كتاب ومقالات

ماذا تريد من الميزانية العامة ؟

بعض الحقيقة

عيسى الحليان

كل له غايته ورؤيته في الميزانية العامة، وكل له قراءته الخاصة تبعاً لهذه الغاية والرؤية، فهناك من يعتقد أن الميزانية هو ما يدخل جيبه منها ويتعامل معها على هذا الأساس، وهناك من يرى الميزانية خدمات عامة صحة وتعليم وطرق وما ينوبه مباشرة منها، وهناك من يرى بأنها أكبر من هذا المنظور الخاص، فهي خدمات ومشاريع وتنمية عامة، فيما هناك من يقرؤها بطريقة مختلفة، كقائمة مالية إيرادات ونفقات محايدة وحسب، وعلى نفس المسطرة ثمة من يقرأ مؤشراتها العامة بنفس الطريقة أيضاً، فهناك من يعتمد الأرقام العامة والمعايير الدولية أداة للحكم على الميزانية، وهناك من يفكك هذه الأرقام عن بعض القطاعات التي تهمه فقط ويغوص في مكوناتها، فيما هناك من يقرؤها بشموليته ومن خلال قاعدة التوازن الاقتصادي والاستدامة المالية وهكذا. والحقيقة أن لكل حقبة قراءة ومنهجية تختلف عن الحقبة التي سبقتها، وإذا كانت الحقب الماضية تعتمد على الاسترخاء والاستهلاك العام والرخاء الاجتماعي والسعة في الإنفاق العام (المفتوح) أساساً لها، فإن الحقبة الحالية تعني بالتوازن الاقتصادي والاستدامة المالية وتطوير مصادر الدخل وكفاءة الإنفاق أساسا وإطارا لهذه الميزانية، وتسعى لتدشين عصر جديد يقوم على ملامح مالية واقتصادية مختلفة للحد من العجز المالي وعدم الاعتماد على مصدر واحد للدخل وتقليل الاستهلاك العام بأسعار مدعومة على حساب التوازن المالي وأولوياته، وأعتقد أن جهود المخططين تتركز في صياغتها لبرنامج المالية العامة على هذه الجوانب التي تتمحور حولها هذه السياسة المالية في الطريق إلى تحقيق المؤشرات لرؤية المملكة 2030.

وفي اعتقادي أنه ينبغي على الجميع أن ينظر إلى هذه الموازنة باعتبارها جزءا من مرحلة تحول كبيرة تختلف في جيناتها الاقتصادية والمالية عن المراحل السابقة، وقد يكون لهذه المرحلة وطبيعة هذه التحولات ثمن في المرحلة الأولى، لكن البلاد سوف تجني ثمارها مستقبلاً لاستعادة استقامة قوامها الاقتصادي السليم وتجاوز مرحلة التكيف الوطني، والسعي نحو تحقيق رخاء اقتصادي مستدام يقوم على اقتصاديات السوق والتخلص من التشوهات الاستهلاكية التي أدت إلى ترهل الاقتصاد الوطني وفقدان كفاءته وديناميكيته.