الغاز وآفاق الصراع المستقبلي في حوض البحر المتوسط
الأحد / 17 / ربيع الأول / 1440 هـ الاحد 25 نوفمبر 2018 16:21
ضياء حسون
يقول ابن خلدون، واضع فلسفة التاريخ، إن الحوادث يرتبط بعضها ببعض ارتباط العلة بالمعلول، أي أنه لو تشابهت الظروف، لتشابهت تبعاً لذلك الوقائع، فمعرفة الحاضر معرفة صحيحة، تعد الوسيلة المضمونة إلى معرفة الماضي والمستقبل.
والماضي يقول، إن هناك نفطاً وبكميات كبيرة، اكتشف في منطقة الشرق الأوسط، تسابقت عليه القوى الاستعمارية للسيطرة على منابع الطاقة، أدى النزاع بينها، وبصورة غير مباشرة، إلى حصول حرب عالمية أولى، لم تروِ الدماء التي أسيلت فيها عطش محبي السلطة والمال، فأعقبتها حرب عالمية ثانية، علها تطفئ جذوة هذا الحب.
والحاضر يقول، إن هناك احتياطيات هائلة من الغاز، اكتشفت في قاع شرق البحر المتوسط، الذي تطل عليه دول كل من تركيا ولبنان وسوريا وإسرائيل ومصر واليونان وقبرص، وسط تداخل الحدود البحرية بينها، وتوسع واحدة على حساب الأخرى.
وإذا كان التنافس الاستعماري على الثروات النفطية ينحصر بين الدول الكبرى، فاليوم وفي ظل اقتصاد السوق، ترى الشركات العالمية صاحبة الثروات التي تضاهي ثروات الدول، هي الأخرى تدخل ميدان التنافس، وإن كانت تقف خلف دول باحثة عن النفوذ والسيطرة، وهو موضوع يزيد من تعقيد الصراع الغازي، قياساً بمثيله النفطي.
فالصراع من أجل النفط كان يقوم على الغزو والسيطرة المباشرة على جميع أراضي الدولة، إلا أنه وفي الوقت الحالي، من الصعب القبول بنظرية الاحتلال لجميع أراضي الدولة المالكة لثروة ما، كما كان يجري في السابق، وإنما يكفي احتلال الحقل الغازي، عبر شركات تملك من المال والتقنية، ما لم تملكه دولة، مما يؤهلها لأن تكون هي المفاوض في ترسيم الحدود واقتسام حقول الغاز بينها وبين غيرها من الشركات، تبعاً للتسهيلات التي تقدمها البلدان التي تقع ضمن حدودها البحرية تلك الحقول.
لذا فإن على الدول التي تتنازع للسيطرة على أكبر قدر ممكن من مياه البحر، أن تقرأ التجربة العظيمة، التي مرت بها دول الشرق الأوسط، حيث نفس تجربة الاستكشافات هذه، التي أدت إلى ظهور النفط كمادة سال لها لعاب الدول الكبرى، أدت كذلك إلى مجيء بريطانيا وفرنسا إلى المنطقة، بعد انسحاب روسيا بسبب ثورتها البلشفية، مخلية بذلك الساحة لهاتين الدولتين، تتقاسمان الثروات فيما بينهما بطريقة أو بأخرى.
وهذه التجربة التاريخية للدول النفطية المطلة على الخليج العربي، قد تكون خير معين لدول البحر المتوسط في قضية الاستفادة من ثروة الغاز، لا لغرض الحصول عليها فقط. فهناك فرق بين أن تملك الشيء، وبين أن تملكه وتستفيد منه. بمعنى آخر، أن دول الخليج استطاعت الاستفادة من ثروتها النفطية قدر الإمكان، وبنت مدنها على أحدث طراز، بسبب نجاحها بالتفاوض مع الدول الكبرى وشركاتها، الطامعة بتلك الثروات. وهناك من لم يحسن التدبير والتفاوض، كإيران والعراق، لينتهي بهما الأمر إلى عدم الاستفادة من ثرواتهما النفطية، بل وانقلاب الثروة إلى مشكلة أدت إلى دخولهما في صراعات، بدلاً من تطورهما.
الصراع يحتدم في الشرق الأوسط بسبب هذه الثروة الجديدة، والتي سوف تكون عماد الطاقة في المستقبل، فإسرائيل تسابق الزمن من أجل وضع اليد على الحقول المكتشفة، والسيطرة كذلك على ممر الطاقة عبر قبرص. واستطاعت إلى الآن أن تسوي الأمر مع مصر واليونان، وستبدأ بتصدير الغاز، لتبقي لبنان في تنازع معها حول مسألة المياه الإقليمية، في وقت تعصف بلبنان الخلافات السياسية، بينما إسرائيل تقطع أشواطاً في عمليتي الاستخراج والتصدير.
أما تركيا، فسوف تكون غارقة في صراعها مع اليونان حول قبرص من جهة، وحول المياه الإقليمية بين قبرص واليونان ومصر من جهة أخرى، وقد تكون مصر وبسبب أزمتها الاقتصادية، استخدمت سياستها الناعمة مع إسرائيل وقبرص واليونان، لتستريح القاهرة من مشاكل المستقبل بين هذا لك وذاك لي، وهي طريقة قد تكون مناسبة لظروف مصر الراهنة.
وإذا أفلس الاتحاد السوفيتي من كعكة الطاقة في الشرق الأوسط، فإن اليوم روسيا، ترفع شعار لا تهاون مع حصتنا، وستكون أحد أهم محاور السيطرة على المنطقة، مصححة بذلك كبوة ستالين، التي حاول تصحيحها بعد ذلك، ولكن ولات حين مندم. فقبضة روسيا على الساحل السوري، من الصعب فكها، وهي نقطة المرتكز.
الولايات المتحدة من جانبها، ستكون مايسترو الشركات المستثمرة، ومسيطرة على المعابر في الوقت ذاته، فهي مهمة اقتصادية أوكلت إلى الرئيس ترمب، وقد تكون إحدى أهم أسباب توليه إدارة البيت الأبيض، فالرجل ذو عقل اقتصادي بحت، وسيكون أمل الشركات الأمريكية في الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الاستثمارات.
القضية الأخرى في الموضوع، هي إمكانية حصول القتال بين الدول المطلة على البحر المتوسط، وأحد أهم المواجهات المحتملة، ستكون بين تركيا واليونان من جهة، وبين لبنان وإسرائيل من جهة أخرى. وحيث أن مثل تلك المواجهات العسكرية سوف لن تكون في صالح إسرائيل، المستفيد الأول وقد يكون الأخير من هذه الثروة، فإن إبقاء الخلافات دون وصولها إلى المواجهة العسكرية بين هذه الدول، سيصب في صالح الدولة العبرية، ذلك إنه سيعطل من فرص استثمار الغاز بالصورة المطلوبة من قبل دول البحر المتوسط، بينما إسرائيل تكون قد قطعت مراحل متقدمة في السيطرة على سوق الغاز العالمي، فقضية قبرص ستبقى إسفين الخلاف بين الأتراك واليونانيين، وأحد أهم معرقلات الاستفادة من الغاز.
كما أن الصراعات السياسية بين الفرقاء اللبنانيين سوف تجهض أي محاولة للاستفادة من ثروات البلد، إضافة إلى بقاء التوتر في علاقة لبنان مع إسرائيل، مع عدم قدرتها على المواجهة العسكرية، لتنظم لبنان إلى معسكر التنازع دون الاستفادة من الثروة الغازية.
ويبقى الموضوع الأهم في كل ذلك، هو ما يجري في سوريا، والتي من خلالها سوف تتحدد الاستراتيجية المستقبلية لغاز الشرق الأوسط، عبر التسوية المنتظرة بين اللاعبين الدوليين على الميدان السوري. فلا يزال الكل يضغط للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب في المنطقة، مهما طال أمد الصراع، فمن يملك الغاز، سيكون مالكاً لمحرك الطاقة المستقبلية.
• ينشر هذا المقال بالتزامن مع «سبوتنيك عربي»
والماضي يقول، إن هناك نفطاً وبكميات كبيرة، اكتشف في منطقة الشرق الأوسط، تسابقت عليه القوى الاستعمارية للسيطرة على منابع الطاقة، أدى النزاع بينها، وبصورة غير مباشرة، إلى حصول حرب عالمية أولى، لم تروِ الدماء التي أسيلت فيها عطش محبي السلطة والمال، فأعقبتها حرب عالمية ثانية، علها تطفئ جذوة هذا الحب.
والحاضر يقول، إن هناك احتياطيات هائلة من الغاز، اكتشفت في قاع شرق البحر المتوسط، الذي تطل عليه دول كل من تركيا ولبنان وسوريا وإسرائيل ومصر واليونان وقبرص، وسط تداخل الحدود البحرية بينها، وتوسع واحدة على حساب الأخرى.
وإذا كان التنافس الاستعماري على الثروات النفطية ينحصر بين الدول الكبرى، فاليوم وفي ظل اقتصاد السوق، ترى الشركات العالمية صاحبة الثروات التي تضاهي ثروات الدول، هي الأخرى تدخل ميدان التنافس، وإن كانت تقف خلف دول باحثة عن النفوذ والسيطرة، وهو موضوع يزيد من تعقيد الصراع الغازي، قياساً بمثيله النفطي.
فالصراع من أجل النفط كان يقوم على الغزو والسيطرة المباشرة على جميع أراضي الدولة، إلا أنه وفي الوقت الحالي، من الصعب القبول بنظرية الاحتلال لجميع أراضي الدولة المالكة لثروة ما، كما كان يجري في السابق، وإنما يكفي احتلال الحقل الغازي، عبر شركات تملك من المال والتقنية، ما لم تملكه دولة، مما يؤهلها لأن تكون هي المفاوض في ترسيم الحدود واقتسام حقول الغاز بينها وبين غيرها من الشركات، تبعاً للتسهيلات التي تقدمها البلدان التي تقع ضمن حدودها البحرية تلك الحقول.
لذا فإن على الدول التي تتنازع للسيطرة على أكبر قدر ممكن من مياه البحر، أن تقرأ التجربة العظيمة، التي مرت بها دول الشرق الأوسط، حيث نفس تجربة الاستكشافات هذه، التي أدت إلى ظهور النفط كمادة سال لها لعاب الدول الكبرى، أدت كذلك إلى مجيء بريطانيا وفرنسا إلى المنطقة، بعد انسحاب روسيا بسبب ثورتها البلشفية، مخلية بذلك الساحة لهاتين الدولتين، تتقاسمان الثروات فيما بينهما بطريقة أو بأخرى.
وهذه التجربة التاريخية للدول النفطية المطلة على الخليج العربي، قد تكون خير معين لدول البحر المتوسط في قضية الاستفادة من ثروة الغاز، لا لغرض الحصول عليها فقط. فهناك فرق بين أن تملك الشيء، وبين أن تملكه وتستفيد منه. بمعنى آخر، أن دول الخليج استطاعت الاستفادة من ثروتها النفطية قدر الإمكان، وبنت مدنها على أحدث طراز، بسبب نجاحها بالتفاوض مع الدول الكبرى وشركاتها، الطامعة بتلك الثروات. وهناك من لم يحسن التدبير والتفاوض، كإيران والعراق، لينتهي بهما الأمر إلى عدم الاستفادة من ثرواتهما النفطية، بل وانقلاب الثروة إلى مشكلة أدت إلى دخولهما في صراعات، بدلاً من تطورهما.
الصراع يحتدم في الشرق الأوسط بسبب هذه الثروة الجديدة، والتي سوف تكون عماد الطاقة في المستقبل، فإسرائيل تسابق الزمن من أجل وضع اليد على الحقول المكتشفة، والسيطرة كذلك على ممر الطاقة عبر قبرص. واستطاعت إلى الآن أن تسوي الأمر مع مصر واليونان، وستبدأ بتصدير الغاز، لتبقي لبنان في تنازع معها حول مسألة المياه الإقليمية، في وقت تعصف بلبنان الخلافات السياسية، بينما إسرائيل تقطع أشواطاً في عمليتي الاستخراج والتصدير.
أما تركيا، فسوف تكون غارقة في صراعها مع اليونان حول قبرص من جهة، وحول المياه الإقليمية بين قبرص واليونان ومصر من جهة أخرى، وقد تكون مصر وبسبب أزمتها الاقتصادية، استخدمت سياستها الناعمة مع إسرائيل وقبرص واليونان، لتستريح القاهرة من مشاكل المستقبل بين هذا لك وذاك لي، وهي طريقة قد تكون مناسبة لظروف مصر الراهنة.
وإذا أفلس الاتحاد السوفيتي من كعكة الطاقة في الشرق الأوسط، فإن اليوم روسيا، ترفع شعار لا تهاون مع حصتنا، وستكون أحد أهم محاور السيطرة على المنطقة، مصححة بذلك كبوة ستالين، التي حاول تصحيحها بعد ذلك، ولكن ولات حين مندم. فقبضة روسيا على الساحل السوري، من الصعب فكها، وهي نقطة المرتكز.
الولايات المتحدة من جانبها، ستكون مايسترو الشركات المستثمرة، ومسيطرة على المعابر في الوقت ذاته، فهي مهمة اقتصادية أوكلت إلى الرئيس ترمب، وقد تكون إحدى أهم أسباب توليه إدارة البيت الأبيض، فالرجل ذو عقل اقتصادي بحت، وسيكون أمل الشركات الأمريكية في الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الاستثمارات.
القضية الأخرى في الموضوع، هي إمكانية حصول القتال بين الدول المطلة على البحر المتوسط، وأحد أهم المواجهات المحتملة، ستكون بين تركيا واليونان من جهة، وبين لبنان وإسرائيل من جهة أخرى. وحيث أن مثل تلك المواجهات العسكرية سوف لن تكون في صالح إسرائيل، المستفيد الأول وقد يكون الأخير من هذه الثروة، فإن إبقاء الخلافات دون وصولها إلى المواجهة العسكرية بين هذه الدول، سيصب في صالح الدولة العبرية، ذلك إنه سيعطل من فرص استثمار الغاز بالصورة المطلوبة من قبل دول البحر المتوسط، بينما إسرائيل تكون قد قطعت مراحل متقدمة في السيطرة على سوق الغاز العالمي، فقضية قبرص ستبقى إسفين الخلاف بين الأتراك واليونانيين، وأحد أهم معرقلات الاستفادة من الغاز.
كما أن الصراعات السياسية بين الفرقاء اللبنانيين سوف تجهض أي محاولة للاستفادة من ثروات البلد، إضافة إلى بقاء التوتر في علاقة لبنان مع إسرائيل، مع عدم قدرتها على المواجهة العسكرية، لتنظم لبنان إلى معسكر التنازع دون الاستفادة من الثروة الغازية.
ويبقى الموضوع الأهم في كل ذلك، هو ما يجري في سوريا، والتي من خلالها سوف تتحدد الاستراتيجية المستقبلية لغاز الشرق الأوسط، عبر التسوية المنتظرة بين اللاعبين الدوليين على الميدان السوري. فلا يزال الكل يضغط للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب في المنطقة، مهما طال أمد الصراع، فمن يملك الغاز، سيكون مالكاً لمحرك الطاقة المستقبلية.
• ينشر هذا المقال بالتزامن مع «سبوتنيك عربي»