يما «سوريا» عالباب.. يما أرد الباب ولا أناديها !
الأحد / 01 / جمادى الأولى / 1440 هـ الاثنين 07 يناير 2019 00:51
محمد الساعد
فور أن تولى الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك رئاسة الجمهورية العربية المصرية في أعقاب مقتل سلفه أنور السادات الذي اغتالته غدرا وغيلة جماعة الإخوان المسلمين على أيدي أحد أبرز أعضائها خالد الإسلامبولي ورفاقه، ومصر مبارك تغازل فضاءها العربي وترسل الرسائل على استحياء حتى جاءت المصادفة بعد أشهر فقط، حين وصل مبارك على متن طائرته الرئاسية في زيارة مفاجئة للرياض يوم 14 يونيو 1982 للتعزية في وفاة الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله الذي وافته المنية قبلها بيوم واحد.
كان الوصول حدثاً مدوياً، ومع أنه اختصر في مجاملات العزاء ظاهرياً، لكنه وبلا شك كسر الجليد بين الرياض والقاهرة وعلى إثرها بدأت تعود العلاقات الثنائية بين مصر والعواصم العربية تباعا بما فيها المملكة.
لقد كانت دبلوماسية رجل حاذق، فمبارك أدرك أن العالم العربي والإسلامي كله موجود في قلب الرياض، أليست العاصمة التي تدافع عن العراق من حرب الملالي عليه، وعن أفغانستان من غزو سوفيتي يسعى لنشر الشيوعية في العالم الإسلامي، وهي من تعمل مع القوى العظمى لضمان خروج آمن للفصائل الفلسطينية التي ترزح تحت الحصار الإسرائيلي في بيروت، وهي من تقود المصالحات اللبنانية الفلسطينية، واللبنانية اللبنانية إثر حرب أهلية طاحنة عصفت بلبنان منذ 1975.
بالفعل كانت التعزية أول خطوة في مسيرة استغرقت بعد ذلك 5 سنوات للتخلص من تبعات المقاطعة العربية، حتى وصلت ذروة الخطوات في قمة عمان نوفمبر1987 حين بدأت فيها تباشير عودة مصر رسميا لحضنها العربي والتي استكملت تماما أثناء مؤتمر القمة الطارئة بالدار البيضاء في مايو 1989، وفيها اتخذ القرار التاريخي بعودة جامعة الدول العربية إلى مقرها الحقيقي في القاهرة.
في تلك الفترة نشرت صحيفة الشرق الأوسط كاريكاتيرا معبرا جدا للرئيس حسني مبارك يقف تحت شباك بيت العالم العربي، وفتاة تطل من النافذة وتسأل أمها قائلة «يما مبارك على الباب، يما أرد الباب ولا أناديله»، كان كاريكاتيراً عبقرياً من محمود كحيل استوحى فيه أغنية فائزة أحمد الشهيرة «يما القمر عالباب».
اليوم ومع ملامح عودة خجولة لسوريا إلى عالمها العربي يبدو أن هناك متشابهات بين القطيعتين والمصالحتين، فسوريا انفتحت كثيرا على إيران ما هدد الأمن القومي العربي، وهكذا كان ينظر العرب لانفتاح مصر السادات على إسرائيل بأنها مهدد لأمنهم القومي، وكلا البلدين قوطع من أشقائهم العرب.
خطوات العودة السورية لعالمها العربي ليس لها علاقة بالنظام السوري، وإنما بتغيرات كبيرة تجتاح الشرق الأوسط منذ تولي الإدارة الأمريكية الجديدة الحكم، كما أن سوريا ودورها ومكانتها في الوجدان العربي أكبر كثيراً وأهم من النظام نفسه، وكذلك موقعها وجهدها في منظومة الأمن الإقليمي ضروري للتخلص من التأثير الفارسي، ومساندتها للتصدي للخطر التركي الذي يحتل بالفعل أراضي سورية واضعاً الشام منصة للانطلاق منها إلى بقية العالم العربي.
ومع أن لا ملامح لإستراتيجية أمريكية واضحة لتوضيب المنطقة، إلا أنه يمكن التنبؤ بنتائج إعادة الهندسة التي تتبناها الأجهزة العميقة في واشنطن وعلى رأسها البنتاغون.
ومع وضع المعطيات كاملة وما تغير على الأرض خلال السنوات العشر الماضية، أهمها بالطبع الوجود الروسي الذي ربض ولن يخرج، والإيراني الذي سيواجه حربا إسرائيلية لا هوادة فيها لو توقع للحظة أنه قادر على البقاء في سوريا، والأطماع التركية، والجيش الأمريكي الذي يرفض ترك سوريا للروس والأتراك والإيرانيين.
لذلك يبدو أنه من الواجب إستراتيجياً وقبل نضوج الفكرة الأمريكية إعادة احتضان سوريا الشعب والدولة قبل النظام وعدم ترك الشام نهبا للمتطرفين والفرس والأتراك.
وأخيراً ليت محمود كحيل رحمه الله كان بيننا لرسم كاريكاتير آخر يقول فيه نقلا عن فايزة أحمد سورية الأصل «يما» شامنا «عالباب نور قناديله، يما أرد الباب، ولا أناديله يما».
* كاتب سعودي
كان الوصول حدثاً مدوياً، ومع أنه اختصر في مجاملات العزاء ظاهرياً، لكنه وبلا شك كسر الجليد بين الرياض والقاهرة وعلى إثرها بدأت تعود العلاقات الثنائية بين مصر والعواصم العربية تباعا بما فيها المملكة.
لقد كانت دبلوماسية رجل حاذق، فمبارك أدرك أن العالم العربي والإسلامي كله موجود في قلب الرياض، أليست العاصمة التي تدافع عن العراق من حرب الملالي عليه، وعن أفغانستان من غزو سوفيتي يسعى لنشر الشيوعية في العالم الإسلامي، وهي من تعمل مع القوى العظمى لضمان خروج آمن للفصائل الفلسطينية التي ترزح تحت الحصار الإسرائيلي في بيروت، وهي من تقود المصالحات اللبنانية الفلسطينية، واللبنانية اللبنانية إثر حرب أهلية طاحنة عصفت بلبنان منذ 1975.
بالفعل كانت التعزية أول خطوة في مسيرة استغرقت بعد ذلك 5 سنوات للتخلص من تبعات المقاطعة العربية، حتى وصلت ذروة الخطوات في قمة عمان نوفمبر1987 حين بدأت فيها تباشير عودة مصر رسميا لحضنها العربي والتي استكملت تماما أثناء مؤتمر القمة الطارئة بالدار البيضاء في مايو 1989، وفيها اتخذ القرار التاريخي بعودة جامعة الدول العربية إلى مقرها الحقيقي في القاهرة.
في تلك الفترة نشرت صحيفة الشرق الأوسط كاريكاتيرا معبرا جدا للرئيس حسني مبارك يقف تحت شباك بيت العالم العربي، وفتاة تطل من النافذة وتسأل أمها قائلة «يما مبارك على الباب، يما أرد الباب ولا أناديله»، كان كاريكاتيراً عبقرياً من محمود كحيل استوحى فيه أغنية فائزة أحمد الشهيرة «يما القمر عالباب».
اليوم ومع ملامح عودة خجولة لسوريا إلى عالمها العربي يبدو أن هناك متشابهات بين القطيعتين والمصالحتين، فسوريا انفتحت كثيرا على إيران ما هدد الأمن القومي العربي، وهكذا كان ينظر العرب لانفتاح مصر السادات على إسرائيل بأنها مهدد لأمنهم القومي، وكلا البلدين قوطع من أشقائهم العرب.
خطوات العودة السورية لعالمها العربي ليس لها علاقة بالنظام السوري، وإنما بتغيرات كبيرة تجتاح الشرق الأوسط منذ تولي الإدارة الأمريكية الجديدة الحكم، كما أن سوريا ودورها ومكانتها في الوجدان العربي أكبر كثيراً وأهم من النظام نفسه، وكذلك موقعها وجهدها في منظومة الأمن الإقليمي ضروري للتخلص من التأثير الفارسي، ومساندتها للتصدي للخطر التركي الذي يحتل بالفعل أراضي سورية واضعاً الشام منصة للانطلاق منها إلى بقية العالم العربي.
ومع أن لا ملامح لإستراتيجية أمريكية واضحة لتوضيب المنطقة، إلا أنه يمكن التنبؤ بنتائج إعادة الهندسة التي تتبناها الأجهزة العميقة في واشنطن وعلى رأسها البنتاغون.
ومع وضع المعطيات كاملة وما تغير على الأرض خلال السنوات العشر الماضية، أهمها بالطبع الوجود الروسي الذي ربض ولن يخرج، والإيراني الذي سيواجه حربا إسرائيلية لا هوادة فيها لو توقع للحظة أنه قادر على البقاء في سوريا، والأطماع التركية، والجيش الأمريكي الذي يرفض ترك سوريا للروس والأتراك والإيرانيين.
لذلك يبدو أنه من الواجب إستراتيجياً وقبل نضوج الفكرة الأمريكية إعادة احتضان سوريا الشعب والدولة قبل النظام وعدم ترك الشام نهبا للمتطرفين والفرس والأتراك.
وأخيراً ليت محمود كحيل رحمه الله كان بيننا لرسم كاريكاتير آخر يقول فيه نقلا عن فايزة أحمد سورية الأصل «يما» شامنا «عالباب نور قناديله، يما أرد الباب، ولا أناديله يما».
* كاتب سعودي