عبدالرحمن سوار الذهب.. مُصلح من ذهب
الأحد / 19 / صفر / 1440 هـ الاحد 28 أكتوبر 2018 01:44
صدقة يحيى فاضل
إنا لله وإنا إليه راجعون. انتقل إلى رحمة الله، يوم 18/ 10/ 2018م، عن عمر يناهز الـ 83 عاماً، قائد وزعيم نبيل وكريم، يعتبر واحداً من أكبر السياسيين المصلحين في العالمين العربي والإسلامي، بل وفي أفريقيا وكل العالم، ألا وهو المشير عبدالرحمن سوار الذهب، يرحمه الله. أحزنتني وفاته كثيراً، كوني من متابعي مسيرته العملية الناصعة، ومن المعجبين بدوره السياسي في القطر السوداني الشقيق، وفي المنطقة العربية، ولتمتعه بسمعة سياسية عالمية عطرة، باعتباره واحداً من القادة السياسيين المصلحين في العالم، والذين قلَّ أن يجود الزمان بأمثالهم. هو أحد الـ «ديكتاتوريين المصلحين»، كما يسمون في «علم السياسة». وهذا النوع من القادة نادر، سواء في عالمنا العربي أو غيره، ندرة لبن العصفور، كما يقولون.
علم السياسة يقسم الحكومات إلى قسمين رئيسين: الديمقراطية والديكتاتورية. والنوع الأخير ضروري في حالات ثلاث فقط: إنشاء دولة من عدم، إصلاح دولة فاسدة جداً، إنقاذ دولة من انهيار وشيك. الديكتاتور المصلح (سواء كان فرداً، أو قلة من الأفراد) ينقذ بلاده من إحدى هذه الحالات، ويتولى السلطة مؤقتاً. ثم يحول بلاده إلى النظام التمثيلي، عبر انتخابات رئاسية وتشريعية، ويرحل عن السلطة، في أسرع وقت ممكن. فيدخل، بذلك، تاريخ بلده من أوسع وأكرم أبوابه. والتاريخ السياسي المعاصر يذكر عدداً محدوداً جداً من هذه النوعية النادرة من القادة، يأتي في مقدمتها: كيم داي جونج (في كوريا الجنوبية) و«لي كوان يو» (في سنغافورة) و«خوان بيرون» (في الأرجنتين) عبدالرحمن سوار الذهب (في السودان).
***
تشرفت بمعرفته هنا بالمملكة، التي أحبته وأحبها. فآثر أن يعيش بقية عمره فيها. وتمنى أن يموت في أرضها الطاهرة، وأن يدفن في بقيع الغردقد في رحاب مدينة الرسول العظيم، صلى الله عليه وسلم. وحقق الله له ما أراد. كما وفقه الله لبناء سمعة عربية وإسلامية وعالمية رفيعة. أذكر أنني التقيت به أربع مرات فقط، كانت كافية ليكون له في نفسي تقدير عميق، واحترام كبير، وإعجاب علمي بإنجازه الأكبر. قابلته مرتين في رابطة العالم الإسلامي، أثناء بعض الفعاليات الثقافية. ومرة أثناء مؤتمر التحضير للقمة الإسلامية الطارئة الثانية التي عقدت بمكة المكرمة عام 2005م. ومرة أثناء إحدى المحاضرات الثقافية في مهرجان الجنادرية. وفي كل مرة، تحدثت معه عن بعض قضايا الأمة، وما تمر به من أزمات. وفي آخر لقاء معه، حدثته بما سمعته وقرأته عنه أثناء تواجدي عام 2001م، كأستاذ زائر في قسم العلوم السياسية، بجامعة جورج واشنطن، بواشنطن العاصمة الأمريكية.
كنت أحضر محاضرات في مادة «النظم السياسية المختلفة» التي يدرسها أحد كبار أساتذة تلك الجامعة. وإذا بالأستاذ يتحدث عن القادة السياسيين المصلحين في العالم، ويذكر – بإعجاب وتقدير ملحوظين – عبدالرحمن سوار الذهب، كواحد من هؤلاء الأماجد. لم أكتفِ بما سمعت، بل بحثت في بعض المراجع العلمية المعنية لأقرأ المزيد عن إنجاز هذا الرجل النبيل، الذي كتب صفحةً بماء الذهب في التاريخ السياسي للعالم العربي والعالم ككل. قلت لفخامة المشير (الرئيس) ما سمعت وقرأت عنه، فأخجلت تواضعه الجم المشهود، وشكرني بمنتهى اللطف والأدب، وطلب مني تزويده بهذه المراجع، ففعلت. وقد زاد حديثي معه من محبتي وإعجابي بأخلاقه وتقديري لشخصه الكريم.
***
ولد في مدينة الأبيض عام 1934م. شغل منصب رئيس هيئة أركان الجيش السوداني، ثم أصبح وزيراً للدفاع، في عهد الرئيس السابق جعفر نميري. وأصبح خامس رئيس للجمهورية السودانية. إذ تسلم السلطة عام 1985م إثر انتفاضة أبريل 1985 الشعبية. حيث قام عدد من كبار الضباط بانقلاب عسكري على الرئيس نميري، تولوا عقبه السلطة، وعين عبدالرحمن سوار الذهب رئيساً للسودان، باعتباره أعلى قادة الانقلاب والجيش رتبة آنئذ. فأمسى رئيساً للمجلس الانتقالي، الذي سلم السلطة عام 1986م، بعد حوالى سنة واحدة، لحكومة السودان الجديدة المنتخبة في حينه، والتي رأس وزراءها السيد الصادق المهدي، وأصبح أحمد الميرغني رئيساً للدولة. رقي سوار الذهب إلى رتبة «مشير». كان بإمكان المشير أن يستمر في السلطة، لكنه ترجل طائعاً مختاراً، مقدماً مصلحة وطنه على ما عداها. ثم اعتزل العمل السياسي، ليتفرغ لأعمال الدعوة الإسلامية، من خلال منظمة الدعوة الإسلامية التي أصبح أمينها.
***
وأختم هذا المقال التأبيني بفقرة وردت في مقال (تأبيني) كتبه بهذه الصحيفة الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل، مندوب السودان لدى الأمم المتحدة بجنيف، جاء فيها: «رحم الله الراحل عبدالرحمن سوار الذهب، العابد الزاهد. رحل ولكن ستذكره أعمال الخير في كل مكان. سيذكره زملاؤه وأبناؤه في القوات المسلحة بأنه كان نعم القائد الصادق الوفي لشرف الجندية وخدمة القوات المسلحة السودانية. ستذكره دول الخليج لخدمته التي قدمها في تأسيس وتدريب جيوشها وشرطتها. سيذكره أبناء وبنات أفريقيا للمدارس التي أشرف على قيامها وتعلموا فيها. ستذكره أفريقيا للمستشفيات وآبار المياه والمؤسسات الخيرية التي أشرف على بنائها. ستذكره منابر الدعوة في أوروبا وآسيا وأفريقيا». (عكاظ: العدد 19049، 22/ 10/ 2018م، ص 10).
* كاتب سعودي
علم السياسة يقسم الحكومات إلى قسمين رئيسين: الديمقراطية والديكتاتورية. والنوع الأخير ضروري في حالات ثلاث فقط: إنشاء دولة من عدم، إصلاح دولة فاسدة جداً، إنقاذ دولة من انهيار وشيك. الديكتاتور المصلح (سواء كان فرداً، أو قلة من الأفراد) ينقذ بلاده من إحدى هذه الحالات، ويتولى السلطة مؤقتاً. ثم يحول بلاده إلى النظام التمثيلي، عبر انتخابات رئاسية وتشريعية، ويرحل عن السلطة، في أسرع وقت ممكن. فيدخل، بذلك، تاريخ بلده من أوسع وأكرم أبوابه. والتاريخ السياسي المعاصر يذكر عدداً محدوداً جداً من هذه النوعية النادرة من القادة، يأتي في مقدمتها: كيم داي جونج (في كوريا الجنوبية) و«لي كوان يو» (في سنغافورة) و«خوان بيرون» (في الأرجنتين) عبدالرحمن سوار الذهب (في السودان).
***
تشرفت بمعرفته هنا بالمملكة، التي أحبته وأحبها. فآثر أن يعيش بقية عمره فيها. وتمنى أن يموت في أرضها الطاهرة، وأن يدفن في بقيع الغردقد في رحاب مدينة الرسول العظيم، صلى الله عليه وسلم. وحقق الله له ما أراد. كما وفقه الله لبناء سمعة عربية وإسلامية وعالمية رفيعة. أذكر أنني التقيت به أربع مرات فقط، كانت كافية ليكون له في نفسي تقدير عميق، واحترام كبير، وإعجاب علمي بإنجازه الأكبر. قابلته مرتين في رابطة العالم الإسلامي، أثناء بعض الفعاليات الثقافية. ومرة أثناء مؤتمر التحضير للقمة الإسلامية الطارئة الثانية التي عقدت بمكة المكرمة عام 2005م. ومرة أثناء إحدى المحاضرات الثقافية في مهرجان الجنادرية. وفي كل مرة، تحدثت معه عن بعض قضايا الأمة، وما تمر به من أزمات. وفي آخر لقاء معه، حدثته بما سمعته وقرأته عنه أثناء تواجدي عام 2001م، كأستاذ زائر في قسم العلوم السياسية، بجامعة جورج واشنطن، بواشنطن العاصمة الأمريكية.
كنت أحضر محاضرات في مادة «النظم السياسية المختلفة» التي يدرسها أحد كبار أساتذة تلك الجامعة. وإذا بالأستاذ يتحدث عن القادة السياسيين المصلحين في العالم، ويذكر – بإعجاب وتقدير ملحوظين – عبدالرحمن سوار الذهب، كواحد من هؤلاء الأماجد. لم أكتفِ بما سمعت، بل بحثت في بعض المراجع العلمية المعنية لأقرأ المزيد عن إنجاز هذا الرجل النبيل، الذي كتب صفحةً بماء الذهب في التاريخ السياسي للعالم العربي والعالم ككل. قلت لفخامة المشير (الرئيس) ما سمعت وقرأت عنه، فأخجلت تواضعه الجم المشهود، وشكرني بمنتهى اللطف والأدب، وطلب مني تزويده بهذه المراجع، ففعلت. وقد زاد حديثي معه من محبتي وإعجابي بأخلاقه وتقديري لشخصه الكريم.
***
ولد في مدينة الأبيض عام 1934م. شغل منصب رئيس هيئة أركان الجيش السوداني، ثم أصبح وزيراً للدفاع، في عهد الرئيس السابق جعفر نميري. وأصبح خامس رئيس للجمهورية السودانية. إذ تسلم السلطة عام 1985م إثر انتفاضة أبريل 1985 الشعبية. حيث قام عدد من كبار الضباط بانقلاب عسكري على الرئيس نميري، تولوا عقبه السلطة، وعين عبدالرحمن سوار الذهب رئيساً للسودان، باعتباره أعلى قادة الانقلاب والجيش رتبة آنئذ. فأمسى رئيساً للمجلس الانتقالي، الذي سلم السلطة عام 1986م، بعد حوالى سنة واحدة، لحكومة السودان الجديدة المنتخبة في حينه، والتي رأس وزراءها السيد الصادق المهدي، وأصبح أحمد الميرغني رئيساً للدولة. رقي سوار الذهب إلى رتبة «مشير». كان بإمكان المشير أن يستمر في السلطة، لكنه ترجل طائعاً مختاراً، مقدماً مصلحة وطنه على ما عداها. ثم اعتزل العمل السياسي، ليتفرغ لأعمال الدعوة الإسلامية، من خلال منظمة الدعوة الإسلامية التي أصبح أمينها.
***
وأختم هذا المقال التأبيني بفقرة وردت في مقال (تأبيني) كتبه بهذه الصحيفة الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل، مندوب السودان لدى الأمم المتحدة بجنيف، جاء فيها: «رحم الله الراحل عبدالرحمن سوار الذهب، العابد الزاهد. رحل ولكن ستذكره أعمال الخير في كل مكان. سيذكره زملاؤه وأبناؤه في القوات المسلحة بأنه كان نعم القائد الصادق الوفي لشرف الجندية وخدمة القوات المسلحة السودانية. ستذكره دول الخليج لخدمته التي قدمها في تأسيس وتدريب جيوشها وشرطتها. سيذكره أبناء وبنات أفريقيا للمدارس التي أشرف على قيامها وتعلموا فيها. ستذكره أفريقيا للمستشفيات وآبار المياه والمؤسسات الخيرية التي أشرف على بنائها. ستذكره منابر الدعوة في أوروبا وآسيا وأفريقيا». (عكاظ: العدد 19049، 22/ 10/ 2018م، ص 10).
* كاتب سعودي