أخيراً الفقر والبطالة في مرمى التنمية الريفية الزراعية
الاثنين / 09 / جمادى الأولى / 1440 هـ الثلاثاء 15 يناير 2019 00:36
عبداللطيف الضويحي
لا يمكن ولا يجب أن نراهن على التعليم والتأهيل والتدريب المهني والفني والتقني، ولا يمكن أن نراهن على التمويل الحكومي بأن يحدث الفرق في حياة الفقراء والعاطلين، ما لم تكن ثقافة مجتمع الفقراء والعاطلين بيئة حاضنة لنوعية المهن والحرف المستهدفة بالتمكين.
من الواضح أنه قد تم اختزال قضية الفقر والبطالة في مجتمعنا وحصرها واحتجازها منذ البداية في مفاهيم رأسمالية ضيقة بمعزل تام عن الفهم الصحيح للثقافات النفسية والاجتماعية للفقر والفقراء والبطالة والعاطلين. من المؤسف أن مؤسساتنا المعنية باحتواء الفقر والبطالة؛ سواء أكانت حكومية أو غير حكومية وضعت الفقراء والعاطلين في سلة واحدة بصرف النظر عن الاختلافات الثقافية بين الفقر والبطالة في الشمال أو الجنوب أو الشرق أو المدن أو الريف. فهذه المؤسسات تعتنق قناعة مؤداها أن الفقر والبطالة «ملَة» واحدة، لا فرق عندها بين الفقر والبطالة في الرياض أو الفقر والبطالة في الجوف على سبيل المثال. ومن هنا جاءت وصفات علاج الفقر والبطالة من خلال مؤسسات مكافحة الفقر والبطالة دائما إما مسكنات ومهدئات على طريقة المراكز الصحية والعيادات العامة ووصفة البندول أو على طريقة العلاج بالكي «إن صابت أو خابت».
كثير من مشكلات مجتمعاتنا التي يطول مقامها بيننا ويستفحل حجمها وتأثيرها وتستعصي على الحل، بسبب أن القليل من المسؤولين الحكوميين لا يؤمنون بالدراسات لأنهم يعتقدون أن المشكلة واضحة والحل واضح بناء على قناعات سابقة أو استنادا إلى ما يطالب به الرأي العام في التواصل الاجتماعي، القليلون من المسؤولين الذين يعيرون الدراسات اهتماما يقعون في معضلة هيمنة باحثين معينين على الوزارة أو المؤسسة الحكومية ومراكز دراسات معينة متنفذة بعلاقاتها وتأثيرها، فتستنسخ نتائج بحوثها جيلا بعد جيل، وتطبخ توصياتها فتبنى على أساسها صور نمطية تعممها على ظاهرة الفقر أو البطالة أو غيرهما في كافة مجتمعاتنا دونما اكتراث أو اعتبار للفروق الجوهرية بين مجتمعاتنا المحلية وثأثير ذلك على ثقافة العمل والاستثمار.
من غير المفهوم أن يتم رسم سياسات ووضع برامج تنموية في مجال التمكين التجاري، وتستهدف تلك البرامج الفقراء والعاطلين في مجتمعات زراعية، ثقافتهم زراعية. ومن غير المفهوم أن يتم رسم سياسات ووضع برامج تنموية في مجال التمكين الزراعي في مجتمعات ثقافتها تجارية وحياة أهلها قائمة على التجارة..إلخ. على أن الاستثناء أمر لا بأس به إذا كنا نتحدث عن بعض الأعمال التجارية الأساسية للسكان بجانب المهن والحرف الأساسية في المجتمع وثقافة المجتمع المعني.
أكثر ما لفت انتباهي في لقاء جمعني وبعض الزملاء الكتاب مع وزير البيئة والمياه والزراعة قبل أيام هو برنامج للتنمية الريفية الزراعية يعمل على تحقيق 12 هدفا استراتيجيا حتى عام 2025، بينها تمكين المزارعين في 12 قطاعا هي: الورود والبن العربي والاستزراع السمكي والسمسم والذرة الرفيعة والعسل وعدد من محاصيل الفواكه.
من المتوقع أن يحقق هذا البرنامج عددا من الأهداف بينها توفير 43% من احتياجات الغذاء في المناطق المستهدفة، وتوفير 19% من احتياجات الغذاء في المملكة، بالإضافة إلى تحقيق الممارسات الزراعية الجيدة، وضمان سلامة الغذاء ومطابقته للمواصفات الغذائية القياسية. ناهيك عن زيادة دخل صغار المنتجين من مزارعين وصيادين ومربيي ماشية، وتعزيز القدرة الشرائية للأسر الريفية. وأخيرا هذه السياسة ستحقق زيادة وتنوعا بالإنتاج الزراعي المحلي، وتطوير محاصيل للتجفيف والتخزين لحالات الطوارئ. وقد تم التوصل لهذا البرنامج الواعد استنادا للميزة النسبية لكل منطقة من مناطق المملكة، لذلك جاءت هذه القطاعات الإنتاجية موزعة على كثير من مناطق المملكة تبعا لتلك الميز النسبية.
هذا هو المدخل التنموي المدهش لأنه سيحقق مقولة «عصفورين بحجر»، في حل مشكلة الفقر والبطالة وغيرهما من المشكلات في كل منطقة من مناطق المملكة على حدة، بالإضافة إلى تحقيق أهداف غذائية وصحية ومائية وبيئية في هذا المشروع الواعد.
لا يساورني شك بأن برنامج تنمية الريف الزراعي المنبثق عن توجهات رؤية 2030، هو بنك وخزان الفرص الاستثمارية والفرص الوظيفية الأهم للشباب على المدى المتوسط والبعيد، وتحقيق الأمن الغذائي شريطة أن يتوسع البرنامج في استهداف التصنيع الغذائي والدوائي والنهوض بالصناعة الغذائية والتدخل في معادلة التسويق الزراعي، بعد تاريخ من الزراعة التقليدية المتواضعة وبعد جيلين ممن هجروا مهنة الزراعة وهجروا الريف إلى المدينة.
غير أن ديمومة نجاح هذا البرنامج، تتطلب مساعدة الجامعات المحلية في بناء خبرة ومعرفة بمحاصيل ومنتجات المنطقة والميز النسبية التي تعمل بها الجامعة، لتكون مرجعا معرفيا علميا للمزارعين والثقافة الزراعية في تلك المحاصيل.
أخيرا، أتساءل هنا لماذا لا يتم الأخذ بالميزة النسبية للموارد البشرية، بجانب الموارد الطبيعية؟ كذلك لماذا لا تتبنى وتتوسع كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية بمعايير وتصنيفات الميزة النسبية للموارد الطبيعية والبشرية الفردية والمجتمعية لكل منطقة من مناطق المملكة، وتوضع بموجبها برامج مكافحة الفقر والبطالة وبرامج التمكين الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وغير ذلك من التمكين التنموي استنادا إلى التشخيص الصحيح والواقعي؟
*كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org
من الواضح أنه قد تم اختزال قضية الفقر والبطالة في مجتمعنا وحصرها واحتجازها منذ البداية في مفاهيم رأسمالية ضيقة بمعزل تام عن الفهم الصحيح للثقافات النفسية والاجتماعية للفقر والفقراء والبطالة والعاطلين. من المؤسف أن مؤسساتنا المعنية باحتواء الفقر والبطالة؛ سواء أكانت حكومية أو غير حكومية وضعت الفقراء والعاطلين في سلة واحدة بصرف النظر عن الاختلافات الثقافية بين الفقر والبطالة في الشمال أو الجنوب أو الشرق أو المدن أو الريف. فهذه المؤسسات تعتنق قناعة مؤداها أن الفقر والبطالة «ملَة» واحدة، لا فرق عندها بين الفقر والبطالة في الرياض أو الفقر والبطالة في الجوف على سبيل المثال. ومن هنا جاءت وصفات علاج الفقر والبطالة من خلال مؤسسات مكافحة الفقر والبطالة دائما إما مسكنات ومهدئات على طريقة المراكز الصحية والعيادات العامة ووصفة البندول أو على طريقة العلاج بالكي «إن صابت أو خابت».
كثير من مشكلات مجتمعاتنا التي يطول مقامها بيننا ويستفحل حجمها وتأثيرها وتستعصي على الحل، بسبب أن القليل من المسؤولين الحكوميين لا يؤمنون بالدراسات لأنهم يعتقدون أن المشكلة واضحة والحل واضح بناء على قناعات سابقة أو استنادا إلى ما يطالب به الرأي العام في التواصل الاجتماعي، القليلون من المسؤولين الذين يعيرون الدراسات اهتماما يقعون في معضلة هيمنة باحثين معينين على الوزارة أو المؤسسة الحكومية ومراكز دراسات معينة متنفذة بعلاقاتها وتأثيرها، فتستنسخ نتائج بحوثها جيلا بعد جيل، وتطبخ توصياتها فتبنى على أساسها صور نمطية تعممها على ظاهرة الفقر أو البطالة أو غيرهما في كافة مجتمعاتنا دونما اكتراث أو اعتبار للفروق الجوهرية بين مجتمعاتنا المحلية وثأثير ذلك على ثقافة العمل والاستثمار.
من غير المفهوم أن يتم رسم سياسات ووضع برامج تنموية في مجال التمكين التجاري، وتستهدف تلك البرامج الفقراء والعاطلين في مجتمعات زراعية، ثقافتهم زراعية. ومن غير المفهوم أن يتم رسم سياسات ووضع برامج تنموية في مجال التمكين الزراعي في مجتمعات ثقافتها تجارية وحياة أهلها قائمة على التجارة..إلخ. على أن الاستثناء أمر لا بأس به إذا كنا نتحدث عن بعض الأعمال التجارية الأساسية للسكان بجانب المهن والحرف الأساسية في المجتمع وثقافة المجتمع المعني.
أكثر ما لفت انتباهي في لقاء جمعني وبعض الزملاء الكتاب مع وزير البيئة والمياه والزراعة قبل أيام هو برنامج للتنمية الريفية الزراعية يعمل على تحقيق 12 هدفا استراتيجيا حتى عام 2025، بينها تمكين المزارعين في 12 قطاعا هي: الورود والبن العربي والاستزراع السمكي والسمسم والذرة الرفيعة والعسل وعدد من محاصيل الفواكه.
من المتوقع أن يحقق هذا البرنامج عددا من الأهداف بينها توفير 43% من احتياجات الغذاء في المناطق المستهدفة، وتوفير 19% من احتياجات الغذاء في المملكة، بالإضافة إلى تحقيق الممارسات الزراعية الجيدة، وضمان سلامة الغذاء ومطابقته للمواصفات الغذائية القياسية. ناهيك عن زيادة دخل صغار المنتجين من مزارعين وصيادين ومربيي ماشية، وتعزيز القدرة الشرائية للأسر الريفية. وأخيرا هذه السياسة ستحقق زيادة وتنوعا بالإنتاج الزراعي المحلي، وتطوير محاصيل للتجفيف والتخزين لحالات الطوارئ. وقد تم التوصل لهذا البرنامج الواعد استنادا للميزة النسبية لكل منطقة من مناطق المملكة، لذلك جاءت هذه القطاعات الإنتاجية موزعة على كثير من مناطق المملكة تبعا لتلك الميز النسبية.
هذا هو المدخل التنموي المدهش لأنه سيحقق مقولة «عصفورين بحجر»، في حل مشكلة الفقر والبطالة وغيرهما من المشكلات في كل منطقة من مناطق المملكة على حدة، بالإضافة إلى تحقيق أهداف غذائية وصحية ومائية وبيئية في هذا المشروع الواعد.
لا يساورني شك بأن برنامج تنمية الريف الزراعي المنبثق عن توجهات رؤية 2030، هو بنك وخزان الفرص الاستثمارية والفرص الوظيفية الأهم للشباب على المدى المتوسط والبعيد، وتحقيق الأمن الغذائي شريطة أن يتوسع البرنامج في استهداف التصنيع الغذائي والدوائي والنهوض بالصناعة الغذائية والتدخل في معادلة التسويق الزراعي، بعد تاريخ من الزراعة التقليدية المتواضعة وبعد جيلين ممن هجروا مهنة الزراعة وهجروا الريف إلى المدينة.
غير أن ديمومة نجاح هذا البرنامج، تتطلب مساعدة الجامعات المحلية في بناء خبرة ومعرفة بمحاصيل ومنتجات المنطقة والميز النسبية التي تعمل بها الجامعة، لتكون مرجعا معرفيا علميا للمزارعين والثقافة الزراعية في تلك المحاصيل.
أخيرا، أتساءل هنا لماذا لا يتم الأخذ بالميزة النسبية للموارد البشرية، بجانب الموارد الطبيعية؟ كذلك لماذا لا تتبنى وتتوسع كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية بمعايير وتصنيفات الميزة النسبية للموارد الطبيعية والبشرية الفردية والمجتمعية لكل منطقة من مناطق المملكة، وتوضع بموجبها برامج مكافحة الفقر والبطالة وبرامج التمكين الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وغير ذلك من التمكين التنموي استنادا إلى التشخيص الصحيح والواقعي؟
*كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org