كتاب ومقالات

هيك شتا الطنطورة يا يمه هيك

هيّ كدا

أسعد عبدالكريم الفريح

غنت فيروز الصوت الإعجازي «هيك مشق الزعرورة يا يمه هيك» وعلى وقعها جاء العنوان، عشنا عشرات السنين وعايشنا آباءنا وأجدادنا وسمعنا منهم الكثير عن هذا الوطن العظيم الكبير، وعرفنا الكثير من مناطقنا ومدننا وقرانا، ولكن أيضا لم نعرف ربما الأكثر، لماذا هل نحن قوم لا يهمنا إلا ما تيسر لنا من معلومات؟ أو أن هذا شيء طبيعي ممكن أن نسقطه على كل الأمم، هل كان علينا أن نسأل عن شيء غير معروف لدينا؟ ما الداعي لو فعلنا، هل هي المعرفة المطلقة؟ أو أن هناك أسبابا تدعونا إلى ذلك، وكيف لي أن أخمن أولويات تلك المعرفة؟ الواقع أننا نحتاج دائما لمحفز يجعلنا نسأل لكي نتعلم، أسأل نفسي هل سمعت يوما بالقدية أو الطنطورة؟ لم أكن أعلم والكثير مثلي ولو قيل لأحدنا قبل شتاء الطنطورة، أين تقع طنطورتنا؟ لربما قال: لا أعرف، ويكون قد أفتى، وآخر يجيب في بلاد المغرب وآخر في بلاد الشام، وقد يكون لامس الحقيقة، ولكن غير المقصودة، فهناك طنطورة أخرى في فلسطين وهي قرية قرب حيفاء، طرد اليهود أهلها وقتلوا منهم الكثير، وكتبت الأديبة المصرية رضوى عاشور قصة الطنطورية وهي تختصر معاناة إحدى بنات هذه القرية التي أصبحت الآن جدة.

قد يجيب شخص أو اثنان أنه سمع أن هناك طنطورية سعودية قرب قرية الدرب بمدينة العلا، والطنطورة هي ساعة مائية عبارة عن مكون طيني هرمي يعرف الوقت من ظله، لاسيما دخول المربعانية في الشتاء وهم يحتفلون بذلك اليوم وكذا يعرفون الوقت وبقية الفصول، وضعت بجوار بئر ماء يتغذى من عين تدعل، تروى منه كل جماعة من المزارعين حسب وقتهم، ليعرف كل أناس وقت ريهم، ولو عرض على أحدنا مسرح الطنطورة المبهر الذي أقيم عليه المهرجان، وسئلنا أين تتوقع يوجد هذا المسرح؟ لأجاب أحدنا: أكيد في باريس، والآخر قال فيينا، بحكم أن ليالي الأنس في فيينا، فنجاب أنه في بلد عربي، فنتوقع أنه في تونس أو ربما في بيروت، ولكن نفاجأ أنه في وطننا، ليس في الرياض ولا جدة ولا الدمام أو أبها إنه في العلا في قرية الدرب، إنها الطنطورة الشطورة التي أصبحت كذلك، بعد أن تدخلت يد المبدع المنجز محمد بن سلمان. الإنسان لا يعدم وسيلة ليحقق غايته، إن الأفكار التي أبدعت وأينعت ثمارها تظاهرة أدبية معرفية وفنية هي التي علمتنا أن هناك منطقة غالية على قلوبنا وهي الطنطورة الحلوة الغندورة، فكل طنطورة وأنتم فرحون، وكل طنطورة وأنتم في الصورة، وليس مجرد عابر سبيل أو محلل من منازلهم لا يحسن إلا النقد ولا يستسيغ الإبداع لأنه يصدمه ويطعنه في مقتل لأن هذا طبع المتشائمين ومن عقولهم مغلقة.. إنهم مع الأسف يتخاوون مع الحاقدين وإن لم يقصدوا.

الإبداع فن لا يجيده إلا الرائعون، لكن هل كانت البلد خالية منهم؟ هل كان هذا الوطن عقيما وفجأة وجد الدواء السحري الذي جعل الإنسان السعودي مبدعا؟ لا وكلا، لأن من يفعل كل هذه النشاطات سواء الطنطورة أو فعاليات في كافة المناطق هم السعوديون فهم مبدعون بالفطرة ولكن مساحة الحركة كانت مغلقة، فظلت أفكارهم وتفاعلاتهم مقيدة، ولكن عندما وجدوا الجو الصحي والتوجيهات الواضحة والنيرة، أنجزوا وأبهروا العالم، ولا يزال للإبداع بقية، القدية ونيوم والبحر الأحمر وما خفي سيكون أجمل، لله درك يا محمد بن سلمان أثبتّ أن التاريخ لا يوهب ولكن ينجز.