خطيب الحرم المكي: الإسلام دين سماحة وسلام للبشرية.. جعل التراحم من دلائل كمال الإيمان
الجمعة / 08 / ربيع الأول / 1440 هـ الجمعة 16 نوفمبر 2018 14:30
«عكاظ» (مكة المكرمة)
أدى جموع المصلين وزوار بيت الله الحرام صلاة الجمعة اليوم وسط منظومة متكاملة من الخدمات تقدمها الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، إذ أم المصلين إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ ماهر بن حمد المعيقلي.
وابتدأ الخطبة بقوله: الحمد لله وسع كل شيء برحمته، وعمَّ كل حي بفضله ومنته، وخضعت الخلائق لكبريائه وعظمته، يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، وخيرته من خلقه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
ثم أكمل قائلاً: أمة الإسلام؛ الرحمة صفةٌ من صفات ربنا الكريم، كتبها سبحانه على نفسِه، فوسع بها كل شيء، وعم بها كل حي، فهو الرحمن الرحيم، وأرحم الراحمين، يداه مبسوطتان آناء الليل وأطراف النهار، يوالي على عباده بنعمه، وعطاؤه أحب إليه من منعه، ورحمته جل جلاله غلبت غضبه، وفي الصحيحين، قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ، إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي". منوها إلى آثار رحمة الله بقوله: وآثار رحمته جل جلاله، ظاهرةٌ في خلقه، بيّنةٌ في آياته: "وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ". ومن رحمته سبحانه، أن يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته، وينزل الغيث، ويحي الأرض بعد موتها، "وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الوَلِيُّ الحَمِيدُ".
ومن آثار رحمة الله تبارك وتعالى، ما نشره من رحمة بين الخلائق، فما هذه الرحمة التي يتراحمون بها، إلا شيء يسير من رحمة أرحم الراحمين، ففي الصحيحين، أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا، خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ".
ومن رحمته سبحانه بعباده المؤمنين، أنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، نزولا يليق بجلاله، إكراما للسائلين، ورحمة بالمستغفرين التائبين، ففي الحديث المتفق على صحته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى سَمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْألُنِي فَأعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأغْفِرَ لَهُ". وتتجلى رحمته جل جلاله، بفتح بابه للمسرفين، وبسط يده للتائبين: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.
ومن رحمته سبحانه، أنه جعل حملة العرش ومن حوله، يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به، ويستغفرون ويشفعون للذين آمنوا: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾. منوها بقوله: والجنة يا عباد الله، رحمة الله تبارك وتعالى، يدخلها من يشاء من عباده برحمته، ولا يبلغها أحدٌ بعمله، فلو أتى العبد بكل ما يقدر عليه من الطاعات ظاهراً وباطناً، لم يعبد الله حق عبادته، ولم يؤد شكر نعمه. ومن نظر في سيرة سيد ولد آدم، صلى الله عليه وسلم، يجد الرحمةَ في أكمل صُوَرها، وأعظم معانيها، قد حفلتْ بها سِيرتُه، وامتلأت بها شريعتُه، فكان صلى الله عليه وسلم يعطف على الصغار ويرقّ لهم، ويقبّلهم ويضمّهم، ويلاعبهم ويحنّكهم، ويقول: (مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ). فما عرَفتِ البشرية أحدًا أرحم بالصغار من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما النساء، فكانت الرحمة بهنّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم، والرفق بهنّ أكثر، والوصية في حقهن آكد، فحثّ صلى الله عليه وسلم على الرحمة بالبنات والإحسان، وكان صلى الله عليه وسلم، يرحم الضعفاء والخدم، ويهتم بأمرهم، خشية وقوع الظلم عليهم، والاستيلاء على حقوقهم، وجعل عليه الصلاة والسلام، العطف والرحمة بالمساكين والضعفاء.
فرحِم صلى الله عليه وسلم الصغيرَ والكبير، والقريب والبعيد، والعدو والصديق، بل شملت رحمته الحيوانَ والجماد، وما من سبيلٍ يوصل إلى رحمة الله، إلا جلاَّه لأمَّته، وحثَّهم على سلوكه، وما من طريق يبعد عن رحمة الله، إلا زجر عنه، وحذَّر أمته منه.
فكانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها رحمة، فهو بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم رحمة، وشريعته رحمة، وسيرته رحمة، وسنته رحمة، وصدق الله إذ يقول: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.
مبيناً أن دين الإسلام، دين سماحة ورحمة، وسلام للبشرية، دعا إلى التراحم، وجعله من دلائل كمال الإيمان، ففي السنن الكبرى للنسائي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تَرَاحَمُوا)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كُلُّنَا رَحِيمٌ، قَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ خَاصَّتَهَ، وَلَكِنْ رَحْمَةُ الْعَامَّةِ)، إنها الرحمة العامة، التي تسع الخلق كلهم، وهي من أعظم أسباب رحمة الله تعالى، كما أن عدمها -أجارنا الله وإياكم- سبب للحرمان من رحمة الله عز وجل، ففي الصحيحين، يقول رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ، لَا يَرْحَمْهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ)، وإن أولى الناس بالرحمة، وأحقهم وأولاهم بها، الوالدان، فبالإحسان إليهما، تكون السعادة، وببرهما، تُستجلَب الرحمة، وخاصة عند كبرهما: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدِكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.
مستطرداً: وإن من العلاقات البشرية، والروابط الاجتماعية، التي لا تستقيم إلا بخلق، الرحمة، فالعلاقة الزوجية مبنية على المودة والرحمة، وقد تضعف المودة بين الزوجين، فيشد وثاقها خلق الرحمة، فترحم المرأة زوجها، ويرحم الرجل زوجته، ويمتد أثر هذه الرحمة للبنين والبنات، فتنشأ داخل هذه الأسر المرحومة، نفوس مطمئنة، وطباع سليمة مستقيمة.
وإذا كان للقريب نصيب وحق من الرحمة، فالغريب كذلك له حظ ونصيب، خاصة كبار السن والضعفاء وذوو الحاجات، فتخلقوا -معاشر المسلمين- بخلق الرحمة.
واعلموا معاشر المؤمنين: أن رحمة الله تبارك وتعالى، تستجلب بطاعته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والاستقامة على أمره، وكلما كان نصيب العبد من الطاعة أتم، كان حظه من رحمة الله أوفر.
وابتدأ الخطبة بقوله: الحمد لله وسع كل شيء برحمته، وعمَّ كل حي بفضله ومنته، وخضعت الخلائق لكبريائه وعظمته، يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، وخيرته من خلقه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
ثم أكمل قائلاً: أمة الإسلام؛ الرحمة صفةٌ من صفات ربنا الكريم، كتبها سبحانه على نفسِه، فوسع بها كل شيء، وعم بها كل حي، فهو الرحمن الرحيم، وأرحم الراحمين، يداه مبسوطتان آناء الليل وأطراف النهار، يوالي على عباده بنعمه، وعطاؤه أحب إليه من منعه، ورحمته جل جلاله غلبت غضبه، وفي الصحيحين، قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ، إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي". منوها إلى آثار رحمة الله بقوله: وآثار رحمته جل جلاله، ظاهرةٌ في خلقه، بيّنةٌ في آياته: "وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ". ومن رحمته سبحانه، أن يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته، وينزل الغيث، ويحي الأرض بعد موتها، "وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الوَلِيُّ الحَمِيدُ".
ومن آثار رحمة الله تبارك وتعالى، ما نشره من رحمة بين الخلائق، فما هذه الرحمة التي يتراحمون بها، إلا شيء يسير من رحمة أرحم الراحمين، ففي الصحيحين، أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا، خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ".
ومن رحمته سبحانه بعباده المؤمنين، أنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، نزولا يليق بجلاله، إكراما للسائلين، ورحمة بالمستغفرين التائبين، ففي الحديث المتفق على صحته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى سَمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْألُنِي فَأعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأغْفِرَ لَهُ". وتتجلى رحمته جل جلاله، بفتح بابه للمسرفين، وبسط يده للتائبين: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.
ومن رحمته سبحانه، أنه جعل حملة العرش ومن حوله، يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به، ويستغفرون ويشفعون للذين آمنوا: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾. منوها بقوله: والجنة يا عباد الله، رحمة الله تبارك وتعالى، يدخلها من يشاء من عباده برحمته، ولا يبلغها أحدٌ بعمله، فلو أتى العبد بكل ما يقدر عليه من الطاعات ظاهراً وباطناً، لم يعبد الله حق عبادته، ولم يؤد شكر نعمه. ومن نظر في سيرة سيد ولد آدم، صلى الله عليه وسلم، يجد الرحمةَ في أكمل صُوَرها، وأعظم معانيها، قد حفلتْ بها سِيرتُه، وامتلأت بها شريعتُه، فكان صلى الله عليه وسلم يعطف على الصغار ويرقّ لهم، ويقبّلهم ويضمّهم، ويلاعبهم ويحنّكهم، ويقول: (مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ). فما عرَفتِ البشرية أحدًا أرحم بالصغار من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما النساء، فكانت الرحمة بهنّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم، والرفق بهنّ أكثر، والوصية في حقهن آكد، فحثّ صلى الله عليه وسلم على الرحمة بالبنات والإحسان، وكان صلى الله عليه وسلم، يرحم الضعفاء والخدم، ويهتم بأمرهم، خشية وقوع الظلم عليهم، والاستيلاء على حقوقهم، وجعل عليه الصلاة والسلام، العطف والرحمة بالمساكين والضعفاء.
فرحِم صلى الله عليه وسلم الصغيرَ والكبير، والقريب والبعيد، والعدو والصديق، بل شملت رحمته الحيوانَ والجماد، وما من سبيلٍ يوصل إلى رحمة الله، إلا جلاَّه لأمَّته، وحثَّهم على سلوكه، وما من طريق يبعد عن رحمة الله، إلا زجر عنه، وحذَّر أمته منه.
فكانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها رحمة، فهو بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم رحمة، وشريعته رحمة، وسيرته رحمة، وسنته رحمة، وصدق الله إذ يقول: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.
مبيناً أن دين الإسلام، دين سماحة ورحمة، وسلام للبشرية، دعا إلى التراحم، وجعله من دلائل كمال الإيمان، ففي السنن الكبرى للنسائي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تَرَاحَمُوا)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كُلُّنَا رَحِيمٌ، قَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ خَاصَّتَهَ، وَلَكِنْ رَحْمَةُ الْعَامَّةِ)، إنها الرحمة العامة، التي تسع الخلق كلهم، وهي من أعظم أسباب رحمة الله تعالى، كما أن عدمها -أجارنا الله وإياكم- سبب للحرمان من رحمة الله عز وجل، ففي الصحيحين، يقول رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ، لَا يَرْحَمْهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ)، وإن أولى الناس بالرحمة، وأحقهم وأولاهم بها، الوالدان، فبالإحسان إليهما، تكون السعادة، وببرهما، تُستجلَب الرحمة، وخاصة عند كبرهما: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدِكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.
مستطرداً: وإن من العلاقات البشرية، والروابط الاجتماعية، التي لا تستقيم إلا بخلق، الرحمة، فالعلاقة الزوجية مبنية على المودة والرحمة، وقد تضعف المودة بين الزوجين، فيشد وثاقها خلق الرحمة، فترحم المرأة زوجها، ويرحم الرجل زوجته، ويمتد أثر هذه الرحمة للبنين والبنات، فتنشأ داخل هذه الأسر المرحومة، نفوس مطمئنة، وطباع سليمة مستقيمة.
وإذا كان للقريب نصيب وحق من الرحمة، فالغريب كذلك له حظ ونصيب، خاصة كبار السن والضعفاء وذوو الحاجات، فتخلقوا -معاشر المسلمين- بخلق الرحمة.
واعلموا معاشر المؤمنين: أن رحمة الله تبارك وتعالى، تستجلب بطاعته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والاستقامة على أمره، وكلما كان نصيب العبد من الطاعة أتم، كان حظه من رحمة الله أوفر.