الزهراني لـ«عكاظ»: طلال بن عبدالعزيز أيقونة التنمية ورائد العمل الإنساني
لازمه 36 عاماً رئيساً لشؤونه الخاصة
الثلاثاء / 26 / ربيع الثاني / 1440 هـ الأربعاء 02 يناير 2019 00:13
عبدالله الغامدي (الرياض) aalghamdi_@
سخَّر الأمير طلال بن عبد العزيز - رحمه الله -، جل حياته في خدمة التنمية الإنسانية، فكان رائداً في العمل الإنساني ومدرسة في النبل والأخلاق والبذل والعطاء، وإن غيَّبه الموت فإن ذكراه وفضائله ومآثره وأعماله الجليلة ستظل خالدة بين الناس. والمواقف الكبيرة تعرف بالرجال كبار العطاء.
رحل الأمير طلال بعد سنوات عامرة بالأعمال الإنسانية التي يتضاعف رصيدها، بما يحققه من خير عميم يخفف العنت عن كثيرين، ويحمل عنهم أعباء الحياة، حتى أصبح أيقونة للتنمية وريادة العمل الإنساني، كما وصفه رئيس شؤونه الخاصة سعيد الزهراني، الذي لازم الفقيد أكثر من 36 عاماً، فبادرت «عكاظ» بمحاورته لمعرفة المزيد من الأعمال الإنسانية التي قام بها الأمير طلال بن عبدالعزيز. وفيما يلي التفاصيل:
طلال الإنسان
• الأمير طلال رحمه الله كان ملاذاً للكثيرين ممن واجهتهم قسوة الظروف.. حدثنا عن مواقف إنسانية وردته. وكيف كان يتعامل معها؟
** في البداية أعزي خادم الحرمين الشريفين وولي العهد وأبناء الأمير طلال بن عبدالعزيز وبناته والعائلة وكافة الشعب السعودي والأمة العربية والإسلامية وكافة أصدقائه في وفاته. وحقيقة عندما يذكر الأمير طلال فإنه يصعب علي وعلى من عملوا معه ومن خالطوه في حياته التحدث أو سرد مناقبه، فقد سبق عصره بمواقفه الإنسانية وكان عطوفاً رحيماً، خصوصاً مع الأطفال وكبار السن والفقراء.
والمواقف الإنسانية في حياته كثيرة جداً ولا أستطيع أن أحصيها، وسأذكر بعضاً منها تخليداً للأمير الإنسان طلال، فمن تلك القصص أن أحد «الأخويا» واسمه صالح أبو رميل كان يصلي في مسجد الأمير طلال القديم في مكان المسجد الحالي، ومعه سائق الأمير طلال «صويلح» رحمهم الله جميعاً، وبعد صلاة العشاء أرادا أن يعبرا الشارع، وحسب رواية الأخ صويلح قال: «كنت أمسك بيد أبو رميل وأحاول منعه من عبور الشارع لوجود سيارة قادمة ولكن القدر كان أسرع فعبر ودهسته السيارة وتوفي، وكان مع السائق الذي تسبب في الحادثة أسرته التي حزنت للمشهد، وفي صباح اليوم التالي علم الأمير طلال بالحادثة عندما كان ذاهباً لزيارة والدته في المستشفى العسكري. واتصل بي وطلب مني إحضار سائق السيارة الموقوف في المرور وبعد التنسيق مع الجهات الحكومية من الإمارة والشرطة والمرور حضر السائق إليه واعتذر منه وتكفل الأمير بدفع الدية لأبناء المتوفى وقدم 50 ألف ريال مساعدة لسائق السيارة»، وكان هذا موقفاً مؤثراً في حياة الكثيرين ممن علموا معه.
ومن المواقف الإنسانية للأمير طلال: في أحد الأيام وصل إليه خطاب مرفق به صورة لأربعة معاقين مع والدتهم في إحدى مناطق المملكة، وبعث لي الخطاب وكلمني وقال «شوف أحد ثقة أو تروح بنفسك تتأكد من وضع هذه الأسرة» وبالفعل تم التواصل مع أحد القريبين من تلك الأسرة وكان يعمل في أحد المرافق التعليمية في هذه المنطقة وكلفناه بعمل تقرير عنهم، وبالفعل وصل التقرير إلى الأمير طلال عن وضع هذه الأسرة فأمر بمساعدة مالية لهم واعتمد راتباً شهرياً يصرف لهم حتى اليوم.
أسرة الطبيب
• وهل من مواقف إنسانية أخرى للأمير طلال؟
** بالتأكيد المواقف كثيرة جداً، ففي إحدى السنوات طلبت من الأمير طلال - وكان مسافراً خارج المملكة - أن يسمح لي بالذهاب للمنطقة الشرقية بأسرتي وعند وصولي حوالى الساعة الرابعة عصراً إذا بالأمير طلال يتصل بي على الجوال ويسألني: «أين أنت؟»، فأبلغته بمكاني، وقال لي: «أحضر جريدة الرياض واقرأ الصفحة الأخيرة وكلمني»، فوجدت فيها خبراً عن عائلة طبيب مصري تعرضوا لحادثة سير في طريق القصيم وتوفي الوالدان وبقي طفلان، وما كان من الأمير طلال إلا أن قال لي: «ارجع الرياض الآن وأبلغ السفير المصري بأننا نتكفل بهذين الطفلين»، ورجعت في نفس اليوم وأبلغت السفير بتوجيهات الأمير الذي قدم لهم يد العون والمساعدة.
جاكيت الأمير وتقدير العاملين
ويواصل الزهراني حديثه: من المواقف التي لا تزال عالقة في الذاكرة، كان لدى الأمير طلال موعد في مستشفى الملك التخصصي بعد المغرب وأثناء عودته من المستشفى وجد رجلاً مسناً يمشي على جانب الطريق وقد أرهقه التعب، وكان الجو حينها بارداً جداً. فناداه الأمير وأعطاه الجاكيت الخاص الذي كان يرتديه وأركبه معه في السيارة حتى القصر وأمر له بمساعدة فورية.
كما كان الأمير طلال قريباً من جميع العاملين معه أياً كانت جنسيتهم، وأذكر أن طباخه، اسمه عبداللطيف أبوعوف رحمه الله، كان يحتفل بزواج ابنه محمد في قاعة على طريق الدمام، فطلب مني أن أرتب له الحضور ومشاركة الطباخ فرحته دون أن يعلم أحد حتى يصل القاعة، وتم ذلك في سرية تامة حتى فوجئ الجميع بحضوره ومشاركته، فكان ذلك مؤثراً جداً لدى جميع الحاضرين، الذين عرفوا عن الأمير تواضعه وقربه من كل من يعرفه.
وكان الأمير طلال لا يحب الإسراف في الولائم، يشترط علي عند تشريفه لي بأن لا أزيد عن ذبيحة واحدة له ولمرافقيه، وأذكر في أحد الأيام دعاه أحد أخوياه للعشاء، وقال له رحمه الله: «ذبيحة واحدة تكفي» وعندما جلس للعشاء وجده مسرفاً فغضب وانصرف قبل تناول العشاء.
موعد الملك فهد
• إن كنت ذكرت المواقف الإنسانية فهناك مواقف أخرى لا تنسى، خصوصاً وأنت ترافق الأمير طلال على مدى عقود، هلا ذكرت لنا منها الأبرز؟
** في بداية مرض الملك فهد - رحمه الله - ودخوله مستشفى الملك فيصل التخصصي، أبلغني رئيس المراسم الملكية بإبلاغ الأمير طلال بأن الملك سيستقبل في تلك الليلة أبناء الملك عبد العزيز في المستشفى، ولكني مع الأسف نسيت إبلاغه، وعندما رأى الأمير طلال الملك فهد في نشرة الأخبار سألني: «هل أبلغكم أحد من المراسم عن استقبال الملك اليوم؟»، فأجبت: «نعم أبلغني رئيس المراسم هاتفياً»، فغضب مني، وقال لي: «أحد ينسى الملك، بكرة الصبح تذكرني أول ما تجي»، ولكنه عندما صحا قبل أن أذكره إذا به يكلمني ويقول: «أنت حطيتنا في موقف محرج، قد يفهم الملك بأنني بلغت ولا أرغب في الحضور، علمني كيف نحل هذا الإشكال». وبعدها طلب الأمير عبدالعزيز بن فهد، وقال: «يعملونها الصغار ويقعون فيها الكبار ترى ما بلغوني عن استقبال الملك البارح». وأبلغه الأمير عبدالعزيز بن فهد بأن الملك فهد ينتظره الليلة وحلت هذه المشكلة الكبيرة. وكان - رحمه الله - يرددها لي دائماً: «أحد ينسى الملك». وعندما يوجهني بأي شيء دائماً يقول لي: «انتبه لا تنسى» وهذا يدل على عطفه على من يعملون معه بإخلاص.
احترام الوقت
• عرف عن الأمير طلال احترامه الشديد للوقت.. هل تحدثنا عن بعض المواقف في هذا الأمر؟
** الأمير طلال مدرسة، أو بالأصح جامعات عديدة تعلمت منه الوفاء بالوعود والمواعيد. أذكر في ذلك أنه كان لديه موعد في مكتبه «أجفند» مقابل قصره، وعند خروجه من البوابة سأل: «كم تبقى على الموعد؟»، فأبلغوه «تبقى 3 دقائق»، فأوقف السيارة في الجهة المقابلة للمكتب ونزل راجلاً وقطع الشارع ليحضر في نفس الموعد، لأنه لو أكمل طريقه بالسيارة لن يتمكن من الوصول في نفس الوقت بسبب زحام الشارع. وعرفنا عنه احترامه للمواعيد حتى عند حضوره إلى مكتبه الخاص.
ومن القصص الأخرى، كان لديه مواعيد مجدولة، أولها مع أحد السفراء من الدول الأوروبية، وتأخر السفير بعض الوقت عن الموعد فاعتذر الأمير عن مقابلته لعدم وصوله في الوقت المحدد له، وذلك لوجود مواعيد أخرى مجدولة لم يحبذ تأجيلها أو التأخر على أصحابها.
الجامعة العربية
• تمثل الجامعة العربية المفتوحة أحد أهم الأعمال الإنسانية للأمير طلال، إذ وفرت فرصاً للتعليم الجامعي لكثير من الطلاب الذين لم يتمكنوا من أخذ فرص في الجامعات الأخرى.. حدثنا عن فكرة نشأتها ودعم الأمير الراحل لطلابها؟
** الجامعة العربية المفتوحة تعتبر من أعمال الأمير طلال الخالدة والعديدة، وكان يرى أن التعليم حق لكل إنسان على وجه الأرض، ويحمل هم الذين لا يستطيعون دخول الجامعات أو دفع مبالغ كبيرة للدراسة، فبدأ بفكرة الجامعة العربية المفتوحة حتى أصبحت حقيقة ولها فروع عدة في المملكة وعدد من الدول العربية، إذ كان يخصص مبالغ لدفعها للطلاب ممن لا يستطيعون دفع الرسوم الرمزية، وخصص أيضاً بنداً في الجامعة يعنى بالحالات المشابهة وتكون على شكل هبة من الجامعة لمن يستحق، واليوم أصبح لدى الجامعة ثمانية فروع، وأعداد طلابها وطالباتها تجاوزت 33 ألفاً، خصوصاً وأنها جامعة غير ربحية تقدم خدماتها النوعية برسوم زهيدة جداً مقارنة بكلفة التعليم العالي الخاص.
الإنسان أينما كان
● تبنى الأمير طلال برامج دعم الطفولة وبنك الفقراء.. حدثنا عن بعض مآثره في هذا الجانب؟
** رحل الأمير طلال وبرنامج الخليج العربي للتنمية «أجفند» يمتد بمشاريعه في 133 دولة ويقدم العون والمساعدة للإنسان بدون تمييز، وسيظل الأمير طلال حاضراً وفاعلاً مثلما عهدناه لأنه أوجد «أيقونات إنسانية» عطاؤها مستمر، فبنوك الفقراء التي أسسها في 9 دول باقية، وحتى الآن قدمت خدمات لأكثر من 4 ملايين فرد، وغيرت حياتهم إلى الأفضل، حيث قدم مشاريع صغيرة بقروض بنوك الفقراء، وتحققت قصص نجاح عديدة تجسدت في أرامل تحدين الظروف وأقبلن على الحياة ونجحن، وشباب غيروا مسار حياتهم، وأصبحوا يصنعون فرص العمل لغيرهم.
وفي خمسينات القرن العشرين أسس الأمير طلال أول مستشفى خاص بالرياض وخصص 70% من إمكانياته للعلاج المجاني و10% لعلاج الأطفال، ثم أهدى المستشفى للدولة، وهو الآن مستشفى الملك عبدالعزيز الجامعي بالرياض. وجاءت مبادرته بالدعوة لتطبيق الفحص الطبي على المقبلين على الزواج في هذا الإطار الإنساني لكف المجتمع السعودي شرور الأمراض الوراثية. وقد أقرت الدولة المبادرة فأصبح الفحص قبل الزواج إلزامياً. فإذا أردنا إيجاز شخصية الأمير طلال في بضع كلمات، فإن العبارة الأقرب هي أنه «الإنسان أينما كان». وعندما لمست منظمة اليونسيف هذا الاهتمام النبيل منه بالإنسان، سارعت إلى تأسيس أول منصب من نوعه، واختارت له الأمير طلال ليكون (مبعوث اليونسيف). وتقديراً لهذا التوجه الإنساني كرمته الأمم المتحدة، وقدم له الأمين العام الأسبق كوفي عنان، درع المنظمة الدولية.