كتاب ومقالات

الرجل السعودي وإجازة الأبوة

أريج الجهني

في السنوات الماضية وبرعاية الوسائط الاجتماعية شهدنا تحاملاً غير طبيعي وغير مقبول على المجتمع بمختلف أفراده، لعل المرأة كانت وما زالت الحلقة الأكثر حظاً في التحطيم والتنمر النفسي والاجتماعي، ولعل هذا يفسر الموجة النسوية الراديكالية التي نشهدها الآن مما يجعلني أعتقد أن الحراك النسوي السعودي في هذا العام هو الأبرز والأكثر تأثيراً، لكن بجانب هذه المرأة التي يتنمر عليها الإعلام ببرامجه المثيرة للسخرية والغضب والتعليم بمناهجه التي نأمل أن نجد تحديثاً عاجلاً مناسباً لرؤية الوزارة وتطلعات القيادة، هناك الرجل «الغلبان» والذي ناله من التهميش جانب، وسأخصص بقية المقال عن هذا الكائن الذي هو في العادة «يباري الساس» وهو مصطلح نجدي لطيف يطلق على الرجل المهذب صاحب الأخلاق العالية.

من المهم أن نعترف أن الرجل السعودي من بين رجال العالم يعتبر من الأكثر عطاء وكرماً وبذخاً، بل يقدم الآخرين من أهله وأسرته على نفسه، لقد شهدنا في الأعوام العشرة الماضية تشكلاً جديداً من الشباب السعوديين بعقليات تشاركية تميل لمشاركة أسرها في الأحداث اليومية، ولعل طبيعة حياة الرجل السعودي في الأعوام الماضية كانت تفترض عليه الصلابة والجلافة لقسوة الحياة وصعوبة الحصول على لقمة العيش، وهذا أيضا يفسر ميل العديد من الأسر للمصاهرة مع الأقارب، فالهدف الحقيقي ليس كما نفهمه ونقرأه بشكل سطحي «بنت العم لولد عمها»، المسألة كانت للحفاظ على الاقتصاد والموارد التي تحفظ سبل العيش للأسر، لعل أصحابها أنفسهم لم يدركوا هذا السلوك الفطري «حفظ النفس»، أما الآن تغيرت كثيراً أشكال الارتباطات ولم تعد سطوة القبيلة كما كانت في السابق وأصبح المجتمع أكثر انفتاحا في هذا.

الآن لنفكر قليلاً ولنتأمل ما الذي يتشربه هذا الرجل منذ طفولته؟ هذه أبرز العبارات التي يسمعها السعودي في دورة حياته «خلك رجال، لا تصيح كنك مرة، الشرع حلل أربع، بدال الحرمة ألف»، ناهيك عن السلوكيات العنيفة من اشتباكات ومضاربات قد يجد نفسه أمامها وعليه أن يثبت رجولته وإلا سخر منه الحي، فتسمع بحالات القتل «دية فلان ودية علان»، وينخرط عدد كبير من هؤلاء الشباب في تجمعات قد تكون مسالمة وبريئة وقد تكون خطرة وعنيفة، وما السبب؟ هو سوء معالجة ودراسة واقع الشاب السعودي، وضعف المراكز الاجتماعية التي ترصد السلوكيات وتقدم الحلول، بجانب التسيب في بعض الأماكن والمجاملات التي تحدث أحياناً على حساب الوعي والمجتمع.

المعضلة أنه عندما يقدم الرجل السعودي على الزواج يجد نفسه أمام قائمة من المتطلبات والرسميات التي لا تعد ولا تحصى، وبالمقابل هو لا يدرك بالغالب دوره الاجتماعي بالشكل الصحيح كل ما يفهمه بأنه «مصدر دخل» للأسرة، فتبدأ حلقات المسلسل كالتالي ينشغل في الرزق وتعيش المرأة وحدها تربي الأطفال وحدها يكبرون وحدهم، والأب ما زال يمارس دور «البنك المركزي»، وهنا أتساءل هل لو طلبنا من وزارة الخدمة المدنية أن ينال المواطن السعودي إجازة أبوة في حال وضع زوجته للطفل هل ستتقبلها مع العلم أن مجلس الشورى قدم مقترحاً حول هذا ولم نعلم بعد ما مصيره حسب صحيفة سبق؟ كيف سيتلقى المجتمع فكرة «إجازة الأبوة» هل سيقتنع الناس بأن الأب السعودي من حقه مشاركة الأشهر الأولى من حياة طفله مع زوجته؟، هل تعلمون أن بريطانيا عندما طبقت نظام «إجازة الأبوة» لم يتقدم لها سوى 10% من الآباء؟ مما أثار حفيظة المنظمات الحقوقية التي تعنى بتحسين نمط حياة الأسر من خلال دمج الأب مع أطفاله.

بل العديد من الروضات في بريطانيا قامت بتوظيف «رجال» للعناية بالمواليد من عمر شهرين إلى ثلاث سنوات، وأتذكر أن طفلي خالد كان سعيداً بوجود المربي «جو»، الذي كان يشاركهم اللعب في الحديقة ويطعمهم ويعتني بهم تماماً كالمربيات، والهدف أن يعتاد الأطفال وجود الرجال من حولهم، ولا تصبح عزلة نفسية بينهم، أعود الآن للتأكيد أن الرجل السعودي عانى كثيراً من سوء الظن وكذلك التحامل عليه ووصمه بتهم غير منطقية، يوجد ذكور سيئون لكن الرجل الجيد يستحق التقدير، وأيضاً من المهم عدم تحميلهم مغبة مشكلات وأنظمة اجتماعية متراكمة جارٍ معالجتها، حتى هذا تأملوا لو أصبح هناك إجازات للأبوة؟ وكيف ستصبح أسرنا أكثر سعادة واستقراراً بل أكثر قوة!

* كاتبة سعودية

areejaljahani@gmail.com