الفتاة الهاربة.. التسييس الساذج عبر «إرم» وأخواتها!
الاثنين / 15 / جمادى الأولى / 1440 هـ الاثنين 21 يناير 2019 01:44
نجيب يماني
لم أكن أرغب في تناول قضية الفتاة الهاربة «رهف» بأي صورة من صور التناول، لقناعتي الشخصية بأنها قضية أسرية وعائلية بحتة، بما يجعل من عدم الخوض فيها أمراً لازماً وضرورياً لجملة اعتبارات، مفهومة ضمناً، ونقدّرها جيداً، ونرعاها كلّ الرعاية، متّسقين في ذلك بما جُبل عليه مجتمعنا في مثل هذه المواقف، وما تربّى عليه بمرتكزات الشريعة الغراء.. دون أن تكون صاحبة هذا الفعل قدوة لغيرها فيما فعلت بنفسها.
هذه الإشارة كانت كافية بالنسبة لي، لو أن أمر الفتاة بقي على ما هو عليه؛ شأناً أسريّاً وعائلياً بحتاً.. ولكن كل الشواهد والتداعيات التي تابعناها انحرفت بهذه القضية من مسارها الحقيقي لتغدو منصّة للهجوم على الوطن وثوابت مجتمعه، بصورة أقلَّ ما توصف به أنها «مستفزة»؛ ففي طريق الحصول على «حق اللّجوء»، لم تدخر بعض الجهات السياسية والأبواق الإعلامية المعروفة بعدائها للمملكة وشعبها جهداً في «تسييس» القضية، والانحراف بها عن مسارها المنطقي، واتخاذها نموذجاً للتدليل على مزاعم اضطهاد يمارس على المرأة السعودية، وأنها مسلوبة الإرادة، ومهضومة الحقوق، ومهيضة الجناح.. وما إلى ذلك من مثل هذه الأكلشيهات الجاهزة، و«المعلبات اللفظية» المكرورة، التي رسمتْ لزمن ليس بالقصير، صورة نمطية شائهة عن المجتمع السعودي، ظلّ أصحاب الهوى والغرض والمتعامون عن الحقيقة يعتمدون عليها في توجيه سهامهم المسمومة نحو الوطن وقيادته وشعبه.. وما كنت أحسب أن مثل هذه الترهات البائسة يمكن أن يكون لها مكان في زمن انفتاح البوابات بفعل «العولمة»، وما أحدثته التقنية الحديثة من تواصل عريض بين سكان الأرض في كافة أركانها، وما نتج من ذلك من سرعة تبادل المعلومات من مظانها الحقيقية، بما يتيح التعرف على سكّان المعمورة بكل شفافية ووضوح، دون الحاجة إلى «مسرودات مضروبة» تتفضّل بها «فتاة هاربة» لم يتجاوز عمرها الثماني عشرة سنة، لقناة نفترض فيها أنها تبحث عن حقيقة، فإذا هي -أي القناة- أكثر جهلاً وطيشاً من «رهف»، وأخف عقلا ومنطقا منها، وأحوج للرثاء والبكاء من حالها..
هذا ما خلصتُ إليه عندما استمعت إلى اللقاء القصير الذي أجرته مذيعة في فيديو مترجم عبر قناة «إرم نيوز» مع الفتاة الهاربة «رهف»، لتتجلى «السذاجة المتبادلة» بين طارحة الأسئلة والمجيبة عليها، وتنكشف من خلالها النوايا المضروبة، والمستهدفة سلفاً تجريم المجتمع السعودي، وإظهاره بمظهر «المتخلّف» عن ركب الحضارة، والنفاذ من ثمّ عبر هذا الثقب إلى تجريم الدولة أيضاً وقيادتها.. وليت المذيعة في المقطع المترجم عبر «إرم» سلكت إلى هذه الغاية البائسة طريقاً «ذكياً»، فربما وجدنا لها مساحة من الغفران، ولكنها جمعت إلى بؤس الغاية، غباء الوسيلة، ليصدق عليها المثل السيّار «حشفاً وسوء كيلة»، فكلّ ما قدمته المذيعة في لقائها لا يخرج عن كونه استدراجاً ساذجاً ورخيصاً لفتاة ناشز لتقول لها ما تريد، وتطمئن من بعد ذلك إلى أنها عرفت المجتمع السعودي، ووصلت إلى حقيقته من «رهف»..!
والحقيقة أن الأسئلة الستة التي طرحتها المذيعة ليست استدراجاً لمستضافتها «المسكينة»؛ بل لمن يستمع إليها ويتابعها ممن لهم القابلية للتصديق والاقتناع، فالأسئلة الأربعة الأولى أخذت طابعاً يمكننا -تجوزاً- أن نسميه شخصياً حول شعور «الهاربة» وما مر بها خلال الأسبوع الفائت، وإحساسها عند مرورها من بوابة مطار العاصمة الكندية، واستقبال وزيرة الخارجية الكندية لها، وما هي دواعي هروبها، وشعورها حيال تبرؤ عائلتها منها..
ولن يخفى على من ملك شيئاً يسيراً من الحصافة وبعد النظر أن يلحظ أنها أسئلة صيغت بحيث تحمل في طياتها الإجابات المتوقعة من «تبييض» لمسلك الحكومة الكندية في «احتوائها لفتاة تتعرض للظلم في بلد يضطهد المرأة... إلخ»، ولهذا فلست معنياً بإجابات «الفتاة» لاعتبارين أساسيين؛ هما صغر سنّها، وطيش عقلها، وليس في هذا تحامل عليها، فمن تشعر بـ«الزعل الشديد» من إعلان أهلها التبرؤ منها بعد هروبها، فاتها بداهة أنها هي من تبرّأت منهم سلوكاً وعملاً بخطوتها الحمقاء، وزادت عليها بالتشهير بهم على مرأى ومسمع العالم كله، وكان هذا الملحظ جديراً بالمذيعة أن تلفتها إليه، ولكنها كانت ماضية إلى غايتها «التجريمية»، التي تكشّفت في السؤالين الأخيرين ومفادهما:
• هل بإمكانك شرح قانون «وصاية الذكور» وكيف يؤثر على حياة المرأة الشابة مثلك؟
• برأيك ماذا يمكن أن يحدث لو لم يتغير أي شيء في المملكة العربية السعودية؟
كان من الغباء المطلق أن تبحث المذيعة عن إجابة لهذين السؤالين عند هذه الفتاة، فلو أنها أرادت فعلاً الإجابة الحقيقية فدونها المملكة بكل أجهزتها مفتوحة لمن أراد الاستيثاق والبحث والمعرفة، وإن عزّ على المذيعة في المقطع المترجم عبر «إرم» ذلك فدونها الإنجازات المتراكمة بعضها فوق بعض والتي يعرضها القاصي والداني، وإن وجدت حرجاً في ذلك، فدونها محركات البحث في الفضاء الإسفيري، ستجد بغيتها بكل يسر وسهولة، وستقف على القانون السعودي لحماية المرأة والطفل ضد العنف الأسري معمولاً به، ومعضداً لحالة الاستنكار المجتمعي حيال أي حادثة من هذا النوع، ويمكنها بسهولة أيضاً أن تطلع على مضابط محاكم الأحوال الشخصية في هذا المجال، بما ينسف لها كل ما ادعته الفتاة، وكل ما وقر في خاطرها من التنميط الشائه.. كل ذلك كان ممكناً، لكن الغرض لم يكن الحقيقة، بل مزيداً من التجريم والخلط والالتياث، والقفز إلى النيل من الدولة وقيادتها الحكيمة، لأمور نعرفها جيداً، وتكفي الإشارة إلى أن ذلك يحدث من «كندا»، لنعرف أي نوع من «تصفية الحسابات» يمارس من خلال هذه القضية الخاسرة.
* كاتب سعودي
هذا ما خلصتُ إليه عندما استمعت إلى اللقاء القصير الذي أجرته مذيعة في فيديو مترجم عبر قناة «إرم نيوز» مع الفتاة الهاربة «رهف»، لتتجلى «السذاجة المتبادلة» بين طارحة الأسئلة والمجيبة عليها، وتنكشف من خلالها النوايا المضروبة، والمستهدفة سلفاً تجريم المجتمع السعودي، وإظهاره بمظهر «المتخلّف» عن ركب الحضارة، والنفاذ من ثمّ عبر هذا الثقب إلى تجريم الدولة أيضاً وقيادتها.. وليت المذيعة في المقطع المترجم عبر «إرم» سلكت إلى هذه الغاية البائسة طريقاً «ذكياً»، فربما وجدنا لها مساحة من الغفران، ولكنها جمعت إلى بؤس الغاية، غباء الوسيلة، ليصدق عليها المثل السيّار «حشفاً وسوء كيلة»، فكلّ ما قدمته المذيعة في لقائها لا يخرج عن كونه استدراجاً ساذجاً ورخيصاً لفتاة ناشز لتقول لها ما تريد، وتطمئن من بعد ذلك إلى أنها عرفت المجتمع السعودي، ووصلت إلى حقيقته من «رهف»..!
والحقيقة أن الأسئلة الستة التي طرحتها المذيعة ليست استدراجاً لمستضافتها «المسكينة»؛ بل لمن يستمع إليها ويتابعها ممن لهم القابلية للتصديق والاقتناع، فالأسئلة الأربعة الأولى أخذت طابعاً يمكننا -تجوزاً- أن نسميه شخصياً حول شعور «الهاربة» وما مر بها خلال الأسبوع الفائت، وإحساسها عند مرورها من بوابة مطار العاصمة الكندية، واستقبال وزيرة الخارجية الكندية لها، وما هي دواعي هروبها، وشعورها حيال تبرؤ عائلتها منها..
ولن يخفى على من ملك شيئاً يسيراً من الحصافة وبعد النظر أن يلحظ أنها أسئلة صيغت بحيث تحمل في طياتها الإجابات المتوقعة من «تبييض» لمسلك الحكومة الكندية في «احتوائها لفتاة تتعرض للظلم في بلد يضطهد المرأة... إلخ»، ولهذا فلست معنياً بإجابات «الفتاة» لاعتبارين أساسيين؛ هما صغر سنّها، وطيش عقلها، وليس في هذا تحامل عليها، فمن تشعر بـ«الزعل الشديد» من إعلان أهلها التبرؤ منها بعد هروبها، فاتها بداهة أنها هي من تبرّأت منهم سلوكاً وعملاً بخطوتها الحمقاء، وزادت عليها بالتشهير بهم على مرأى ومسمع العالم كله، وكان هذا الملحظ جديراً بالمذيعة أن تلفتها إليه، ولكنها كانت ماضية إلى غايتها «التجريمية»، التي تكشّفت في السؤالين الأخيرين ومفادهما:
• هل بإمكانك شرح قانون «وصاية الذكور» وكيف يؤثر على حياة المرأة الشابة مثلك؟
• برأيك ماذا يمكن أن يحدث لو لم يتغير أي شيء في المملكة العربية السعودية؟
كان من الغباء المطلق أن تبحث المذيعة عن إجابة لهذين السؤالين عند هذه الفتاة، فلو أنها أرادت فعلاً الإجابة الحقيقية فدونها المملكة بكل أجهزتها مفتوحة لمن أراد الاستيثاق والبحث والمعرفة، وإن عزّ على المذيعة في المقطع المترجم عبر «إرم» ذلك فدونها الإنجازات المتراكمة بعضها فوق بعض والتي يعرضها القاصي والداني، وإن وجدت حرجاً في ذلك، فدونها محركات البحث في الفضاء الإسفيري، ستجد بغيتها بكل يسر وسهولة، وستقف على القانون السعودي لحماية المرأة والطفل ضد العنف الأسري معمولاً به، ومعضداً لحالة الاستنكار المجتمعي حيال أي حادثة من هذا النوع، ويمكنها بسهولة أيضاً أن تطلع على مضابط محاكم الأحوال الشخصية في هذا المجال، بما ينسف لها كل ما ادعته الفتاة، وكل ما وقر في خاطرها من التنميط الشائه.. كل ذلك كان ممكناً، لكن الغرض لم يكن الحقيقة، بل مزيداً من التجريم والخلط والالتياث، والقفز إلى النيل من الدولة وقيادتها الحكيمة، لأمور نعرفها جيداً، وتكفي الإشارة إلى أن ذلك يحدث من «كندا»، لنعرف أي نوع من «تصفية الحسابات» يمارس من خلال هذه القضية الخاسرة.
* كاتب سعودي