كتاب ومقالات

الدليل الرقمي أهم مصادر الإثبات

عبد الرزاق بن عبد العزيز المرجان

يتضح أن البعض لم يستوعب بعد أهمية القرار الصادر برقم 34 وتاريخ 24/4/1439 من الهيئة العامة للمحكمة العليا بخصوص الأدلة الرقمية وحجيتها الذي ينص على الآتي «بأن الدليل الرقمي حجة معتبرة في الإثبات متى سلم من العوارض ويختلف قوة وضعفاً حسب الواقعة وملابساتها وما يحتف بها من قرائن». وتعتبر مقاطع الفيديوهات أحد أنواع الأدلة الرقمية التي يؤخذ بها كحجة متى سلمت من العوارض لإثبات التهمة في النيابة والإدانة في المحاكم. والسلامة من العوارض تعني أن يكون الدليل سليماً من التعديل والتغيير، وأن يكون موثوقاً.

هناك نقطة جوهرية مهمة وهي أنه لا بد من التمييز ما بين الدليل الرقمي والجرائم المعلوماتية. فالدليل الرقمي يهتم بإثبات وقوع حالة أو جريمة سواء كانت معلوماتية أو غير معلوماتية كإثبات وقوع جريمة تحرش أو سرقة عن طريق كاميرات الفيديو الأمنية. أما الجريمة المعلوماتية فهي تعني استخدام الأجهزة الإلكترونية كأداة لارتكاب جريمة كالدخول غير المشروع على مواقع إلكترونية. وكذلك مصدر لإثبات وقوع الجريمة كالدخول غير المشروع عن طريق السجلات الإلكترونية للأجهزة المستهدفة أو تسجيلات الفيديو التي تحتفظ بوقائع حدوث جريمة.

تدخل الأجهزة الإلكترونية في الجرائم المعلوماتية كأدوات لارتكاب الجريمة، من ضمنها المادة السادسة من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية، التي تنص على الآتي «إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام أو القيم الدينية أو الآداب العامة أو حرمة الحياة الخاصة أو إعداده أو إرساله أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية أو أحد أجهزة الحاسب الآلي».

في بعض الجرائم كالابتزاز أو التحرش أو القتل أو التغرير بالأطفال أو ترويج المخدرات أو تجنيد الأشخاص تلعب الأجهزة الإلكترونية دورين محوريين وهما:

• استخدام الأجهزة الإلكترونية في توثيق وقوع الجريمة التقليدية وهنا دوره تواجد الدليل الرقمي داخل هذه الأجهزة الإلكترونية.

• استخدام الإجهزة الإلكترونية كوسيلة لنشر مقاطع الفيديو عبر الإنترنت وهنا الدخول في نظام الجرائم المعلوماتية.

ومن أحد أهم الأمثلة للأدلة الرقمية المعروفة قضية «تكفى يا سعد» التي تم فيها استخدام الهاتف الجوال لتوثيق اعتراف سعد العنزي بالخروج على ولي الأمر وتكفيره له ولرجال الأمن ومبايعته لتنظيم داعش الإرهابي وتوثيق قتله لابن عمه العسكري. ومن ثم استخدام الجهاز كأداة لنشر المقطع بعد إنتاجه.

ودليل آخر على توثيق جريمة واستخدام الدليل الرقمي للتعرف على الجناة وضبطهم هي عندما قامت امرأة بتوثيق مقطع اعتداء أشخاص يركبون دراجات رباعية على رجل أمن ودهسه، ومحاولة الذين برفقته فعل الشيء نفسه. وتم ضبط الجناة بعد التعرف عليهم من الأدلة الرقمية.

يستطيع رجال الضبط الجنائي حسب الحالة الاستعانة بالتقنية الحديثة عن طريق المختصين للوصول للجناة باستخدام عدة طرق، منها رقم الهاتف وIP address، وكذلك تقنية التعرف على بصمة الوجه للمطلوبين وهي أحدث تقنية. حيث تستطيع بعض البرامج التعرف على هوية المطلوبين في قضية تم نشرها عن طريق مقاطع فيديو باستخدام برامج خاصة تتعرف عن طريق بصمة الوجه.

وبعدها يتم الانتقال لمرحلة أخرى وهي تسليم الجهاز المضبوط لمعمل الأدلة الرقمية لإجراء الطب الشرعي الرقمي Digital forensics لإنتاج الدليل الذي يمر بعدة مراحل وهي كالآتي: نسخ الجهاز ثم استرجاع الأدلة المرتبطة بالقضية وتحليل الأدلة ثم تقييم الأدلة وهي من أهم المراحل، ثم تقديم الأدلة للنيابة العامة لتقيمها لإثبات التهمة، ثم تقدم للمحكمة لتقيمها مرة أخرى كدليل رقمي وإثبات الإدانة.

النقطة المهمة هي أن الدليل الرقمي أثبت في كثير من الدول أنه أصبح دليلاً قاطعاً في قضايا كثيرة متى ما سلم من العوارض وأكثر موثوقية من وسائل الإثبات التقليدية كالاعتراف وشهادة الشهود. وتزداد الحاجة إليه في كل يوم لتحقيق الأمن الشامل.

لذا يجب عدم التهاون في تداول مقاطع الفيديو فقد يكون المقطع دليلاً قاطعاً لإدانتك.

* عضو الأكاديمية الأمريكية للطب الشرعي - خبير الأدلة الرقمية

Dr_Almorjan@