كتاب ومقالات

أفيقوا.. فالأطفال لا يلعبون!

أشواك

عبده خال

أغلقت شركة أمريكية مشهورة جدا ببيع ألعاب الأطفال مصانعها، وصاحب الإغلاق إعلان قصير جدا: «نعتذر عن إغلاق مصانعنا والتوقف عن إنتاج الألعاب، فالأطفال لم يعودوا يلعبون.!».

جملة في غاية العمق وفي نفس الوقت في غاية الرعب، إذا قسناها بمقاس من استمتع باللعب طوال حياته (بغض النظر عن نوع اللعبة)، وأن تعلن شركة عالمية ضخمة تغطي ألعابها القارات الخمس توقفها، فهذا يعني أن ثمة أمرا جللا قد حدث!

ويصبح إعلان الإغلاق وثيقة تاريخية يجب التوقف عندها كقراءة ثقافية اجتماعية لمعرفة الأسباب الحقيقية خلف التوقف، أو تحليل زمنية التوقف، فمن أساسيات الطفولة حب اللعب، فلماذا أرادت الشركة رفع ناقوس الخطر أو ناقوس الإفاقة.

أنا أعتبر أن ذلك الإعلان ما هو إلا ناقوس للإفاقة مما نحن عليه من تأخر، والتأخر لا يقصد به الدول المتقدمة أو المتأخرة، بل المقصود أن على العالم أن يفيق، فلم يعد الزمن هو الزمن، فقد اكتسب الزمن سرعة قصوى حتى غدت المسافة بيننا وبين مقتنياته تحسب بالسنوات، ففي الماضي كان التغير بطيئا، وكانت الفروقات بين المجتمعات يمكن اللحاق بها، ومع تقدم التقنية أصبحت المجتمعات على ساق واحدة من الخشية.. لقد كبر أطفالنا معرفيا، وإذا قسنا على مجتمعنا المحلي التفاوت المعرفي بيننا وبين أطفالنا، فسوف نقول إن أطفالنا هم من يسيرون حياتنا تقنيا، ولأن التقنية والسوشل ميديا خلقت عالما متقدما على جميع عصور ما قبل وجودها فقد أصبحت أغلب الأشياء في حكم المنقرض كالألعاب التقليدية مثلا، ولأن طفل هذا الزمن جاء في زمن متقدم على المجتمعات (غدونا كلاسيكيين في أعظم دولة) يكون الطفل قد قفز عاليا متقدما عما سبقه، ولم تعد تغريه الألعاب الصماء المتباطئة عن زمنه.

إن طفل اليوم له ثقافته التي وُجِد فيها، ومن أجل هذا تنبهت تلك الشركة، وأعلنت عن إغلاق مصانعها، كإشارة ترسل إلى جميع العالم بأن طفل اليوم ليس هو طفل الأمس، وأجدني في صف المؤيدين لإيجاد سياسة جديدة تعنى بدراسة الأثر التقني وتقديم كل ما هو جديد يتناسب مع هذا الطفل المتقدم، وللأسف الشديد فإن العالم العربي لم يصل إلى صناعة الألعاب الكلاسيكية، فكيف له التنبه للتغيرات المهولة في عالم الطفل، تصدقون أننا وصلنا للتو إلى فكرة طباعة قصص للأطفال مستحدثة بينما هذا الوصول يعد متأخرا جدا ويقاس بابتعاد العصر الحجري!.

* كاتب سعودي

Abdookhal2@yahoo.com