ثقافة وفن

لم يعد الأصدقاء إلى ضحكاتهم

إبراهيم الحسين

* الضحكة

للضحكة وقتها ولها مكانها، فهي لا تجيء وحدها، ولا تُقبل عارية، في المقابل الضحكة أرض مديدة لمن يقع فيها، عين لمن تأكل الخيبات طعامه وتتركه جائعاً، تتركه أعمى، وللضحكة أيضاً أزقتها التي تجيء منها، سماواتها التي تسقط منها، فهي تمر ولا تقصد أحداً بعينه، ولا تطرق باب أحد، تضرب الأرض بأسنانها وتخب، تعبر نهاراً، لا تتخفى وراء شفاهٍ ولا تتوارى بملامح.

الضحكة إيذان الجدران أن تتنحى عن طلائها، اقتراح مخارج جديدة، عرض سيرة أخرى، على المكان ليجربها

ويرفع سقفه بعيداً جداً عن التذكر.

* الأصدقاء

لم يعد الأصدقاء إلى كلماتهم، نهضوا وتركوها، مثل علب تبغ فارغة، مثل أوراق سقطت عفواً من أفواههم ولم يلتقطوها، لم يعد الأصدقاء إلى ضحكاتهم، كنست الشوارع السوداء التي تمتد فيهم، مسحت من عروقهم الوجوه التي غامت فيها طيلة النهار ثم ركدت عليها،

أسقطت من رفوف أرواحهم الشتائم الواضحة،

ثم قذفت هواءها وحطت عندي مثل ضحكات نسيها أصحابها ولم يعودوا..

هكذا ارتفع الأصدقاء في آخر السهرة مثل غيم وأمطروا غياباً ووحدة ولم يعودوا..

هكذا انشدَّ وترهم، رنَّ طويلاً وبحدة، ثم انقطع..

فلا خشب يرتقونه ولا فم يعودون إليه،

هكذا هدموا ثيابهم وظلالهم؛ سوَّوْها بالوحشة تماماً ولم يعودوا.