كتاب ومقالات

التغريم المالي وساهر الخَفِيّ

بالسكين

علي بن محمد الرباعي

يتوهم البعض أن الروح والجسد اللذين يحيا بهما من أملاكه الخاصة التي يسوغ له أن يفعل بها ما يشاء، والنصوص تؤكد أن الجسم والنفس أمانتان استودعهما الله الإنسان، وهو مثاب على صيانتهما، كما أنه معاقب على أذيتهما، ولذا اختلف الفقهاء في موضوع التبرع بالأعضاء.

من مسؤولية الفرد في الإسلام المحافظةُ على نفسه، وعدم التعدي عليها حتى بتكليفها ما لا تطيق من العبادات أو العادات «لا يكلِّف الله نفساً إلا وسعها» فقدرة الإنسان محدودة والله لم يكلفنا إلا بما نستطيعه من عبادات، «ليس من البر الصيام في السفر» و«من استطاع إليه سبيلاً» وهذا النوع من التعدي على النفس بتحميلها ما لا تطيق منهِيٌّ عنه شرعاً.

والأشد نهياً وحرمةً التعدي على النفس بالأذى، أياً كان نوعُه، وحجمه، أو كميته، (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) وفي السنة أن غازياً في معركة، قال عنه النبي عليه السلام، هذا من أهل النار، فقاتل مع المسلمين قتالاً شديداً فأصابته جراحة فقيل إنه لما كان الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأُخبِر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله، ثم أمر بلالاً فنادى بالناس: إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة.

ومن المسؤولية الشرعية عدم اعتداء الإنسان على غيره بالقتل أو بما هو أدنى منه، (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) و(ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم)، ومن صور قتل النفس وقتل الآخرين ما نقرأ ونشاهده يومياً من حوادث مرورية، سببها التهور، والسرعة الزائدة على الحد المأذون به، أو قطع الإشارة، علماً بأن مخالفة نظام المرور معصية لله ورسوله، لأن فيها عصياناً لنظام ولي الأمر.

من حق الحاكم أن يضع أنظمة تعزيرية مردُّها المصلحة، لتحد من التعدي، وتمنع الفعل الضار، والتغريم بالمال ثابت شرعاً ونظاماً وعرفاً. وأرى أن مضاعفة الغرامات المرورية خصوصاً المُستَوْجَبَة بالسرعة الزائدة ضرورة، لأن ولي الأمر مسؤول عن حماية شعبه، والمتسبب مسؤول عن إلحاق الضرر بنفسه أو بغيره، وأتطلع لزيادة أعداد أجهزة ساهر الخفيَّة ومضاعفة غراماتها، وإن كان البعض يتذمر من الغرامة المالية، عملاً بالمثل الذائع (مُسَّ قلبي ولا تمسَّ رغيفي).