القرارات السعودية.. مروحة التحديات وبنك الخيارات
الثلاثاء / 07 / صفر / 1440 هـ الثلاثاء 16 أكتوبر 2018 01:27
عبداللطيف الضويحي
قد تضطرّك الظروف والتحديات لاكتشاف قدراتك وإمكاناتك وما تملكه من مروحة قرارات حيوية وخزانات خطط بديلة وما ينتج عنها وما يتبعها من خيارات جديدة واختبارات مستمرة.
دولٌ كثيرة تستبق التحديات بالذهاب إليها قبل وقوعها بالدراسات ووضع الإستراتيجيات والخطط البديلة وعدم انتظار وقوعها.
المملكة وبسبب مكانتها وكثرة التحديات التي تواجهها أصبحت مؤهلة لصناعة قرارات دولية سياسية واقتصادية وبما تشكل لديها من تراكم معرفي وخبرات تراكمية في صناعة القرارات الدولية السياسية والاقتصادية عبر سلسلة طويلة من الأحداث والتحديات وجدت المملكة نفسها في قلب الحدث.
للمملكة ثقل اقتصادي حيوي جعلها عبر عقود من الزمن تتمرس بصناعة القرار في أوبك منظمة الدول المصدرة للبترول، وتلعب دورا حيويا تراعي فيه مصلحة المنتج والمستهلك انطلاقا من حجم حصتها ومسؤوليتها في السوق.
كما أن المملكة من الدول المانحة الرائدة في مجال المساعدات للدول النامية وهذا عزز مكانة المملكة الدولية بين الدول الأساسية المانحة والمقدِّمة للمساعدات مما أكسب المملكة الخبرة والنفوذ في العديد من المحافل التنموية العالمية.
ناهيك عن أهمية المكانة الدولية للمملكة من موقعها الروحاني المقدس كمأوى أفئدة المسلمين وقبلتهم وتشرُّف المملكة برعاية وخدمة الحرمين الشريفين وحجاج بيت الله الحرام والمعتمرين.
كما أن الثقل العربي للمملكة وأهميتها في المجموعة العربية مع شقيقاتها الدول العربية أكسبها أهمية وتمرسا في منبر الأمم المتحدة والمنابر الدولية الأخرى، ولعبها دورا مؤثرا في جمع وتوحيد المواقف والتكتلات لمجموعة دول عدم الانحياز وفي المؤتمرات الاقتصادية للإعمار والتنمية.
ناهيك عن انضمام المملكة إلى مجموعة العشرين وما يترتب على هذه العضوية من أهمية ومسؤولية عالمية اقتصادية وسياسية، بالإضافة إلى ارتباط اسم المملكة بقضايا إقليمية ودولية جعلت تلك القضايا محورية في السياسة السعودية كالقضية الفلسطينية وقضية القدس على وجه التحديد.
تعد المملكة من الدول الواعدة في نهضة شاملة نظراً لعدد سكانها من الشباب والفرص المتوقع أن تخوضها المملكة بين الدول الصاعدة في المجال الاقتصادي والاجتماعي وفق رؤية ٢٠٣٠ والتي أطلقها ويشرف عليها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بمرونة عالية ومتابعة مستمرة.
كل هذه المواقع والمواقف والمكانات الحيوية الدولية التي تشغلها المملكة جيوسياسيا وعربياً وإسلاميا واقتصاديا وسياسياً وتنمويا تجعل المملكة في تحدٍ مستمر ليس للبقاء ولكن للتقدم للأمام في ظل حُمَّى منافسة المصالح المتنامية بين العديد من القوى الإقليمية والدولية وصراعات النفوذ المتزايدة.
كل تحدٍ تمر به الدولة (أي دولة)، هو بمثابة استنفار للقدرة على تحديث الجاهزية وقبول التحدي، وتحقيق المزيد من الاختبارات وتوسيع بنك الاختيارات.
لكن التحديات التي لا تكسر الظهر تقوِّيه، كل تحدٍ تمرُّ به المملكة هو بمثابة اجتياز للامتحان وإضافة خيارات جديدة لبنك القرارات.
اليوم وبعد الزوبعة الكبيرة التي مرت منذ مطلع الشهر الماضي والمتمثلة باختفاء المواطن جمال خاشقجي وما صاحب هذا الحدث من معلومات مغلوطة وإشاعات وتضليل عدا التحليلات والقراءات الملفقة والمرتجلة في حالات كثيرة والذي يتهم بعضها المملكة بكل ما ترتب على اختفاء مواطنها، ثم بعد ذلك من التلويح والتهديد بعقوبات، كل ذلك يجعل المملكة أكثر إصرارا على صلابة الموقف والقرارات في حفاظها على حقوقها وحقوق مواطنيها بما تمليه عليها سيادتها ومصالحها وأمنها.
المملكة بعد أكتوبر ليست هي المملكة قبل أكتوبر، فالتحديات التي واجهتها المملكة نتيجة هذه الأحداث ليست سهلة وليست عادية أو عابرة، لكنها دروس مهمة تجعل صناعة القرارات في المملكة واسعة المسؤولية وشديدة الدقة والحيوية.
إن الحملة التي تعرضت لها المملكة ولاتزال تتعرض لها قد تخدم المملكة في توسيع خياراتها والتفكير بمروحة من القرارات التي لم تكن ربما على الطاولة وبمنأى ومعزل عن الأطر التقليدية التاريخية للعلاقات. فربَّ ضارةٍ نافعة.
كل تحدٍ تمر به الدولة (أي دولة)، هو بمثابة توسيع مروحة الاختيارات وتعميق بنك القرارات واستنفار القدرة على الجاهزية والتحديث وقبول التحدي، توسيع بنك القرارات.
هذه الحملة حتى عندما تنقشع، وهي بالتأكيد ستنقشع، وستتضح الرؤية، يجب ألا نركن للهدوء الذي يسود ما بعد العاصفة وألا نثق بعد الآن في صديق دائم، إنما مصلحة بلادنا الدائمة وسيادتها وأمنها بمفهومه الإستراتيجي المباشر وبُعده العربي والإسلامي.
* كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org
دولٌ كثيرة تستبق التحديات بالذهاب إليها قبل وقوعها بالدراسات ووضع الإستراتيجيات والخطط البديلة وعدم انتظار وقوعها.
المملكة وبسبب مكانتها وكثرة التحديات التي تواجهها أصبحت مؤهلة لصناعة قرارات دولية سياسية واقتصادية وبما تشكل لديها من تراكم معرفي وخبرات تراكمية في صناعة القرارات الدولية السياسية والاقتصادية عبر سلسلة طويلة من الأحداث والتحديات وجدت المملكة نفسها في قلب الحدث.
للمملكة ثقل اقتصادي حيوي جعلها عبر عقود من الزمن تتمرس بصناعة القرار في أوبك منظمة الدول المصدرة للبترول، وتلعب دورا حيويا تراعي فيه مصلحة المنتج والمستهلك انطلاقا من حجم حصتها ومسؤوليتها في السوق.
كما أن المملكة من الدول المانحة الرائدة في مجال المساعدات للدول النامية وهذا عزز مكانة المملكة الدولية بين الدول الأساسية المانحة والمقدِّمة للمساعدات مما أكسب المملكة الخبرة والنفوذ في العديد من المحافل التنموية العالمية.
ناهيك عن أهمية المكانة الدولية للمملكة من موقعها الروحاني المقدس كمأوى أفئدة المسلمين وقبلتهم وتشرُّف المملكة برعاية وخدمة الحرمين الشريفين وحجاج بيت الله الحرام والمعتمرين.
كما أن الثقل العربي للمملكة وأهميتها في المجموعة العربية مع شقيقاتها الدول العربية أكسبها أهمية وتمرسا في منبر الأمم المتحدة والمنابر الدولية الأخرى، ولعبها دورا مؤثرا في جمع وتوحيد المواقف والتكتلات لمجموعة دول عدم الانحياز وفي المؤتمرات الاقتصادية للإعمار والتنمية.
ناهيك عن انضمام المملكة إلى مجموعة العشرين وما يترتب على هذه العضوية من أهمية ومسؤولية عالمية اقتصادية وسياسية، بالإضافة إلى ارتباط اسم المملكة بقضايا إقليمية ودولية جعلت تلك القضايا محورية في السياسة السعودية كالقضية الفلسطينية وقضية القدس على وجه التحديد.
تعد المملكة من الدول الواعدة في نهضة شاملة نظراً لعدد سكانها من الشباب والفرص المتوقع أن تخوضها المملكة بين الدول الصاعدة في المجال الاقتصادي والاجتماعي وفق رؤية ٢٠٣٠ والتي أطلقها ويشرف عليها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بمرونة عالية ومتابعة مستمرة.
كل هذه المواقع والمواقف والمكانات الحيوية الدولية التي تشغلها المملكة جيوسياسيا وعربياً وإسلاميا واقتصاديا وسياسياً وتنمويا تجعل المملكة في تحدٍ مستمر ليس للبقاء ولكن للتقدم للأمام في ظل حُمَّى منافسة المصالح المتنامية بين العديد من القوى الإقليمية والدولية وصراعات النفوذ المتزايدة.
كل تحدٍ تمر به الدولة (أي دولة)، هو بمثابة استنفار للقدرة على تحديث الجاهزية وقبول التحدي، وتحقيق المزيد من الاختبارات وتوسيع بنك الاختيارات.
لكن التحديات التي لا تكسر الظهر تقوِّيه، كل تحدٍ تمرُّ به المملكة هو بمثابة اجتياز للامتحان وإضافة خيارات جديدة لبنك القرارات.
اليوم وبعد الزوبعة الكبيرة التي مرت منذ مطلع الشهر الماضي والمتمثلة باختفاء المواطن جمال خاشقجي وما صاحب هذا الحدث من معلومات مغلوطة وإشاعات وتضليل عدا التحليلات والقراءات الملفقة والمرتجلة في حالات كثيرة والذي يتهم بعضها المملكة بكل ما ترتب على اختفاء مواطنها، ثم بعد ذلك من التلويح والتهديد بعقوبات، كل ذلك يجعل المملكة أكثر إصرارا على صلابة الموقف والقرارات في حفاظها على حقوقها وحقوق مواطنيها بما تمليه عليها سيادتها ومصالحها وأمنها.
المملكة بعد أكتوبر ليست هي المملكة قبل أكتوبر، فالتحديات التي واجهتها المملكة نتيجة هذه الأحداث ليست سهلة وليست عادية أو عابرة، لكنها دروس مهمة تجعل صناعة القرارات في المملكة واسعة المسؤولية وشديدة الدقة والحيوية.
إن الحملة التي تعرضت لها المملكة ولاتزال تتعرض لها قد تخدم المملكة في توسيع خياراتها والتفكير بمروحة من القرارات التي لم تكن ربما على الطاولة وبمنأى ومعزل عن الأطر التقليدية التاريخية للعلاقات. فربَّ ضارةٍ نافعة.
كل تحدٍ تمر به الدولة (أي دولة)، هو بمثابة توسيع مروحة الاختيارات وتعميق بنك القرارات واستنفار القدرة على الجاهزية والتحديث وقبول التحدي، توسيع بنك القرارات.
هذه الحملة حتى عندما تنقشع، وهي بالتأكيد ستنقشع، وستتضح الرؤية، يجب ألا نركن للهدوء الذي يسود ما بعد العاصفة وألا نثق بعد الآن في صديق دائم، إنما مصلحة بلادنا الدائمة وسيادتها وأمنها بمفهومه الإستراتيجي المباشر وبُعده العربي والإسلامي.
* كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org