محطة أخيرة

مريم الغامدي: 70 عاماً ضبطت بها موجات الأثير

مريم الغامدي في استديو إذاعة الرياض.

علي الرباعي (الباحة) okaz_online@

شقّت الإعلامية المخضرمة مريم الغامدي طريقها نحو النور دون مجابهة هضاب ولا ركود في بحيرة ولا خشية من ظلام.

ولدت لأسرة سعودية مهاجرة إلى مصوّع، وخالطت جيرانا من ديانات مختلفة فانفتحت ذائقتها على التعددية، وآمن نبوغها المبكر بالتنوع التكاملي بين الأحياء وبين الأشياء. وما زالت تحتفظ ذاكرتها بكثير من الإكبار لجارها الذي دلّها على كُتّاب المسجد لتتم حفظ القرآن في جامع العرب بالعاصمة الإريترية.

اكتشفت هويتها الثقافية بنفسها بدءا من التعلق بصوت المذياع، مروراً بالطرب لأنغام الموسيقى، وليس انتهاء بالبكاء الطويل احتجاجاً على إغلاقه، وبحكم أن الأقدار تهديك من يعينك على تحقيق أحلامك، والوصول لأهدافك كان الأب المتفتح والمنطقي أعرف الناس بما تطمح إليه ابنته من مشروع.

في حقبة التنوير مطلع الستينات الهجرية كانت الغامدي حاضرة بكل حضارية ومؤهلاتها فصاحةٌ منحها حسن تلاوتها للكتاب الكريم، وشجاعة اكتسبتها من حضن الطبيعة، وطموح وطني له تحت مظلة الوطن مساحة، فانصرفت لتحقيق أحلامها، وتوظيف قدراتها لإضاءة الشموع دون أن تستهلك طاقتها في هجاء الظلام.

سكنت نبرة صوتها أسماع الأثير فسكنت وجدان سعوديين وعرب لم يكن لهم من وسيلة اتصال وتواصل مع العالم إلا عبر المذياع، وأتقنت المسار الذي توجه فيه جهودها ففتحت أبواب الأمل أمام بنات جيلها وصححت بالقدوة الكثير من المفاهيم المغلوطة، فغدت الكاتبة والممثلة والمعلمة ولكنها احتفظت بنواة الإنسانية.

خلال ساعة ظهور في برنامج المختصر كأننا نكتشفها لأول مرة، إذ لم تُعِد ما قالته قبلاً، واستطاعت أن تحرّك حواسنا إلى جهات وفضاءات، سهول وأودية وقفار، إلا أننا معها لم نفقد توازننا كونها ضبطت الموجات بخبرة تحقق متعة أكثر بأقل تعب.

الغامدي وهي على مشارف السبعين تعمل وفق مقولة جلال الدين الرومي «كأنك في الحياة مكلف من مسؤول بأداء مهمة محددة لكنك عدت إليه بإنجاز أكبر قدر من المهمات».