كتاب ومقالات

الطاقة النووية السعودية في رسالة ماجستير..!

صدقة يحيى فاضل

لا شك أن دخول السعودية العصر النووي في جانبه السلمى كان - وما زال - له صدى طيب لدى مواطنيها، ومحبى السلام في العالم. إذ إن دخول المملكة هذا المجال هو بغرض الاستفادة فقط من التطبيقات السلمية المتنوعة للطاقة النووية. حتى لو أرادت المملكة (افتراضا) استغلال منشآتها وإمكاناتها النووية السلمية لأغراض عسكرية، فإنها غالبا لن تستطيع، بسبب هذه الرقابة الدولية الصارمة، وتعهد المملكة بالالتزام بالتطبيقات السلمية للطاقة النووية، وفق الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة.

نعم، هناك تصريح رسمي سعودي يؤكد أن السعودية ستسعى للحصول على قنابل نووية، إذا امتلكت إيران هذا النوع من الأسلحة. أي أن هذا المسعى مشروط بامتلاك المنافس للسلاح النووي. ويظل الأساس في اهتمام المملكة بالطاقة النووية هو استخدام هذه الطاقة في الأغراض السلمية فقط، وخاصة في مجالي توليد الطاقة، وتحلية مياه البحر، اللذين تحتاجهما المملكة حاجة أكيدة وماسة.

***

وقد كتب بعض الباحثين مؤخرا عن الطاقة النووية السعودية، والدور الاقتصادي والسياسي الذي يمكن أن تلعبه داخل المملكة وخارجها. ووصلتني (للتحكيم) رسالة ماجستير، ستطبع في كتاب (باللغة الإنجليزية) بعنوان: الطاقة النووية السعودية: تنويع مصادر الطاقة والتخطيط الاقتصادي المستقبلي، للطالبة مشاعل جميل مقادمي. وهى ابنة صديقي الدكتور جميل مقادمي، الذي كان يعمل كمساعد ملحق ثقافي سعودي بأمريكا وكندا. وقد حصلت هذه الطالبة، بهذه الرسالة، على درجة الماجستير بامتياز، من جامعة بوسطن الأمريكية. طلب منى تحكيمها أكاديميا، والنظر في إمكانية نشرها في كتاب. ولقد وجدتها عبارة عن بحث علمي متميز ورصين، إضافة إلى أهميتها العلمية الواضحة. فلعلها أول بحث علمي مكثف من نوعه في هذا الموضوع.

***

يتكون هذا البحث (الكتاب) من مقدمة، وسبعة فصول تقع في 139 صفحة من الحجم العادي. يتناول الفصل الأول بعض أهم العوامل الداخلية المؤثرة بالمملكة، وفى مقدمتها: الاستهلاك المحلى للنفط، تحلية مياه البحر، العجز في الطاقة الكهربائية المحلية، مدى أهمية النفط، النقص في إمدادات الغاز الطبيعي، إضافة إلى ما يعرف بـ «أمن الطاقة»، وتنويع النشاط الاقتصادي، ودواعي العولمة. أما الفصل الثاني، فيتطرق إلى «مستقبل النفط». وهنا تحدثت الباحثة عن السيارات الكهربائية التي سيؤدي انتشارها - قريبا - إلى انخفاض في الطلب على النفط. ولكن الاقتصاد السعودي سيزدهر أكثر - كما تقول الباحثة - الأمر الذي سيعني زيادة أكبر على طلب مصادر الطاقة، النفطية وغير النفطية.

وفي الفصل الثالث، تم التركيز على «رؤية المملكة 2030»، التي تعني: إجراء نقلة نوعية للاقتصاد السعودي، عمادة تشجيع الاستثمارات والمبادرات الإيجابية لرجال الأعمال، وغيرهم. وذلك عامل رئيس آخر - كما ترى الباحثة - لزيادة الطلب على مصادر الطاقة، لارتفاع مستوى الاستهلاك المحلي المتوقع من الطاقة بأنواعها.

***

أما الفصل الرابع، الذي استغرق 20 صفحة من البحث (69- 89) فتحدثت فيه الباحثة عن عدة أمور... اعتبرت مبررات مقنعة لتبني الطاقة النووية بالمملكة. ومعروف أن معارضي امتلاك المملكة لتقنية الطاقة النووية يثيرون مخاوف مصطنعة حول هذه الخطوة السعودية. إذ يدعون أن دافع المملكة الرئيس لدخول العصر النووي هو حيازة السلاح النووي. ويقولون إن المملكة لديها أكبر احتياطي نفطي تملكه دولة واحدة في العالم. لذا، فإنها - كما يدعون - لا تحتاج إلى الطاقة النووية لدعم اقتصادها. وقد ردت الباحثة على هذا الاتهام الباطل بإيراد «مبررات» إقدام المملكة على هذه الخطوة. من ذلك: سلامة نوايا المملكة وحاجتها الأكيدة لتنويع مصادر الطاقة بها، والحاجة المتزايدة لهذا الاستخدام الذي تحتمه عوامل، أهمها: الاعتبارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، البيئة الطبيعية، اكتساب التقنية، تنويع النشاط الاقتصادي، توليد الكهرباء، تحلية المياه، ترشيد استهلاك النفط والغاز.

وفي الفصل الخامس، وضحت الباحثة معنى الانتشار النووي (Nuclear Proliferation) وإمكانية استغلال السعودية لإمكاناتها النووية لصنع أسلحة نووية. فوضحت العوامل التي يظن أنها ستدفع السعودية لاستخدام إمكاناتها النووية لأغراض عسكرية. وكذلك العوامل التي تؤكد أن المملكة لن تقدم على استغلال قدراتها النووية السلمية لصنع قنابل نووية، وهى العوامل الأقوى، وخاصة في ظل إجراءات الأمان النووي الدولية الصارمة والمشددة التي ستطبق على النشاط النووي السعودي.

***

وفي الفصل السادس، تحدثت الباحثة عن المقترح لجعل منطقة الشرق الأوسط ككل منطقة خالية من السلاح النووي

(NWFZ) داعية المجتمع الدولي لتطبيق هذه الفكرة بالفعل، لضمان عدم الانتشار النووي بالمنطقة. وفي الفصل السابع والأخير، لخصت الباحثة عملية التنمية النووية السعودية، وكون المملكة حتى الآن في بداية الطريق الطويل لامتلاك بنية نووية متقدمة وفاعلة.

واختتمت الباحثة مشاعل مقادمي بحثها (كتابها) بخاتمة موجزة، وبتقديم عدة «توصيات» قيمة لصانع القرار السعودي بهذا الشأن، من أهمها:

1 – ضرورة تنمية كادر نووي مؤهل من العلماء والتقنيين والفنيين والإداريين المتخصصين في إدارة الطاقة النووية، والإمكانات النووية السعودية بعامة. ويستحسن إقامة معهد لتدريب هذه الكوادر.

2 – التطوير المستمر لقدرة تخصيب اليورانيوم، في إطار الاتفاقيات الدولية المعروفة، وبالتعاون مع المنظمات الدولية المتخصصة، وفي مقدمتها «وكالة الطاقة الذرية الدولية» (IAEA).

3 – السعي لضمان استخدام الطاقة النووية بالمنطقة للأغراض السلمية فقط، عبر التعاون الإقليمي والدولي، والعمل على جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي وكل أسلحة الدمار الشامل (WMDFZ).

أثني على ما أوصت به، وأشيد بكتابها هذا، وبمعظم ما جاء فيه. كما أغتنم هذه الفرصة لتذكير «مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة» بضرورة المسارعة في إقامة البنية النووية اللازمة، والتي تتمثل في المفاعلات النووية، بصفة رئيسة. فحتى الآن، لم نشاهد مفاعلا واحدا على الأرض.

* كاتب سعودي

sfadil50@hotmail.com