كتاب ومقالات

هدنة التسعين يوماً.. إما النجاح أو عودة الحرب التجارية

عبدالله صادق دحلان

منذ بداية الحرب التجارية بين القطبين الولايات المتحدة الأمريكية والصين قبل عامين والاقتصاد العالمي يعيش حالة قلق من أزمة اقتصادية عالمية قادمة نتيجة حرب متوقعة، وأيا كان الخاسر فالنتيجة ليست عليه فقط، وإنما على الاقتصاد العالمي بأكمله لارتباط الدول المتقدمة والنامية بهذين الاقتصادين الأكبر في العالم، ومن الطبيعي تأثر اقتصادهما أولا، ولكن من المؤكد أن كلا منهما قد حسب حسابات الخسارة والنجاح، وأنا شخصيا لا أرى من المصلحة لجميع دول العالم أن تشتعل حرب تجارية بين القطبين، لأننا وللأسف ربطنا مصير اقتصاداتنا بهما، وإن كان الارتباط بالولايات المتحدة إلا أن الصين شريك إستراتيجي مهم على المدى الطويل، ولقد كتبت مقالات عديدة في هذا الموضوع، وكتبت كتابا في العام الماضي أوضح فيه أهمية التكتلات الآسيوية لمواجهة أي تكتل أوروبي أو أمريكي، وحيث إن دول الخليج في غرب القارة الآسيوية وهي جزء مهم من الدول المؤثرة في الاقتصاد الآسيوي وتعتبر الدول الصناعية في قارة آسيا هي المستهدفة لتسويق النفط الخليجي وعلى وجه الخصوص الصين والهند واليابان وسنغافورة وغيرها، فهي الأسواق الأقرب والأكثر أمانا على المدى الطويل بعد الاكتفاء الذاتي للنفط في الولايات المتحدة الأمريكية.

وبعد سنتين من القلق من اشتعال الحرب التجارية، وبعد أن وصلت إلى حدودها العليا بما يؤثر على الاستثمارات الأمريكية في الصين والاستثمارات الصينية في أمريكا نتيجة وضع الضوابط الأمريكية على الصادرات الصينية.

وفي خطوة إيجابية أبدى الطرفان نوايا حسنة لوقف الحرب التجارية، «حرب الرسوم الجمركية» والاتفاق على هدنة لمدة (90) يوما والجلوس على طاولة الحوار والنقاش للوصول إلى الحلول وذلك حسب بيان على الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض يفيد أنه اتفق الرئيسان الأمريكي والصيني على البدء الفوري في مفاوضات بشأن التغييرات الهيكلية بين البلدين فيما يتعلق بنقل التكنولوجيا بين البلدين وحماية الملكية الفكرية والحواجز غير الجمركية والتدخل السيبراني والخدمات الزراعية، واتفق الرئيسان على أنهما سيكملان هذه المفاوضات خلال الـ(90) يوما القادمة، وشددوا على أنه إذا لم يتمكن الطرفان من المفاوضات خلال هذه الفترة بالتوصل إلى اتفاق، فستعود الحرب برفع الرسوم الجمركية والتي سيتم رفع الرسوم الجمركية من 10% إلى 25%، وتعتبر هذه الاتفاقية من أهم نتائج الاجتماعات الجانبية في قمة بيونس آيرس بالأرجنتين التي عقدت في نهاية العام الماضي.

وهي الاتفاقية التي أوقفت رسوم جمركية بقيمة 200 مليار دولار من 10% إلى 25% والتي كان مقررا تطبيقها الأسبوع الماضي بداية العام الميلادي الجديد (2019م) شريطة أن تقوم الصين بشراء كمية غير متفق عليها ولكنها كمية كبيرة جدا من المنتجات الزراعية والطاقة ومنتجات صناعية وغيرها من الولايات المتحدة وذلك لتعديل الميزان التجاري إلى درجة التوازن.

بداية سلام تجاري لعام (2019م) رغم العديد من التفاؤلات المتشائمة للاقتصاد العالمي، وقد يكون سببها الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، إلا أن هذه الهدنة ستدفع أسواق الأسهم العالمية للتحفظ في تداولاتها وعلى وجه الخصوص أسهم الشركات الأمريكية في الصين والشركات الصينية في الولايات المتحدة، وأسهم الشركات المصدرة لأسواق الصين والشركات الصينية المصدرة لأسواق الولايات المتحدة، وستكون التسعين يوما مرحلة ترقب صعبة وقد تستعد بعض الشركات المعنية بالتصدير للبلدين إلى مضاعفة صادراتها قبل المدة المحددة خوفا من عدم الاتفاق رغم أن منظمة التجارة العالمية أنشئت أصلا لتنظيم وتحرير التجارة العالمية من قيود الجمارك وهي المعنية بمعالجة الخلافات بين الأعضاء، ولكن يبدو أنها أنشئت لتحرير أسواق الدول النامية لدخول صناعات الدول الصناعية الكبرى، وعندما تحول الأمر إلى خلاف بين الكبار ضربوا بعرض الحائط نظم وقوانين منظمة التجارة الدولية وخرجوا خارج المنظمة لمعالجة قضاياهم وأصدروا قراراتهم لدفع الرسوم الجمركية كردة فعل غاضبة من إغراق أسواقهم دون الرجوع لمنظمة التجارة العالمية، مما أضعف من قوة المنظمة، وأتوقع أن تلجأ بعض الدول الأعضاء لنفس الممارسة مستندين إلى تجربة الكبار في رفع الرسوم الجمركية كحل للخلافات التجارية مع خصومهم التجاريين، وأخشى أن تنسحب الولايات المتحدة من المنظمة التي هي صاحبة الفكرة من بدايتها وهي التي أنشأتها وأقنعت الآخرين بها لتسجل ثاني انسحاب من منظمات الأمم المتحدة هذا العام، الأولى منظمة اليونسكو، والثاني والمتوقع منظمة التجارة العالمية، وسبق أن انسحبت الولايات المتحدة في العام الماضي من اتفاقية باريس للبيئة بعد أن وقعت وثائق الانضمام لها.

* كاتب اقتصادي سعودي