ثقافة وفن

مصر في قلوب السعوديين.. تواصل معرفي ومشروعات ثقافية كبرى

بدأها المؤسس عام 1964

بشير الزويمل (حائل)

كثيرة هي مساحات التفاعل الثقافي بين المملكة ومصر، وهو تفاعل بدأ بشكل مبكر منذ بدايات تأسيس المملكة العربية السعودية في العام 1932، حتى اليوم، ذلك لأن الصلات الثقافية بين البلدين الشقيقين تمتد إلى الروابط الدينية والتاريخية والاجتماعية، ورحلات الحج المصري، فهي روابط لا تنفصم عراها في أي مجال من المجالات. بيد أن الثقافة تظل الجوهر الأثير الذي تستند عليه العلاقات الثقافية بين البلدين.

من هذا المنطلق سعت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة من خلال أهدافها الثقافية الشاملة إلى تعزيز العلاقات الثقافية بينها وعدد من المؤسسات الثقافية الكبرى في مصر مثل التي تتبع وزارة الثقافة المصرية مثل: دار الكتب، ومكتبة الإسكندرية، ومكتبات الجامعات المصرية، فضلا على إقامتها عددا وافرا من الأنشطة والفعاليات الثقافية بالقاهرة والإسكندرية.

يأتي ذلك نزوعا إلى تحقيق قيم وأهداف سامية لإقامة تفاعل ثقافي عربي كبير يستطيع المهتمون من خلاله رصد مختلف عناصر الثقافة المعاصرة، وقراءة المنجز الثقافي العربي بشكل يحدث غطاء معلوماتيا ومعرفيا متميزا.

كما تهدف مكتبة الملك عبدالعزيز العامة عبر أحد مشاريعها الثقافية الكبرى وهو: "الفهرس العربي الموحد " إلى التأسيس لتكامل عربي وتعاون مشترك، سواء عبر خدمات الفهرس العربي الموحد ونشاطاته في بناء مجتمع المعلومات العربي، أو ما أضافه للحركة الثقافية والنشر عبر إنشاء شبكة معلومات تضم المكتبات العربية، وبوابات مكتبات الدول، وبوابة الكتب المترجمة، والبحث في المخطوطات والرسائل الجامعية.

وإذ تسهم مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في هذا الفضاء الثقافي تسهم في وجود أرضية أصيلة مشتركة بين البلدين، حيث إن ضخامة المنتج الثقافي الذي تنتجه كل من مصر والمملكة يشكل أكثر من نصف ثقافة العالم العربي اليوم، وهو منتج جدير بالحفاوة والتقدير.

روابط تاريخية:

أول هذه الروابط تجلى في إسهام عدد كبير من الأدباء والكتاب السعوديين في النشاط الثقافي في مصر الذي كان نشاطا عربيا شاملا بسبب هجرات عدد كبير من الأدباء الشوام والعرب إلى مصر وإقامتهم فيها، فضلا عن قيام الأدباء السعوديين بالكتابة في المجلات الثقافية والصحف المصرية.

لكن التفاعل المباشر بدأ في حركة الابتعاث العلمي إلى القاهرة، وهناك مشاركة نوعية متبادلة في الفعل الثقافي في كلا البلدين بين المثقفين والكتاب من مصر والمملكة. سواء على مستوى المؤتمرات والفعاليات الثقافية، أم على مستوى النشر البحثي والأدبي المتبادل ونشرها في المجلات الثقافية والصحف.

ويوجد لدى مكتبة الملك عبدالعزيز العامة أكثر من (1725) دورية يوجد من ضمنها العديد من الدوريات العربية النادرة التي أشرف على صدورها والكتابة فيها نخبة من أعظم الأدباء والعلماء في عصورهم من العراق ومصر ولبنان وبلاد المهجر.وتقتني المكتبة عددا من أبرز المجلات المصرية التي صدرت أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الميلادي منها: المشير (1894) والمصور (1924) والرسالة للأديب الكبير أحمد حسن الزيات ( 1933) وأبولو (1934) وأبقراط الطبية (1904) والاثنين والدنيا (1947) والإخاء (1934) مما يدل على الثراء الثقافي الذي شكلته هذه المجلات والدوريات وحرص المكتبة على توفير هذه المطبوعات بين يدي الباحثين والمعنيين للدراسة والبحث مما يفضي إلى إثراء التاريخ الثقافي والعلمي بجهود خصبة من شأنها أن توسع من التفاعل الثقافي بين البلدين، في فضاء يتفاعل فيه صناع الثقافة من الكتاب والأدباء والمفكرين بشكل كبير.

إبداع معرفي:

حرصت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة على تعزيز العلاقات الثقافية بين المملكة وجمهورية مصر العربية حيث أقامت عددا من الفعاليات والمؤتمرات خاصة ما يتعلق منها بنشاط الفهرسة والتوثيق وإعداد المحتوى الرقمي للمكتبات، فيما تحرص على المشاركة الدائمة في معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يقام في شهر يناير من كل عام، حيث تعرض في القسم الخاص بها بعض منجزات المكتبة المهمة ليتعرف عليها القراء في مصر ورواد المعرض، مثل : منجزات مركز الفهرس العربي، وموسوعة المملكة العربية السعودية، وبعض الصور النادرة، فضلا على عرض إصداراتها الجديدة من الكتب والمطبوعات.

وتحتفظ مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في أرشيفها بصور لأول رحلة ملكية سعودية إلى مصر، التي تمت في يناير (كانون الثاني) 1946، وقام بها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، ورسّخت تلك الزيارة التاريخية العلاقة بين البلدين.

ونظرا لأن مصر تعد أحد المصادر الكبيرة للتاريخ والثقافة العربية، فقد عملت السفارة السعودية بالقاهرة على توثيق جوانب مهمة من هذه الثقافة ، إذ تقتني مجموعة كبيرة من الوثائق التي تبين التعامل الثقافي والتعليمي والاقتصادي والتجاري والطبي والإعلامي بين البلدين، كما تحوز السفارة مجموعة من الصور الفوتوغرافية للآثار الفرعونية والتراث المصري ومشاهد قديمة للريف المصري والمدن، وكذلك الدوريات والصحف النادرة.

كما اهتمت مكتبة الملك عبدالعزيز بالكشف عن بعض العناصر الثقافية والوقائع التاريخية التي حدثت بمصر عبر إصدار الكتب أو تحقيق المخطوطات أو الترجمة، أو اقتناء الكتب النادرة، حيث اقتنت المكتبة أول كتاب في علم الطبيعة تمت ترجمته بمصر وهو كتاب: "الأزهار البديعة في علم الطبيعة" الصادر عن دار الطباعة المصرية في العام 1291هـ ( 1871م) وقام بتأليفه جاستينيل بك معلم الكيمياء بالمدرسة الطبية بالقصر العيني، ونهض على ترجمته أحمد أفندي ندا . وتواصل مكتبة الملك عبدالعزيز العامة أنشطتها الفعالة بتحقيق شراكة مع مكتبة الإسكندرية حيث أقامت العديد من الفعاليات والأنشطة واللقاءات العلمية في مكتبة الاسكندرية ومكتبة القاهرة الكبرى ولقاءات متبادلة مع هيئة الكتاب كما أن مركز الفهرس العربي الموحد تضمن العديد من المكتبات لمصرية العامة، ومكتبات الجامعات، بالإضافة إلى عقد عدد من الدورات التدريبية للعاملين في المكتبات المصرية لتأهيل العاملين ومدراء المكتبات للعمل بجودة عالية على المعايير والتقنينات الدولية التي اعتمدها الفهرس العربي الموحد ، حرصا على تشكيل محتوى ثقافي عربي شامل يسهم في التنوير وإثراء الحياة العربية بالمزيد من عناصر الثقافة والمعرفة.