عبدالعزيز كـامــل.. لماذا عاد إلى «البيوتات» في ليلة ممطرة؟

كويتي في لندن يكشف إنسانية الفقيد

عبدالعزيز كـامــل.. لماذا عاد إلى «البيوتات» في ليلة ممطرة؟

رصدها: عبدالله عبيان

تشتد الحاجة الى الفلسفة الإسلامية العربية المتميزة بالعمق الحضاري والتراث الغني بالقيم الإنسانية من ناحية وبالمواقف العقلانية في النظر إلى الوجود وإلى المجتمع من ناحية أخرى ومن هذا المنطلق نجد ان المهندس عبدالعزيز عبدالله كامل كان يكرس لهذا المفهوم في عمله وحياته الخاصة والعامة بدءا من إعادة ملامح العمارة الاسلامية للمباني وصولا الى مجتمعه واسرته الصغيرة المكونة من زوجاته الثلاث وابنائه الثلاثة “المهندس عبدالله الذي تخرج من كلية الهندسة بجامعة بوستن في الولايات المتحدة الامريكية واحمد زكي الذي شارف على التخرج من احدى جامعات لندن في تخصص ادارة الاعمال وعبدالسلام ابن السبع سنوات” وبناته الثلاث “ مريم ويسرى ويمن” ويبدو ان الرقم ثلاثة كان يشكل علامة مميزة وفارقة في حياة الراحل الذي حرص على تنشئة ابنائه تنشئة دينية علمية لتحصينهم ضد التيارات الفكرية المختلة في زمن صراع الحضارات.
يقول الشيخ صالح كامل ان اهتمام المهندس عبدالعزيز بتربية ابنائه كان من اهم مزاياه واشار الى انه زرع فيهم التدين الصادق وحب الاطلاع والقراءة مبينا ان المهندس كان مولعاً بالقراءة وملازما للكتب .
حاولنا التعمق في حياة الراحل من خلال الحديث مع أبنائه لمعرفة المزيد عن حياته الخاصة وطريقة تعامله وادارته للعمل والوقت والاسرة في آن واحد.
وبدأنا بالمهندس عبدالله الأبن البكر الذي اشار الى ان والده كان يهتم بتعليمهم أمور دينهم اكثر من تعليمهم فنون التجارة وقال كان يحرص على ادائنا للصلاة في اوقاتها ويرسلنا الى المسجد مع “سيدي” عبدالله يرحمه الله, واضاف: كان والدي عندما يتحدث الى شقيقتي الكبرى عبر التلفون يقول لها “كيف صلاتك” قبل ان يقول لها “كيف حالك”
وكانت فلسفته في التربية تتمثل في “لاعبه سبعا وأدبه سبعا وصاحبه سبعا” واستطرد المهندس عبدالله قائلا : كان الوالد رحمه الله يحثنا على القراءة ويقول ان الانسان بالقراءة سيكون له شخصيته المستقله ولن يكون تابعاً لاحد.
وعن ابرز المجالات التي يقرأ فيها الراحل قال عبدالله ان والده يقرأ في شتى المجالات الدينية و الثقافية وانه كان يولي تخصصه في الهندسة المعمارية وقتا طويلا من القراءة قد يصل الى نحو ست ساعات يوميا.
التشجيع على القراءة
وبين ان والده كان يشجع افراد اسرته على القراءة ويزرع التنافس بينهم من خلال تنظيم مسابقات مصغرة لتدريبهم على هذا السلوك المهم وقال كان الوالد في كل عيد يهدي كتابا لكل شاب وشابه من افراد العائلة ويطلب منهم الإجابة على بعض الأسئلة بعد قراءة الكتاب ومن يتمكن من ذلك يمنحه جائزة قيمة.
واوضح عبدالله ان المهندس عبدالعزيز كان يقرأ عليه وهو في المراحل الأولى من طفولته قصة من قصص الأنبياء في كل يوم جمعة مبينا ان تلك العادة هي التي حببته ودفعته الى القراءة وتناول المهندس عبدالله من مكتبته مصحفا وخطابا مكتوبا بخط والده موضحا ان المصحف كان هدية من ابيه وقد استلمه وبرفقته خطاب يحثه فيه على صلاة التهجد ويقول :”ان شرف المؤمن هو صلاة الليل عسى الله ان يجعلنا ويجعل ذريتنا ممن ينالون هذا الشرف”,ومضى عبدالله يقول كان الوالد يربط بين الدين والعمل ويتضح ذلك من كتابه “خواطر في العمران “ كما انه انهى الجزء الثاني من هذا الكتاب قبل وفاته واطلق عليه اسم “ القران والعمران” وسيصدر قريبا, وهذا يدل دلالة واضحة على ربط الدين بالعمل في حياته حيث كانت عبارته الدائمة “اقرأوا القرآن بنفس راضية وسوف تكتشفون الانوار والاسرار التي فيه”.
محاربة الحسد
وعن اسلوب والده في تربية أولاده وتعاملاته مع اسرته قال عبدالله كان يرحمه الله يحثنا على الصفات الحميدة ويحثنا على التعاون والتكاتف فيما بيننا والبعد عن الحسد واذكر انه كان دائما ما يذكرنا بقصة اخبره بها الشيخ محمد متولي الشعراوي يرحمه الله وتدور القصة حول شاب اتى الى الشيخ واخبره ان عمه رجل غني وميسور الحال بينما هو وعائلته فقراء مبينا ان ذلك العم لم يلتفت اليهم ولم يعطهم ما يعينهم على مواجهة ظروف الحياة القاسية فقال له الشعراوي هل تحسد عمك على ماله؟ قال: نعم, فقال له الشيخ اذهب وتوضأ وصل لربك ركعتين وحاول ان تنزع الحسد من قلبك فذهب وفعل ما وجهه اليه الشيخ وفي اليوم التالي تفاجأ ذلك الشاب بعمه وهو يتصل به عبر التلفون ويسأل عنه ويطلب منه العمل معه وادارة اعماله.
لين الجانب
اوضح المهندس عبدالله ان والده كان يدير وقته بشكل مميز على الرغم من كثرة اشغاله حيث كان يخصص جزءا للعائلة ومجالس العلم بل انه يحرص على مشاركة ابنائه في جميع مناسباتهم مبينا انه لازال يحتفظ بالعديد من الرسائل والتهاني المكتوبة من والده ومنها قصيدتان وجههما له والده بمناسبة زواجه وعدد من الرسائل التي كان يرسلها له عندما كان طالبا في جامعة بوستن, واضاف: في ايام جدي الاخيرة كان والدي يحرص على متابعة حالته والاطمئنان عليه وكان يعاوده يوميا ويبقى معه اطول وقت ممكن.
واشار المهندس عبدالله الى ان والده كان يتميز بلين الجانب مع زوجاته موضحا انه يلاطفهن بالشعر ويقدم لهن الهدايا عند عودته من السفر.
الاخلاص والتفاني
وعن طريقة تعامله في مجال العمل اشار المهندس عبدالله الذي يعمل الى جانبه في شركة التطوير العمراني الى ان المهندس عبدالعزيز كان يعشق العمل والاخلاص ويريد كل من يعمل معه بنفس المواصفات واستحضر احد المواقف التي حدثت بينه وبين والده قبل وفاته بيومين حيث قال : طرحت على الوالد فكرة وطلب مني التحضير لها بشكل جيد لمناقشتها في وقت لاحق وعندما التقيته قال لي هل درست الفكرة و حضرت لها ؟ فقلت: نعم ولكن حضرت لها بعض النقاط الرئيسية وسوف اخبرك بها شفهيا لأني لم اكتبها، فقال لي لاينفع التعامل مع الموضوعات بهذا الشكل وطلب مني التحضير بجدية وكتابة كل النقاط والافكار لعرضها عليه مرة اخرى , واخبرني انه تعمد الشد علي في هذا الموضوع حتى اتعود على التحضير جيدا لكل موضوع قبل البداية فيه.
إنسانيته
تناول ابنه احمد زكي صاحب الاسم المركب الذي ينتشر في منطقة الحجاز بشكل خاص جانبا اخر من شخصيته حيث يقول عند الانتهاء من مشروع البيوتات السكني قام الوالد ببيع فلل المشروع على عدد من المواطنين وكان رحمه الله يهتم باخلاق المتقدمين لشراء المنازل وسلوكياتهم وعند هطول الامطار على جدة في ذلك الوقت استقل يرحمه الله سيارته الخاصة في جولة على المنازل للاطمئنان عليها وكان يسأل السكان ما اذا كان هناك أي مشاكل من تأثير المطر وهذا يجسد مخافته من الله في كل اعماله حيث انه قد باع جميع البيوت واستلم ثمنها وليس له أي مصلحة من السؤال سوى اخلاصه وابتغائه لمرضاة الله , ويسترسل احمد زكي في سرد بعض المواقف الانسانية من حياة والده قائلا:كان يرحمه الله حريصا على الصدقة وما زلت اذكر موقفه عندما اصيب صديق اخي عبدالله –من الكويت- بالسرطان وكان يتلقى العلاج في لندن في وقت وجود الوالد هناك في ذلك الوقت وعندما علم بذلك قال لنذهب لزيارته وعندما زرناه علم الوالد ان الظروف المادية لاسرته كانت صعبة وكنا في وقتها على وشك العودة الى المملكة فقام بتأجير منزلنا بمبلغ 5000 باوند واستأجر للأسرة الكويتية منزلا مناسبا وتصدق ببقية المبلغ وكان بإمكانه تسكينهم في منزلنا.
اوضح احمد ان والده كان حريصا على معرفة الجار وقال : عندما كنا في منزلنا القديم بالخالدية حرص الوالد على جمع الجيران في مناسبة كبيرة من اجل التعارف وقد استمرت تلك العادة بعد رحيلنا عن الحي وما زال الجيران يحرصون على حضور الوالد في اجتماعات الحي ويتصلون عليه في كل المناسبات الى ان توفاه الله.
ايمانه القوي
ويستحضر احمد قصة اخرى حدثت خلال صيف العام الماضي عندما كان الى جانب والده في جنيف عندها دار النقاش حول “نظرية دارون” وتتلخص نظرية دارون بأن الإنسان تطور من القرود، وأن القرود قد تطورت من البرمائيات، فأخبرني انّ فكرة هذه الأسطورة ومزاعمها تمتد إلى اليونانيين القدماء، وفي القرن التاسع عشر طرحت هذه النظرية بشكل واسع. ومن العوامل التي جعلت هذه النظرية تأخذ مكاناً عريضا في الأوساط العلمية كتاب يبحث في أصل الأنواع لشارلز دارون ظهر في عام 1859.
وبدأ الوالد يفند كذب تلك النظرية واوصاني ان اتدبر سورة الروم و قرأتها في نفس الليلة وفي اليوم التالي استدعاني وسألني: ماذا فهمت؟ وبعدها بشهرين اهداني كتاب “قصة الايمان” وكتب عليه “ الحبيب الابن احمد زكي ارجو ان تقرأ هذا الكتاب وانت واثق ان الله عز وجل لايعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات او في الارض كل شيء عنده بمقدار, ولا يكون في كونه الا ما اراده وشاء ان يظهره.
وشأنه عز وجل هو ان يبدي لخلقه اشياء ولا يبتديها لأن علمه احاط بكل شيء وكان عز وجل لاشيء قبله لازمن ولا مكان ولاشيء بعده عز وجل يطلب ويرجى.
ارجو أن يعينك هذا الكتاب وما ذكر فيه من تسلسل منطقي لما يثور في ذهن الانسان الذي يتفكر في ملكوت السماوات والارض وما مر على فلاسفة عصرهم على مر الازمان ولتعلم ان الاجابة الشافية في القران الكريم”.