كتاب ومقالات

رزنامة هيئة الترفيه

بعض الحقيقة

عيسى الحليان

لم أكن متحمساً لإقامة هيئة عامة للترفيه تمارس هذا الدور نيابة عن القطاع الخاص في ذلك الوقت، رغم كوننا من أكثر المجتمعات في العالم حاجة للترفيه، والسبب في ذلك ذكرته في مقال سابق، وهو أن دور الجهات الحكومية ينبغي أن يقتصر على إيجاد التشريعات والحريات الاجتماعية التي تكفل قيام مثل هذا الترفيه من قبل القطاع الخاص حسب حاجات المجتمع ومتطلباته، والعمل على إيجاد بيئة جاذبة على اعتبار أن للفنون جهاتها، وللسينما شركاتها، وللألعاب مدنها، وللمهرجانات مرجعياتها، وهكذا.

إلاّ أنني أدركت لاحقاً وبعد ممارسة الهيئة لعملها، أن إقامة وسائل الترفيه من غيرها يحتاج لوقت طويل، بل وطويل جداً، لعدم جسارة القطاع الخاص أو رغبة الشركات الأجنبية في الاستثمار على خلفية المناخ الاجتماعي السائد، إضافة إلى أن سوق الترفيه يحتاج إلى استثمارات هائلة قدرتها الهيئة بأكثر من 265 مليار ريال نصيب البنية التحية منها 38 مليارا، ولا قبل للقطاع الخاص بها، وحتى لو آمنا بهذا المبدأ، فإن الهيئة ستكون بمثابة الجرافة الكبيرة التي تمهد الطريق للاستثمارات والذي سيكون سوقا مليئاً بالأشواك والتحديات من غير دخول الهيئة على الخط، خلاف أن الهيئة قادرة على غرس مفاهيم عالية التكلفة في مجال الترفيه لا تعتمد على الربحية وإنما على جودة الحياة للمجتمع السعودي، والدليل هو التحالفات التي أعلن عنها رئيس الهيئة الأستاذ تركي آل الشيخ مع جملة من الشركات العالمية لتكون المملكة ضمن أفضل 10 دول في العالم في برامج الترفيه البريء، وبالتالي فإن الهيئة ستكون هي القاطرة التي تجر معها جملة من الشركات المتخصصة والرساميل الأجنبية والمحلية إذا علمنا أن هذا القطاع ليس قطاعا للعب وممارسه اللهو كما يتصور البعض، وإنما أصبح قطاعا له حضوره في الدورة الاقتصادية في أي بلد في العالم، وجزءا لايتجزأ من مكونات المنظومة السياحية، وبالتالي يمكن أن يوفر في المملكة 114 ألف وظيفة مباشرة و110 آلاف وظيفة غير مباشرة.

وبعد أن يتم استكمال قطاع متطور للترفيه البريء برعايتها يمكن للهيئة أن تتخلى تدريجيا عن دور التشغيل المباشر (operator) بعد ترسية أسس وبنية وهياكل هذا القطاع على أسس تجارية، لتتحول الهيئة بعدها إلى (regulator) تسعى لتنظم شؤون هذا القطاع وإصدار تشريعاته وتراخيصه والحفاظ على استثماراته ومكتسباته وذلك بما ينسجم مع تطلعات مجتمعنا وتقاليدنا الأصلية.