بالقدوة تحيا المجتمعات

وليد احمد فتيحي

قلما أكتب عن شخص بعينه واسمه، بل إن الذين كتبت عنهم على مدى عقدين من الزمن لا يتعدون أصابع اليد، فمنهجي هو التركيز على العمل لا الأشخاص.
ولكني وجدت أن هذا المقال هو خير امتداد لمقاليَّ السابقين، واللذين تحدثت فيهما عن أهمية القدوة في إحياء هذا الشرع، وأنه بدون القدوة يصبح الشرع والدين أشبه بأسطورة لا رصيد لها على أرض الواقع، ولا يكون للمبادئ العالية والمعاني السامية مصداقيتها في واقع الناس مما يبعث في نفوسهم هذا المفهوم الخاطئ عن شرعنا الحنيف أنه غير قابل للتطبيق، فيجد الناس بذلك فسحة وذريعة أن لا يسعوا للارتقاء أو أنْ لا ينشدوا صور الكمال.
والقدوة تستوجب ذكر القدوة باسمه وعينه في مجال الاقتداء، ومن هذا المنطلق فإن مقالنا اليوم هو عن شركة عبداللطيف جميل وبرامجها لخدمة المجتمع، تحت قيادة رئيس مجلس إدارتها ورئيسها التنفيذي الشيخ محمد عبداللطيف جميل.. يحفظه الله الذي حصل على "وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى" في مهرجان الجنادرية هذا العام تكريمًا من والدنا وملكنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله.
وقد سعدت بتوفيق القيادة في اختيار هذا النموذج القدوة ليكون محط الأنظار وحافزًا لنظرائه من رجال الأعمال والشركات والمؤسسات والأفراد، فمن يدرك منهم حق الإدراك واجبه تجاه مجتمعه ويؤدي دوره تجاه أفراده هو الأحق والأولى أن يكرم إعلاميا ومعنويا.
وقد اطلعت عن كثب على برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع أول عودتي من أمريكا عام 2003م، عن طريق الأستاذ الشاب إبراهيم محمد باداود، والذي استرعى انتباهي فيه أول ما قابلته هو: الجدية والالتزام والأناة والعزم والتصميم والإيمان بالمسؤولية الاجتماعية، ولم يكن بعد رئيسًا لهذه البرامج فقلت في نفسي هذا الرجل لابد صاحب قضية، ومرت الأيام وأصبح الأستاذ إبراهيم رئيسًا لبرامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع فازداد إعجابي بالشيخ محمد جميل، إذ أن القائد إنما يعرف ببطانته ورجالاته وحسن اختياره للرجال.
ولعلها بركة مؤسس الشركة رحمة الله عليه الشيخ عبداللطيف جميل، الذي حرص أن يواكب العمل الاجتماعي نشاط الشركة منذ تأسيسها.
وعدت أقرأ عن برامج عبداللطيف جميل لخدمة المجتمع تحضيرًا لمقالي هذا ففوجئت انها أكبر مما كنت أعرف وأنا أعرف عنها أكثر من غيري، فهناك صندوق للتأهيل المهني والحرفي والذي شارك في تأسيس المعاهد الأهلية بالتعاون مع المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني مثل المعهد العالي السعودي الياباني للسيارات، والمعهد السعودي للخدمات الصحية وهو معهد غير ربحي تساهم فيه مجموعة من مستشفيات وشركات القطاع الخاص، وأكاديمية نفيسة شمس للفنون والحرف، ومركز عبداللطيف جميل للتعليم المستمر، وغيرها كثير تحت هذا التصنيف، وصندوق عبداللطيف لدعم المشاريع الصغيرة مثل "برنامج الأسر المنتجة، وبرنامج تمليك سيارات النقل وسيارات الأجرة العامة، وبرنامج دعم الامتياز التجاري"، وصندوق آخر للتطوير الإداري والقيادي وينخرط تحت هذا الصندوق "برنامج تطوير المعلمين والمعلمات، وبرنامج تمويل المنح الدراسية، وبرنامج دعم الموهوبين"، وصندوق محمد جميل لضمان القروض، وعشرات البرامج الاجتماعية والصحية الأخرى.
وتأسيس مبادرة "عبداللطيف جميل جرامين" للعالم العربي والتي تستهدف دعم 1.5 مليون بنهاية عام 2011م، وبرامج أخرى دولية مثل برنامج دعم البحث العلمي في العالم العربي، وتأسيس مؤسسة التعايش، وبرامج الحوار بين الأديان، ومشروع "ألف مليون مسلم، هل تسمعوننا" وهو مشروع استطلاع رأي ألف مليون مسلم سنويًا مع شركة غالوب العالمية للأبحاث، والغاية منها تحليل الحقائق المتعلقة بقلوب وعقول الشعوب المسلمة بهدف تحويل فكر العالم في ما يتعلق بالأبحاث القائمة على الحقائق ويطلق على هذا المشروع اسم تغيير الحوار: أبحاث قائمة على الحقائق مقدمة لقادة العالم، وغيره كثير وكثير..
إنني أؤمن بأن الله عندما خلق الكون وضع نظامًا كونيًا واحدًا لا يتغير ولا يتبدل، وهذا النظام الأزلي قائم على قواعد ومبادئ وقوانين جاء الأنبياء كلهم ليحيوها في الأرض، وجاءت الأديان السماوية تدعو لها مثل الصدق والأمانة والإخلاص والعدل والمساواة والاتقان وغيرها، وعلى قدر امتثالنا لهذه القواعد والقوانين في النية والعمل تكون المكافأة في الدنيا والآخرة مكافأة تلقائية وضعها الله في هذا النظام الكوني الأزلي، وهذه سنة كونية لا تحابي ولا تجامل.
وقد اكتشفت كثير من الشركات حول العالم هذا النظام الكوني فوجدوا أنه كلما قدموا لمجتمعاتهم كان هناك مردود إيجابي على أداء شركاتهم ونموها، فأصبحنا نرى ونسمع كثيرًا عن المسؤولية الاجتماعية حول العالم، وتتنافس الشركات الكبرى في خدمتها لمجتمعاتها والإنسان، فالله وضع هذا النظام لكي يزيد الخير في الأرض فيكون الأخذ والمكافأة في الدنيا والآخرة على قدر العطاء.
وقد كتبت عام 1999م، خمس مقالات بعنوان الاستثمار الأخلاقي، ولخصت في المقالات كتابًا بعنوان المستثمر الأخلاقي “The Ethical Investor” والذي قدم فيه المؤلف أرقامًا وإحصائيات يثبت فيها أن الاستثمار في المشاريع التي تخدم المجتمع وتستثمر في الفرد وتقدم قيمة إضافية لمجتمعاتها تحقق معدلات نجاح ونمو اقتصادي أكثر من غيرها التي تركز فقط على الربح المادي الخالص دون أن يكون في رسالتها ورؤيتها أهداف لخدمة مجتمعاتها، وقد صدرت عشرات الكتب منذ ذلك الوقت تؤكد المفهوم نفسه.
اننا ندعو الله بالتوفيق لكل شركة تحمل همَّ مجتمعها وتسعى لبناء أفراده وسواء شئنا أو أبينا فإن سنة الله في قانون الكون الأزلي ستجري عليهم، وستستمر مثل هذه الشركات في النمو باضطرادٍ يذهل منافسيهم الذين لم يدركوا بعد قيمة الالتزام في النية والعمل بالقواعد والأسس والمبادئ التي يستند عليها النظام الكوني الأزلي من لدن الحكيم العليم القدير الشكور.
بقدر ما نُعْطِي.. نُعْطىَ.. وبقدر ما نَحمل.. نُحمْل.. "إنما تنصرون بضعفائكم".
عمل رائد ونموذج جميل، وتوفيق من لدن كريم جليل لطيف حميد يستوجب الشكر لله والثبات ومضاعفة الجهود والعطاء يا محمد عبداللطيف جميل.
فاكس: 6509659
okazreaders@imc.med.sa