كتاب ومقالات

مسلمات الكونغرس

تلميح وتصريح

حمود أبو طالب

كحدث غير مسبوق فإنه جدير بالتغطية الإعلامية الواسعة التي حظي بها، وأعني به وصول سيدتين مسلمتين إلى الكونغرس لأول مرة في الانتخابات النصفية الأمريكية التي تابعها العالم باهتمام شديد، لكن بعض وسائل الإعلام العربية ومواقع التواصل تجاوزت تناوله في إطاره الإعلامي المعقول إلى المبالغة في الاحتفاء به من جانب كونهما سيدتين مسلمتين فقط، وكأنه إنجاز تاريخي للمسلمين باقتحام المجلس التشريعي لأهم وأقوى دولة في العالم، أو كأن هاتين السيدتين ستتبنيان قضايا المسلمين في العالم وتنافحان عنها وتنتصران لها كهدف أساسي خلال عملهما في الكونغرس.

لا بأس في الاحتفاء بهما كونهما مسلمتين، لكن المبالغة العاطفية في ذلك غير صحيحة لأن السبب الأساسي لفوزهما هو أنهما مواطنتان أمريكيتان ملتزمتان بالقيم الثقافية والفكرية للمجتمع الأمريكي وتنتميان الى حزب سياسي تؤمنان بفلسفته ومبادئه وأدبياته، واستطاعتا التدرج في العمل من خلاله واكتساب خبرة ونضج سياسي يؤهلهما إلى دخول المنافسة الانتخابية لتمثيله وفق رؤيته وبرنامجه في هذه المرحلة.

السيدتان المسلمتان لا علاقة لهما ببلديهما ومجتمعيهما الأساسيين اللذين تنتمي جذورهما إليهما بكل ما فيهما من مكونات دينية وثقافية وقيم وعادات وتقاليد، ولا شأن لهما بمشاكل وأزمات المجتمعات المسلمة. واجبهما هو خدمة مصالح البلد الذي أتاحت قوانينه حصولهما على جنسيته وتمكينهما من الوصول إلى معقل سلطته التشريعية، أياً تكن تلك المصالح حتى لو كرهها المسلمون أو كانت ضدهم. عملهما في الكونغرس لا علاقة له بدينهما أو ثقافة الأصل، هو عمل سياسي لمواطن أمريكي منتخب يمارس مهمته وفق الدستور والقوانين والأنظمة التي تؤطر هذا العمل.

وصول السيدتين المسلمتين إلى الكونغرس هو أحد التجليات العظيمة للقوانين والأنظمة الأمريكية والديموقراطية الراسخة التي تلتزم بها أمريكا في إدارة شؤونها، ولا شيء أكثر من ذلك.