كتاب ومقالات

الملك في الجوف.. دعاءُ الزيتون وابتهالاتُ التنمية

عبداللطيف الضويحي

تعد الجوف المحطة الثالثة في جولة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز التي بدأها بالقصيم ثم حائل والتي تم تتويجها بتوقيع وترسية العديد من المشروعات التنموية في المنطقتين. وتهدف هذه الجولات الرفيعة المستوى للقاء القيادة الحكيمة بالشعب الوفي عن قرب وفي مختلف مناطق المملكة المترامية وتلمس احتياجات المناطق من مشروعات التنمية في كافة المجالات التعليمية والصحية والصناعية والاجتماعية.

تكتسب هذه الزيارة لمنطقة الجوف أهمية ككل الجولات الملكية الكريمة من حيث الموضوع ومن حيث التوقيت، فالجوف تشهد نهضة في العديد من المجالات، وفي نفس الوقت لا تزال تمضي قدماً نحو تحقيق المزيد من المشروعات والإنجازات التنموية تحقيقاً لرؤية 2030. فعلى صعيد البنية التحتية تم ربط منطقة الجوف بشبكة طرق وسكة حديد حديثة التشغيل مع المناطق المجاورة، إضافة إلى مطار الجوف الإقليمي والمنفذ الجمركي البري مع المملكة الأردنية الهاشمية لعبور المسافرين ولنقل البضائع، ناهيك عن توفر الكهرباء ومحطات توليد الطاقة من الرياح.

لقد حبا الله منطقة الجوف بالعديد من الموارد الطبيعية الأساسية منها وفرة المياه وخصوبة الأرض إضافة إلى المناخ الذي جعل البيئة الزراعية في الجوف تقبل زراعة محصولين من النادر أن يجتمعا في مكان واحد، وهما النخيل والزيتون وبكميات وجودة عالية. ناهيك عن العديد من المحاصيل الزراعية الأخرى.

تعد الجوف إحدى أهم مناطق المملكة الزراعية الهامة التي نتوقع ونتمنى أن تشهد طفرة في الصناعات الغذائية والدوائية والمستخلصات التجميلية. فمنذ أيام تم إيقاف زراعة الأعلاف في الشركات الزراعية الكبيرة التي كانت سبباً باستنزاف كميات كبيرة من المياه فجاءت هذه الخطوة على طريق ترشيد المحاصيل الزراعية في المرحلة القادمة بما يحفظ التوازن الإستراتيجي بين الأمن الغذائي والأمن المائي.

كما أن من المتوقع أن تشهد المنطقة طفرة في أنماط وأساليب الزراعة الحديثة والزراعة العضوية ذات الجدوى الاقتصادية العالية والقيمة الغذائية العالية التي ستمد أسواق المملكة والدول المجاورة بمنتجاتها في المرحلة القادمة، مع دعم تأسيس شركة للتسويق الزراعي بأسطول يسمح بالوصول إلى الأسواق المهمة في المنطقة.

كما أن المنطقة تعد واحدة من المناطق السياحية المهمة لما لها من وزن حضاري وثقافي تقف عليه كمية وأهمية الآثار والمعالم والمواقع ذات القيمة مثل قلعة زعبل وموقع سيسرا وحصن مارد ومسجد الخليفة عمر بن الخطاب وسور دومة الجندل وموقع الشويحطية، الذي يعد أقدم استيطان بشري في الجزيرة العربية وموقع الرجاجيل.

وتتوسط منطقة الجوف وفي قلب صحراء النفود البحيرة الطبيعية الوحيدة في الجزيرة العربية بصفة عامة والمملكة العربية السعودية بصفة خاصة حيث تشكلت هذه البحيرة من تدفق مياه الري بين التلال بمساحة تقدر 1.1 مليون متر مربع، ويصل عمقها إلى 15 متراً. وفي الجوف محمية الحرّة ومحمية الخنفة وتضمان العديد من الحيوانات النادرة، ناهيك عن الغطاء النباتي في هاتين المحميتين.

كما أن المنطقة تقف على العديد من الموارد التعدينية التي بينتها الدراسات والتي تعد بفرص كبيرة قادمة تتطلب الاستجابة والاستعداد الكادر البشري والموارد البشرية المتخصصة والماهرة للإسهام بإدارة وتشغيل واستثمار تلك الفرص.

من المعلوم أن منطقة الجوف تعد من أعلى نسب البطالة في المملكة. مما يلقي بمسؤولية كبيرة على عاتق جامعة الجوف التي هي من أهم مشروعات المنطقة على الإطلاق حيث يعوّل عليها لتكون مصنعا للعقول والقدرات والمهارات لأبناء وبنات المنطقة بحيث تشكّل رافداً يصب في سوق العمل للإسهام بالنهضة المعرفية الصناعية المنتظرة والمتوقعة للمملكة خلال السنوات القريبة القادمة في ضوء خريطة الطريق التي وضعت أسسها وبرامجها رؤية 2030. بالإضافة إلى أن المنطقة بحاجة إلى برامج تأهيل وتوظيف بشكل ربما استثنائي.

على جامعة الجوف والجهات المعنية بتخطيط القوى العاملة استباق المشروعات القادمة في المنطقة بوقت كافٍ وعدم الانتظار إلى أن يتم تدشين المشروعات وبدء التنفيذ؛ بحيث تعد برامج لاستقطاب الشباب وتأهيلهم وتدريبهم ليتولوا مسؤولية العمل بهذه المشروعات والاستثمار بها.

كما أن على جامعة الجوف والجامعات الناشئة أن تفكر ببلورة دورها الاقتصادي لتلعب هذا الدور على الوجه الأكمل. لا يمكن أن يتضح دور الجامعة إلا من خلال بلورة هوية اقتصادية لكل منطقة استناداً لموارد المنطقة الطبيعية والبشرية والمادية.

من هنا تأتي أهمية زيارة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد في المحطة الثالثة من الجولة الملكية الكريمة إلى منطقة الجوف ضمن جولة تشمل عدداً من مناطق المملكة تأكيدا للّحمة الاجتماعية بين القيادة والشعب في هذا البلد المزدهر والمتوثب للصعود إلى مصاف الدول المتقدمة بأبنائه وبناته.

* كاتب سعودي

Dwaihi@agfund.org