1000 بيت تحت سقف واحد

«أم ناصر » أسطورة أنشأت مدينة

1000 بيت تحت سقف واحد

جولة: د. محمد الحربي تصوير: ماجد العتيق - سلطان الجهني

البلدة القديمة في العلا.. أو "الديرة" واحدة من أهم الآثار الاسلامية الباقية حتى يومنا هذا.. وما زالت محتفظة بأبنيتها شبه متكاملة. ويعود تاريخ بناء البلدة القديمة ما بين القرن السادس والقرن الثامن الهجري وبعض بيوتها يعود بناؤها الى القرن الاول الهجري. ويوجد في البلدة القديمة قرابة الالف بيت متراصة الى جانب بعضها يغطيها مجتمعة سقف واحد. ومحاطة بعدد من الاسوار, وبها عدد من المعالم الاسلامية الشهيرة مثل "مسجد العظام الذي يعتقد ان الرسول صلى الله عليه وسلم صلى به أثناء مروره بوادي القرى في طريقه لغزوة تبوك ومسجد الصخرة الذي بناه احمد بن يسر سنة 740هـ والقلعة المنسوبة الى القائد المسلم موسى بن نصير في جبل أم ناصر, والطنطورة وهي الساعة الشمسية المشهورة بدقتها في تحديد مواعيد دخول وخروج فصول السنة الاربعة ويعتمد عليها في الزراعة وطريقة توزيع حصص المياه قديماً.. وكان ينظر الى تلك الساعة على أنها أسطورة في ذلك الوقت. وقد سكنت البلدة القديمة طويلاً ولم يهجرها سكانها الا قريباً بعدما شهدته المملكة من تطور عمراني ونهضة.

الدكتور عبدالله بن آدم نصيف الاستاذ المشارك بقسم الآثار والمتاحف بجامعة الملك سعود يقول عنها: "تقع بلدة العلا في اضيق نقطة في الوادي الممتد من حوض الحجر شمالاً الى حوض قرية مغيرة الحالية أو المابيات جنوباً حيث تنفرج الجبال هنا ويتسع الوادي.
وقد بنيت منازل البلدة القديمة في الضفة الغربية للوادي في مكان مرتفع حول هضبة صخرية مستطيلة الشكل في امتدادها من الشرق الى الغرب بصورة عامة, وتعرف هذه الهضبة بالجبيل, كما تعرف ايضا بام ناصر, وفوق قمة طرفها الشرقي وهو اكثر اجزائها ارتفاعا شيدت قلعة حصينة عرفت باسم قلعة العلا تزود بالماء من بئر حفر في اسفلها الجنوبي ملاصقا لجدار الهضبة الصخري الذي نحت لهذا الغرض حتى حسبه المتأخرون من السكان محراباً في اتجاه بيت المقدس.
وقد بنيت منازل المرحلة الاولى فوق عتبة الهضبة الشمالية بصفة عامة للاحتماء من مداهمات السيول او الغزاة. وهذا الحي القديم هو حي "الخوخة" ثم بدأت البلدة في الاتساع مع توافد المستوطنين الجدد من قبائل الحجاز, وأخصها قبيلة حرب, حتى انتهت الى حجمها الذي شاهده الفرنسيان جوسين وسافيناك في العقد الاول من القرن الميلادي الماضي.
سقف واحد
ويضيف الدكتور نصيف: تم تخطيط المدينة بطريقة يسهل الدفاع عنها فظهرت وكأنها مبنى واحدا يضم عدداً من الوحدات السكنية المتلاصقة تتخللها ازقة ضيقة لا يزيد اتساعها عن مترين الا في بعض النقاط التي تسمى بالرحبة حيث تستخدم هذه الرحبات كسوق تجاري مفتوح للبيع والشراء وخاصة لسلع البادية, وقد سقفت بعض اجزاء الازقة لزيادة مساحة الطابق العلوي للمنزل, ولم يكن للبلدة سور مستقل يحميها, وانما تلاحم البيوت مع بعضها كون بطبيعة الحال منها سوراً يحيط بالبلدة وله اربعة عشر باباً تفتح على الازقة والطرقات الضيقة المؤدية الى هذه المنازل المكونة للسور.
معمار فريد
المهندس علي موسى عبدالواحد نائب رئيس المجلس البلدي بالعلا يوضح ان البلدة القديمة صممت بتقنيات بنائية عالية الدقة من حيث اختيار الموقع وفنيات البناء, حيث بنيت البلدة في أعلى موقع في الوادي كحماية طبيعية للبناء نفسه, اضافة الى ان البلدة بنيت على ارض مائلة بحيث يدخل السيل ومياه الامطار من جهة الغرب ويخرج عبر ازقة البلدة من جهة الشرق, فلا يبقى في البلدة بعد السيل قطرة ماء واحدة, حتى انهم بنوا داخل البلدة مكانا لتجميع المياه وقناة تصريف اسفل البلدة لتصريف المياه خارجها دون ان تتضرر المنازل من ماء السيل على الاطلاق.
ويضيف عبدالواحد: حتى شوارع البلدة القديمة وكما هو معمول به في معظم المدن الاسلامية القديمة حيث صممت شوارع وأزقة البلدة بشكل متعرج وليست على النمط المستقيم.
اضافة الى اعتماد نمط فريد في بناء اسقف البلدة القديمة والسوق بحيث تجد جزءا مفتوحا يعقبه جزء مغطى "مسقوف" . وهذا النمط المعماري في بناء الاسقف يحافظ على البيئة وعلى التهوية الجيدة والاضاءة المتناسقة داخل شوارع وأزقة البلدة القديمة, بحيث تدخل الاضاءة الى البلدة والسوق القديم وفي نفس الوقت يكون هناك ظل. وفي فصل الصيف الحار تكون هذه المناطق باردة فالطين والحجر باردان اصلا وغير موصلة للحرارة ولا تسخن بسرعة مثلما يحدث في المباني الاسمنتية الآن. فتجد ان الجو داخل شوارع وأزقة البلدة ألطف في الصيف.
ويضيف المهندس علي: ولأن الاجواء كانت لطيفة في هذه الشوارع تجد الناس يجلسون فيها, وهناك أماكن مخصصة للجلوس تسمى "الرحبة", وهو مكان واسع للجلوس.
كما كانت ابواب المنازل في البلدة القديمة لا تبنى متواجهة تماما, بل تجد باب المنزل في جهة يقابله جدار المنزل في الجهة المقابلة من الشارع بطريقة تبادلية, ولا تجد بابا يقابله باب آخر حفاظا على خصوصية بعضهم البعض وحتى لا تكون البيوت مكشوفة على بعضها البعض.
ويضيف عبدالواحد: بدأ بناء القرية من المنطقة القريبة من جبل أم ناصر وبدأت بالتوسع شمالا وجنوبا. فكلما زاد عدد السكان ازدادت عمليات البناء والتوسع حتى انها دخلت الى منطقة المزارع.
قهوة الشيوخ
ساهمت بعض العادات والتقاليد التي كانت تمارس في البلدة القديمة في رسم بعض الانماط العمرانية التقليدية في البناء, يقول عنها المهندس عبدالواحد: كانت هناك عادة قديمة في العلا, كان يسميها الاهالي "قهوة الشيوخ" حيث كان منزل شيخ القبيلة أو كبيرهم يبني في منزلة مضافة او حجرة كبيرة يستقبل فيها الاهالي والضيوف, وتسمى "مضافة الشيخ". ومن النماذج المعروفة في البلدة القديمة لهذه المضافات, مضافة الشيخ دخيل ابو الحسن التي مازالت معالمها واضحة وبحالة جيدة.
وغالبا ما يكون بيت الشيخ كبيرا وواسعا يتسع لعدد كبير من الناس, ويلحق بالمضافات غرف خدمة.
أحواش جماعية
ويضيف المهندس عبدالواحد: على الرغم من ان سكان البلدة القديمة كانوا يملكون المواشي الا ان تصميم المنازل في البلدة لا يوجد بها أماكن او حظائر للمواشي داخل البلدة. فقد كان الاهالي يحفظون ماشيتهم في حظائر او أحواش جماعية للماشية. كل مجموعة من السكان في منطقة معينة من البلدة "يحشرون" او يجمعون أغنامهم في حوش واحد. والاحواش موزعة على اماكن متفرقة على امتداد البلدة القديمة.