كتاب ومقالات

تيه سياسي – إستراتيجي عربي..!

صدقة يحيى فاضل

يسود اليوم في المنطقة العربية التي يشار إليها بـ«الشرق الأوسط» الجنس العربي، الذي يبلغ تعداده الآن نحو 400 مليون نسمة (العدد في الليمون) ينتشرون من المحيط الأطلسي غربا، إلى الخليج العربي شرقا. فهم (مجتمعين) العرق الأكثر عددا، وأصحاب المساحة والإمكانات الأكبر. ومع ذلك، فإنهم ضعاف ومنقسمون إلى 22 دولة، ودرجة التضامن والتعاون فيما بين دولهم متدنية لمستويات منخفضة ملفتة. وكثير من أنظمتهم موالية لقوى عظمى وكبرى، إقليمية وعالمية، أكثر من موالاتها لأمتها العربية. وبالتالي، فإن هذه البلاد مرتبطة بهذه الإستراتيجية الإقليمية أو العالمية، أو تلك.

إن ظاهرة التفكك والتنافر العربية ما زالت ظاهرة مؤلمة للشعوب العربية، ومحيرة لعلماء العلاقات الدولية المهتمين بالشأن العربي. ولكن هؤلاء العلماء يردون هذا التنافر إلى طبيعة التكوين السياسي لمعظم الدول العربية الحالية، والذى يسهم – بالضرورة - بنصيب الأسد في دعم ما يعرف بالعقبات الذاتية والخارجية التي تشد هذه الدول دائما للوراء، نحو الضعف والتخلف.

***

في هذه المنطقة هناك نفوذ هائل للدولة العظمى الولايات المتحدة، ونفوذ أقل لكل من الدول الكبرى. إن أبرز الدول الإقليمية غير العربية المتواجدة في هذه المنطقة، والتي تشارك العرب منطقتهم، هي كل من: تركيا، إيران، إسرائيل. كانت الحبشة تضاف إلى هذه القائمة. ولكن هذه الدولة توارت بعد أن استقلت إريتريا، وامتدت على كل الإطلالة البحرية التي كانت لإثيوبيا على البحر الأحمر، وأمست الآن إحدى الدول الصاعدة.

ومن المؤسف أن نرى أن النفوذ الأكبر، والكلمة الفصل، في هذه المنطقة (العربية) يقع في يد الدول العظمى والكبرى، وأيضا الإقليمية الأقوى. ومن الطبيعي أن يدفعنا ذلك للتساؤل: أين العرب في المنطقة العربية؟! لكل من القوى العظمى والكبرى سياساتها (أهدافها ووسائلها) وإستراتيجياتها تجاه المنطقة وغيرها. ولكل من القوى الإقليمية بالمنطقة سياساتها وإستراتيجياتها، التي تسعى دائما لتحقيقها، وغالبا رغم أنف معظم شعوب العرب...

ويبدو أن لكل دولة عربية، صغرت أم كبرت، سياسة منفردة، أو شبه منفردة، ودون تنسيق وتعاون حقيقيين مع الجيران العرب. الأمر الذي أدى إلى وجود عدة إستراتيجيات عربية، هشة وأنانية، ومستضعفة، تسهم بقوة في إضعاف الجبهة العربية، وتعطي للقوى العالمية والإقليمية الفرصة كاملة، كي تصول في المنطقة وتجول... كيفما شاءت.

***

وكل هذا أدى إلى ارتباط أغلب الدول العربية بهذه الإستراتيجية العالمية، أو الإقليمية، أو تلك، وأمست معظم الدول العربية مستقطبة في هذا المعسكر، أو ذاك. وتكاد هذه الدول أن تفقد هويتها وكيانها، ناهيك عن سيادتها واستقلالها، الذي أضحى، في كثير من الحالات، مجرد «استقلال قانوني»، شكلي لا أكثر. وغالبا ما تصبح الأمور في يد هذا الطرف غير العربي أو ذاك، ليوجه بما يريد، وبما يحقق مصالحه أولا وأخيرا. وكثيرا ما يحدد ذلك الطرف لبعض العرب من العدو، ومن الصديق، في كل مرحلة. وفي بعض الحالات يدفع لمعاداة من كان بالأمس القريب صديقا. بل إن العدو هو الذي يشكل ما قد يوجد من «تحالفات» هنا أو هناك، في هذه المرحلة أو تلك. هذه الحالة تمثل قمة الخضوع والضياع السياسي، والتيه الإستراتيجي، الذي نتمنى أن يوقف، وفي أقرب فرصة ممكنة، سيما وأن استشراءه، في بعض الدول العربية، ينعكس بالسلب على بقية الشقيقات.

***

سياسات القوى غير العربية بالمنطقة أمست معروفة، أو شبه معروفة، حتى لأقل الناس علما وثقافة. وكذلك أبرز سياسات وإستراتيجيات القوى الإقليمية الثلاث غير العربية. فإيران تتخذ سياسات توسعية واضحة، تستهدف إقامة ما يشار إليه بـ«الهلال الشيعي»، كمنطقة نفوذ فارسي، تمتد من أفغانستان شرقا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط غربا. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، تتبع إيران عدة وسائل، أهمها: التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد المستهدفة، ودعم بعض الأقليات الموالية لها، ومحاولة تمكينها من السلطة، لتحكم لحساب إيران. وتركيا تسعى، في ظل قيادة حزب العدالة والتنمية، أن تكون الدولة المحورية بالمنطقة، وأن تصبح، على الأقل، ممثل التيار السني في عالمنا الإسلامي. ولتحقيق هذا الهدف، تعمل دائما على تقوية وتطوير ذاتها، والحرص على متابعة ما يجري بالمنطقة، والتحرك بدهاء، كي تكون في مكان جيد بالصورة.

أما الكيان الصهيوني، فالجميع يعرفون سياساته التوسعية العدوانية، وإستراتيجيته الجهنمية، الساعية لجعل إسرائيل هي القوة العظمى التي لا تنازع بالمنطقة... عبر تقوية ذاتها (وخاصة عسكريا) لدرجة هائلة، والعمل على تقسيم وشرذمة البلاد المجاورة لها، لإضعافها، وإحكام السيطرة عليها. وهذه السياسة تحظى بدعم أمريكا المطلق، كما هو معروف. وهذا ما يجعلها الأفدح خطرا، والأشرس عداء، بالنسبة لأمة العرب.

إن العلاقات الدولية تدين للقوي، وتعطيه فرصة لعمل كل ما يستطيع عمله، خدمة لمصالحه. ولذلك، يجب أن لا نلوم أحدا قبل أنفسنا في ما آل إليه حال معظم العرب. أين العرب في منطقتهم؟! أخشى أن يكون الجواب على هذا التساؤل، بعد سنوات قليلة: لقد كانوا هنا!

* كاتب سعودي