "14" للتأكد من انها قد تعود للثموديين ام انها نبطية بالكامل؟
وهل يكفي ما ورد في كتب بعض الرحالة وما تناقله الرواة عن "مدائن صالح" بأنها "الحجر" في ظل غياب الدليل العلمي لأن يستند علماء الدين إليها لتحريم السكن والإحياء فيها وتطبيق النصوص القرآنية وما ورد في الاحاديث الشريفة على الموقع؟
اسئلة كثيرة نبحث عن اجاباتها مع كل من له علاقة واهتمام بالموقع الاثري..
وتأخذكم جولة "عكاظ" لقراءة تفاصيل المكان وشواهده وقصوره وما يروى عنها من خرافات واساطير وحكايات قديمة متجددة.. ما زالت تردد حتى يومنا هذا عن اثار مدائن صالح..

اثار شهيرة
عبدالرحمن محمد مطير الحميد -مشرف الادارة المدرسية بادارة التربية والتعليم بمحافظة العلا، ومتخصص بالتاريخ- يقول: تشتهر المنطقة بمكان يسمى "ام درج" ويحتمل ان يكون معبدا قديما حيث توجد به بعض التماثيل الصغيرة. ومنطقة "الخريبة" او منطقة "ديدان" عاصمة مملكة الديدانيين اللحيانيين والتي يوجد بها حوض ماء يطلق عليه محليا "محلب الناقة" نسبة الى ناقة صالح عليه السلام.
كما يوجد بالمنطقة مكان شهير هو وادي الحشيش او "العذيب" وبها موقع مشهور يسمى "قوع الترك" وهو المكان الذي كانت تعسكر فيه الحاميات التركية، وسكة حديد الحجاز.
كما توجد بعض المخربشات في منطقة "عكمة" وهي قديمة جدا.
اضافة الى البلدة القديمة التي يقدر عمرها بألف عام ويوجد بها مسجد العظام الذي صلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيه، ومسجد الصخرة، وقلعة موسى بن نصير ومنطقة "قرح" او سوق قرح القديم في عهد الدولة الاموية، الذي كان من اشهر المواقع واكبر الاسواق لتجارة الابل، وتسمى ايضا "المابيات" وهي جنوب العلا وقد جرت فيها العديد من عمليات التنقيب وظهرت اثار لمساكن وطرق مرصوفة بالحجارة.
اضافة الى الاثار الاشهر في منطقة العلا وهي منطقة "الحجر" او "مدائن صالح" والجبال المحيطة بها التي تسمى "الاثالب" وهي قريبة من منطقة "الحجر" و "مدائن صالح" تسمية حديثة لكنها تعرف باسمها القديم وهو "الحجر".
وجبل "الحوار" الذي يعتقد البعض ان فصيل ناقة صالح عليه السلام قد دخل اليه عندما كانوا يلاحقونه لقتله ولم يخرج. ويقول البعض انهم يسمعون صوته حتى الان وتتردد حول الجبل الكثير من الروايات غير الصحيحة كأن الابل اذا مرت بالقرب من الجبل فانها تجفل، خاصة يوم الجمعة حيث يسمع هذا الصوت ولكن جميع هذه الروايات غير ثابتة وليست صحيحة ابدا، وشكل الجبل يختلف عن بقية الجبال في العلا لانه جزء من جبال الحرة وتسمى "حرة عويرض" وطبيعتها تختلف عن بقية جبال "العلا".
كما توجد في المنطقة الكثير من التشكيلات الصخرية العجيبة وتنتشر فيها الكثير من الموائد الصحراوية التي تسمى محليا "الصينية".

خرافات وأساطير
تدور حول بعض القصور والواجهات الموجودة في مدائن صالح بعض الخرافات والاساطير والحكايات التي يتناقلها البعض حول بناء هذه القصور.
هذا ما يؤكده عبدالرحمن محمد مطير، ويقول من هذه الحكايات والاساطير ما يحكى عن "قصر الصانع" في مدائن صالح ان ابنة احد ملوك الانباط كانت تحب الصانع الذي بنى القصر وعندما اكتشف امرهما بعد ان انجبت ولدا قتلوهم وان دمهم يسيل من اعلى الجبل على واجهة القصر وهو ما يظهر على هيئة سواد سائل من القمة للاسفل وهو دم الفتاة والصانع والطفل الصغير، لكن الحقيقة ان هذا اللون من نفس لون صخور الجبل وليست له أية علاقة بالدم او بهذه الحكاية التي لا تتعدى الخرافة والاسطورة. وهو ما اثبته الاستاذ عمر علوان -رحمه الله- في كتبه المصورة بأنه ليس دما، وان الدم يتحلل خلال العصور المتعاقبة ولايمكن ان يبقى لالاف السنين.

قصر البنت
ويروي لنا عبدالرحمن بن مطير حكاية اخرى اثناء جولتنا في مدائن صالح عن مجموعة من الواجهات المنحوتة في الصخور تسمى مجموعة قصر البنت بها احدى الواجهات التي بدأ النحت فيها من اعلى الجبل ولم تكتمل، والتي كانت هي طريقة نحت الجبال في مدائن صالح حيث تبدأ عملية النحت من الاعلى للاسفل.اما عن قصة قصر البنت فتدور اسطورة اخرى عن حكاية فتاة اخرى كانت تعشق شابا يقال انه كان يزورها وكانت تمد له جدائلها الطويلة جدا من اعلى الجبل الى اسفل السفح ليتسلق عليها حتى يصل الى معشوقته في الاعلى، وعندما اكتشف امرهما قتلا، لذلك لم يتم اكمال بناء القصر الخاص بها، وبقيت واجهة القصر لم تكتمل حتى اليوم وهي من الاساطير التي تروى ويتداولها الكثيرون عن بعض هذه القصور في مدائن صالح مثل قصر العجوز الذي يروى عن عجوز كانت تعيش فيه حكايات عجيبة اخرى، الا ان قصر العجوز يقع على كثيب رملي وهو صغير جدا، واصغر من بقية القصور والواجهات الاخرى في مدائن صالح.

ليسوا عمالقة
ويضيف مطير ان ما يتردد بين العوام بأن القدماء كانوا عمالقة لا تدعمه اثارهم حيث يلاحظ من جميع البوابات الموجودة في القصور انها صغيرة لاناس عاديين في نفس احجامنا ولم يكونوا عمالقة ابدا بالرغم من ضخامة واجهات القصور الا ان البوابات واحجام القبول بداخل جميع المقابر الموجودة في مدائن صالح تنفي هذه النظرية او الافتراض ويدرج تحت فرضيات الخرافات والاساطير التي تروى ويتناقلها الناس دون الدليل علمي على وجودها. وجميع القصور في مدائن صالح هي عبارة عن مقابر احجامها صغيرة ومنحوتة في الصخور داخل الجبال وبعض هذه القصور بعضها دورن.
جميع الاثار التي مررنا بها في منطقة "الحجر" هي اثار نبطية كما تشير النقوش والكتابات التي على الواجهات التي تملأ المكان.. ولم نجد ما يدل على وجود الثموديين.. فلماذا نسبت "مدائن صالح" لهم ولم تنسب للانباط؟! وهل "صالح" الذي سميت المدائن باسمه هو نبي الله صالح عليه السلام؟

اسئلة شائكة
الذين يؤكدون ان "مدائن صالح" هي "الحجر" يستندون الى ما ذكر في القرآن في عدد من الايات منها ما جاء في سورة الحجر من قوله تعالى "ولقد كذَّب أصحاب الحجر المرسلين، واتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين، وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا امنين، فأخذتهم الصيحة مصبحين، فما اغنى عنهم ما كانوا يكسبون"
وفي سورة الشعراء قوله تعالى: "وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين".
وفي سورة النمل قوله تعالى "فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ان في ذلك لاية لقوم يعلمون".
وفي سورة الاعراف قوله تعالى "واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الارض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون من الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الارض مفسدين".
وقد اشارت الآيات السابقة الى بيوتهم ومساكنهم ولكن ما هو موجود في "مدائن صالح " انما هو مقابر نبطية فهل زالت منازلهم وسويت بالارض وقامت عليها حضارة الانباط؟ ولكن من يقول بهذا الرأي استنادا الى قوله تعالى في سورة الشمس "فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها" كيف له ان يفسر مفارقة ان تسوية البيوت والمساكن تعني بالضرورة تسوية الجبال التي نحتت منها هذه البيوت والمساكن فمن الممكن ان تقوم حضارة فوق حضارة اخرى ولكن ان تقوم جبال فوق جبال اخرى فهذا ما فيه نظر، ولا بد من مراجعة هذه النظرية خاصة اذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان هناك من لايؤيد مبدأ التسوية بالارض ويذهب الى ما ذهب اليه الطبري في تفسيره بأن "سواها" في الاية تعني ان العقوبة نزلت على المعذبين بالتساوي وهو ما ذهب اليه مفسرون اخرون كابن كثير ولكن اذا لم تسوَ بيوتهم ومساكنهم بالارض فلماذا بقيت منحوتات الجبال شاخصة كما هي الان وزالت القصور المشار اليها في سورة الاعراف "..تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون من الجبال بيوتا"؟ فهل ما زالت هذه القصور مدفونة في سهول مدائن صالح ولا بد من التنقيب عنها اذا ما صح ان "الحجر" هي هذا الموقع بالفعل؟