!..لأننا نحن الأرخص

محمد أحمد الحساني

في البداية أنقل لكم خبراً نشرته مجلة اليمامة في أحد أعدادها الأخيرة، وَرَدَها من مراسلها في روما عن حصول وليد إيطالي خرج لتوه إلى الحياة الدنيا على تعويض قدره نصف مليون يورو دفعها لذويه على سبيل التعويض والتراضي مستشفى في مدينة «لافانيا» الإيطالية لأن أطباء المستشفى عجزوا عن إخراج الجنين طبيعياً عند ولادته، فأتموا ولادته قيصرياً ولكن ذلك لم يكن كافياً لإنقاذ حياته سوى بكسر عظم الجنين في منطقة الذراع حتى خرج حياً ثم حاولوا إصلاح الكسر غير أن التقارير الطبية أشارت إلى أن نسبة العجز في الذراع ستكون أربعين في المائة فأرادت الأسرة مقاضاة المستشفى إلا أن الأخير سارع إلى التفاوض مع الأسرة وتقديم التعويض الذي أشرنا إليه مقابل عدم رفع القضية إلى محكمة إيطالية!
بعد أن قرأت ذلك الخبر تذكرت كلام بعض الفصحاء من الكتاب والأطباء الذين إذا أقيمت الحجة عليهم بأن الشكوى من وجود أخطاء طبية في مستشفياتنا العامة والخاصة، هي شكوى صحيحة وفي محلها، ولم يستطع أولئك الجهابذة الدفاع عن أصدقائهم أو زملائهم عن طريق نفي وجود الأخطاء الطبية أصلاً، فإنهم يلوون رؤوسهم ويصدون وهم يقولون: إن الأخطاء الطبية تقع في كل مكان في العالم حتى في أمريكا وأوروبا!، وقولهم صحيح جملة لا تفصيلاً، وهو في الحالتين لا يبرر وقوع الأخطاء أو يقلل من شأنها، ولكن الأهم من ذلك كله أن السادة المبررين نسوا أن الأخطاء الطبية التي تقع في مستشفيات العالم المتحضّر تكلف المستشفى الذي يتسبب فيها ثمناً باهظاً حتى لو كان الخطأ في نظرنا بسيطاً، وكم من طفل خلع كتفه أثناء الولادة في مستشفياتنا الفاخرة فحمد الله والداه على أنه خرج حياً ولم تَدرْ في خلدهم فكرة الشكوى، بل ربما وجهوا الشكر للذين خلعوا كتف الصغير إذا فهموا منهم أن ذلك الإجراء كان ضرورياً لإخراج الطفل الوليد حياً.
أما أسرة الطفل الإيطالي فإنها لم تعتبر جهود الأطباء لإنقاذ حياة الطفل عملاً جليلاً لأن ذلك هو واجبهم، وانتهى بالصلح والتعويض، ولو ذهب الأمر للمحكمة لكان التعويض أكبر ولكن يبدو أن عائلة الطفل هي عائلة مسالمة ولذلك قبلت بـ«نُص» مليون يورو فقط لاغير!.. وفي المقابل فإنه لو جاءت عائلة مشاغبة وشكت أمرها إلى اللجنة الطبية في خطأ طبي مماثل لما وقع للطفل الإيطالي فإن الحكم المتوقع أن يدفع لأسرة الطفل إرش جراح فاليد الواحدة بنصف الدية ودية الطفل خمسون ألف ريال ونصفها خمسة وعشرون ألفاً، وربما أن نسبة العجز هي أربعون في المائة فإن التعويض سيكون عشرة آلاف ريال فقط لا غير فكم هو الفرق بين يد الطفل الإيطالي ويد طفلنا الأكشع؟!