كتاب ومقالات

دوشـــــة

طارق فدعق

ترمز إلى الأصوات غير المرغوبة ومنها الضجيج، والهرج الكثير. ولها العديد من الجوانب العجيبة، واخترت لكم التالي: سأبدأ من منصات إطلاق الصواريخ في قاعدة «كيب كينيدي» التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» وموقعها في أقصى غرب ولاية فلوريدا في الولايات المتحدة. ومقاومة الدوشة كانت من أساسيات منظومة إطلاق الصواريخ، وبالذات المكوك الفضائي. الموضوع باختصار أن كمية الطاقة الناتجة عن احتراق وقود الصواريخ في عملية الإطلاق كانت تولد كمية طاقة هائلة وكانت تتسبب في اهتزازات رهيبة لكامل الموقع. وللعلم فمنظومة المكوك الفضائي كانت تحرق أكثر من ستة آلاف كيلوغرام من الوقود في الثانية الواحدة في مراحل الانطلاق الأولية، وتولد قوة تفوق قوة حوالى 70 ألف سيارة «لاند كروزر». وتتولد من تلك الطاقة اهتزازات «رهيبة». والمقصود بوصف «رهيبة» هنا هو أنها كافية لإلحاق الضرر الكبير بالصاروخ الذي يفوق وزنه المليوني كيلوغرام عند الانطلاق، ويبلغ طوله تقريباً ما يعادل مبنى بارتفاع عشرين دورا. ولمعالجة مخاطر الاهتزازات كان الحل في استخدام المياه، وبالأصح استخدام الفقاقيع في المياه لامتصاص طاقة تلك الدوشة الهائلة...سبحان الله أن الفقاقيع المتولدة بداخل الماء تمتص طاقة لا نتخيلها، لدرجة أنها ترفع درجة حرارة المياه. وبالنسبة لإطلاق المكوك، فكان يتم سكب حوالى ثلاثة مليون وأربع مائة ألف ليتر تحت منصة الإطلاق بمعدلات ضخ جبارة. ولو لاحظت في صور لحظات اشتعال محركات الصواريخ عند انطلاقها كمية الدخان الأبيض الصادر من تحت تلك المركبات الجبارة، فمعظمها هو عبارة عن بخار ماء لا يختلف في تركيبته عن الخارج من «الكفتيرة» في مطبخك.

ومن الطرائف أننا مازلنا في بداية مشوار التعلم عن الدوشة في الفضاء وبعضها ليست دوشة على الإطلاق، ففي عالم الفيزياء الكونية، اكتشف العلماء العديد من الأصوات الغريبة التي تصدر عن الكواكب، والنجوم، والمجرات لتبوح بأسرارها. الصور و«الحواديت» الكونية كانت توصف من خلال الاستكشاف المرئي، واليوم أصبح الاستكشاف السمعي من خلال تحليل الدوشة الكونية من أهم مصادر الأبحاث الكونية. ولن أنسى شخصياً يوم سماعي لأول مرة لصوت أحد النجوم عبر أحد تطبيقات الإنترنت. وكانت المفاجأة أنه كان يطرق بشدة فكان «النجم الطارق» وسبحان الخالق العظيم.

ولننزل من مستوى الفضاء والصواريخ الى مستوى الطائرات فنجد أن إحدى عجائب الدوشة هي تأثيراتها على حواسنا ومنها حاسة التذوق. تشير بعض الدراسات إلى أن التعرض للضوضاء بشكل مستمر يقلص من القدرة على التذوق. ودوشة المحركات أثناء الطيران تؤثر على حاسة التذوق، ولذا فتجد المسافرين يزيدون من رش الملح على الطعام، ومن السكر في الشاهي والقهوة، ولا يستطعمون النكهات بالشكل الكامل مهما كانت لذيذة. وهذه من أسباب عدم رضا البشر بشكل عام على طعم المأكولات أثناء السفر جواً. وبصراحة، بالنسبة لي شخصياً أعترف ودون أي خجل أنني من عشاق دوشة محركات الطائرات اثناء السفر جواً. أولاً لأنني من عشاق الطيران، وكل من أنواع المحركات لها بصمتها الضوضائية المميزة. وثانياً: لأن تلك الدوشة المنظمة ضرورية لبقاء الطائرة في الجو، فلو انقطعت أثناء الطيران...فالله يستر على العواقب.

أمنيــــــة

الدوشة الأساسية التي نعاني منها يومياً تصدر من البشر، ومعظمها يمكن تفاديها، تخيل مضايقات استخدامات الهاتف الجوال في الأماكن العامة بطرق استفزازية، والهرج بالأصوات المرتفعة، و«بواري» السيارات، وغيرها. أتمنى أن ننجح في تقليص بصمتنا الضوضائية بتوفيق الله.

وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي