كتاب ومقالات

دمج البنوك والرأي الآخر

عبدالله صادق دحلان

تعتبر البنوك من أهم دعائم الاقتصاد في جميع أنحاء العالم، ويعتمد القطاعان العام والخاص على البنوك في معظم تعاملاتهم في مختلف المجالات ولا مجال لسردها، ويعتمد القطاع الخاص بمختلف فئاته وتخصصاته وأحجامه على البنوك. ومن أهم الركائز الأساسية لنمو وتطور القطاع الخاص البنوك في التمويلات البنكية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، ومع تطور الإدارة أصبحت البنوك جزءاً لا يتجزأ من المؤسسات والأفراد. وللحقيقة لا بد لي أن أسجل تقديري لمؤسسة النقد السعودي التي أشرفت على إنشاء وتشغيل البنوك السعودية منذ إنشائها وإدارتها بحكمة لبعض أزمات البنوك ولم نشعر كمساهمين أو عملاء بها في أي من البنوك السعودية، وكنت أطالب من ربع قرن بضرورة فتح المجال للبنوك الأجنبية للدخول لأسواق المملكة بدون شريك وذلك تطلعا للمنافسة في الخدمات والتسهيلات هروبا من النمط التقليدي للبنوك التجارية السعودية.

ورغم أن البنوك المشتركة استطاعت أن تحقق نجاحات كبيرة انعكست على أرباحها السنوية، وتعتبر تجربة البنوك المشتركة مع بنوك دولية تجربة ناجحة وإضافة قوية لتطوير نظام وخدمات البنوك السعودية، ولن ننسى البنك الهولندي والبنك السعودي الفرنسي والبنك السعودي الأمريكي والبنك السعودي البريطاني وغيرها، ولقد أثبتت مؤسسة النقد احترافيتها عند إنشاء بنك الرياض وأدارته بإدارة سعودية اقتدت بها بقية البنوك السعودية والتي نفخر اليوم بشبابها السعودي الذين يقودون البنوك مؤهلين أفضل تأهيل علمي وعملي متخرجين من جامعات سعودية وأجنبية.

وبعد مرور سنوات نمت وكبرت وتطورت البنوك السعودية تمشيا مع تطور النظم والخدمات البنكية في العالم، ونظرا لتطور حجم القطاع الخاص وتنوعه، ونظرا لزيادة عدد السكان والموظفين والمتعاقدين مما دفع إلى زيادة التعاملات البنكية وتنوعها، وبناء على القرارات الإلزامية الحكومية والخاصة للتعامل مع البنوك وتقليص التعاملات النقدية، نظرا لكل هذه الأسباب كانت مطالبتي بزيادة عدد البنوك والسماح للبنوك الأجنبية والخليجية بالدخول للأسواق السعودية لتنافس البنوك التجارية السعودية في جميع الخدمات وهذه أحد تطلعات منظمة التجارة العالمية.

إلا أنني فوجئت بالرأي الآخر المنادي بالتوجه إلى دمج بعض البنوك التجارية السعودية لتكوين كيانات كبيرة قادرة على استيعاب الاحتياج لتمويل مشاريع ضخمة قادمة عليها المملكة.

ومن المؤكد لم يكن قرار الدمج الذي لا أؤيده شخصيا نتيجة خلل قد حدث في أحد أو بعض البنوك أدى إلى إفلاسها أو توقفها رغم أن جميع المؤشرات الرسمية تؤكد ربحية جميع البنوك التجارية السعودية نسبة وتناسبا لحجمها ورأسمالها، ودون الدخول لسرد الأرباح لكل بنك وهي معلنة وليست سرية على مواقعها إلا أن آخر التقارير الرسمية أكدت أن أرباح البنوك السعودية الإجمالية وصلت إلى 37.7 مليار ريال خلال الربع الثالث من العام الماضي (2018م) وارتفع الربع الأخير بنسبة 10.7%، وبمراجعة عامة لكل بنك نجد أن 11 بنكا سعوديا حقق ارتفاع في أرباح الربع المنتهي 30 سبتمبر 2018م وبنكا واحدا حقق انخفاضا في الأرباح وليس خسارة في رأس المال أو في التشغيل.

ولن أدخل في تفاصيل الأرقام ولكنني أطمئن جميع المساهمين في البنوك والمتعاملين معها بأن البنوك السعودية في مركز مالي قوي ومتين وأن اقتصاديات تشغيلها عالية وإن كان هناك انخفاض في الأرباح لدى بعض البنوك ولها أسبابها، وهذا يدفعني لتقديم شهادة تقدير للقيادات البنكية في المملكة القائمين على البنوك والمهنيين العاملين فيها، والفضل الأكبر لمتابعة ومراقبة مؤسسة النقد السعودي رغم تحفظاتها الشديدة لكنها لضمان أموال المساهمين والمتعاملين مع البنوك.

ومع احترامي وتقديري لقرار دمج بعض البنوك التجارية واحترامي لجميع المداخلات التي اطلعت عليها والتي توضح أهم الأسباب للدمج وعلى رأسها إنشاء كيانات بنكية كبيرة لتمويل مشاريع ضخمة تقوم بها المملكة، إلا أنني ما زلت غير مقتنع بهذه التحليلات لأنه لو كان الغرض من الدمج زيادة رأس المال لأحد البنوك الكبيرة لضعف أو ضعفي رأس المال الحالي فهناك وسائل عديدة لمضاعفة رأس المال غير الدمج، ولا سيما أن المستثمرين والمواطنين يبحثون عن مكان آمن لاستثمار مدخراتهم البسيطة ليضعوها في أسهم أحد البنوك وهي الأسهم الأكثر أمانا والأقوى ضمانا.

وإذا كان السبب ضعف أحد البنوك والرغبة في دمجه مع أحد البنوك الأكبر فلماذا لا نعمل على تطويرها ونقل تجربة أحد البنوك الكبيرة لها أو تغيير مسارها لخدمة شرائح أخرى، أو الاحتفاظ به والتعاقد مع أحد البنوك الكبيرة والناجحة لإدارته مؤقتا، أو الدخول في شراكة متدرجة مع الحفاظ على اسم البنك التاريخي، إن تجربة الخطوط السويسرية مع الخطوط الألمانية التي تملكت الخطوط السويسرية وحافظت على اسمها حفاظا على عملاء ومجتمع ودولة سويسرا هي تجربة ناجحة لها بعد اقتصادي واجتماعي وسياسي، آمل من صناع قرار الاندماج الأخذ بعين الاعتبار اعتبارات أخرى غير الاعتبار الاقتصادي فقط، علما أن الأسواق السعودية تنمو سريعا حسب التقارير الرسمية، وقد تحتاج إلى مزيد من البنوك السعودية والأجنبية مستقبلا.

* كاتب اقتصادي سعودي