الشهري: المحظوظ فنياً أفلت من قبضة الصحوة
أكد انتهاء الجامدين في سلة المحذوفات
السبت / 20 / جمادى الأولى / 1440 هـ السبت 26 يناير 2019 02:56
علي الرباعي (جدة) Al_ARobai@
الحوار مع مبدع مثقف شائك وشائق، كونه يعلم أن وراء الأسئلة غايات قصوى، ولدماثة خلق الشاعر النبيل عبدالرحمن الشهري، أكد على ضرورة أن تكون إجاباته نظرية دون تطبيق على نماذج لنسلم من الشخصنة واستشعال العداوات القابلة للنشوب، منذ مجموعته الأولى «أسمر كرغيف» 2004، وهو يتلمس مظان الجمال ليصمت 8 أعوام للتأمل والقراءة، ليردفها بمجموعات «لسبب لا يعرفه» 2012، وصمت ثانٍ لمدة 5 أعوام للمراجعة والتأهيل لتجاوز الذات ليصدر «صعود متأخر» 2017، و«الكتابة على جهاز آيفون» وللحديث عن الشعر والفن والتجريب حاورناه هنا:
• يلحظ المتابع أنك معتنٍ بالتجريب، ونصك متماهٍ مع التقنية إلى حد ما، ما سر هذا الاندغام بين نصك والواقع ؟
•• أتمنى أن يكون رأيك صحيحاً ! وإن كان كذلك فأظن أن لمرونة المبدع أثرها في التجاوب مع تحولات الواقع، سواء أكان حقيقياً أم افتراضياً، وأعتقد أن أي إبداع لا يلقي بالاً إلى مثل هذه الجزئية سيقع في فخ الإعادة والتكرار، ومن ثم الاطمئنان إلى الماضي، الذي نستند إليه مثل جدار. هذا الماضي الذي لم يعد شيئاً يذكر في الزمن الرقمي، ويوميات ما بعد الحداثة، التي تسيطر فيها اللحظة المعاشة على ما عداها من لحظات. وفي هذا السياق يحضرني رأي للشاعر التركي «أورهان ولي»، أنقله معنى لا نصاً، حيث يرى أن الكاتب الذي تمر عليه 5 سنوات، ولم يحدث تغييراً في كتابته، فعليه أن يعيد النظر في ما يفعله.
• ألا تخشى غضبة الرموز، وأنت تختط مساراً مغايراً ؟!
•• لم يعد هناك من وصاية لأحد مع «نهاية عصر الخبراء»، ويفترض أن لا يكون، وبالأخص في ظل التدفق المعرفي الهائل، وزوال الحدود وانتفائها. ولم يعد هناك من معرفة للخاصة وأخرى للعامة؛ الذين كانوا بحاجة إلى من يدلهم على مصادر المعرفة ومظانها، وتشفيهها لهم. المعرفة اليوم متاحة للجميع، وبطرق يسيرة جداً، والجيل الجديد يتعلم من الجيل القديم، والعكس صحيح. ولو أخذنا الناقد على سبيل المثال، والمفترض أنه من الخبراء، فأرجو أن يتمكن من مجاراة أعمال المبدعين، رغم استحالة تلك المجاراة على الصعيد الزمني، وكل دقيقة تأخير تعني الذهاب إلى سلة محذوفات كونية؛ ستمتلئ بكتابات كثيرة، من العصر الرقمي، ومن العصور السابقة عليه.
• هل لدى عبدالرحمن الشهري مشروع ؟ وما أبرز تجليات ذلك المشروع ؟
•• أعتقد أن كل كاتب لديه هواجس إبداعية معينة، ترقى، من وجهة نظره، أن تكون مشروعاً. وأنا أحد أولئك الذين يطمحون إلى ترك أثر ما، وإن كان الخلود فكرة في غاية الطرافة في هذا العصر. والهاجس الملح بالنسبة لي؛ هو كيف لي أن أكون ضمن أفق العصر لا خارجه. نحن نعيش لحظة رقمية تتطلب جهداً مريراً في التجدد، وتقديم ما يشفع للكاتب بمواكبتها. هناك أعمال تطبع بحساسيات تجاوزها الزمن، ولم تعد لها تلك القيمة التي تستحق أن نهدر من أجلها الورق، علماً بأن الكتاب الإلكتروني وسيلة أصدق في التعبير عن اللحظة. أما على مستوى النقد فأية أطروحة أو مجموعة مقالات؛ تتم طباعتها من قبيل حصر الإرث؛ فستأتي متأخرة حتماً، مهما بذل الناقد من جهد. التحولات عميقة، وينبغي الانتباه لها، والخطاب الإبداعي يعاد تشكيله كل يوم بسرعة تفوق التصور.
• لماذا يتحول الكاتب عبر وسائل التواصل إلى ناقد ؟!
•• أعتقد أن ثنائية الكاتب/ الناقد سابقة لوسائل التواصل الاجتماعي، بسبب طبيعة الإبداع، والثقافة، والأدوار التي يقوم بها الكاتب. وما يحدث في وسائل التواصل هو حراك ثقافي عام، يشمل إنتاج الفكرة ونقيضها، وكذلك الرأي، والخبر، والنص الإبداعي. نحن في زمن إعلام الفرد، وكل واحد منا لديه صفحته الخاصة، التي يحررها بطريقته، ويقول فيها ما يريد؛ شريطة عدم الإساءة إلى الآخرين. والرأي النقدي بالضرورة يعبر عن خلفية الكاتب المعرفية، واتجاهاته الإبداعية والفنية. ولا أرى غضاضة في إطلاق آراء تنتقد الظواهر، وإن من وجهات نظر معينة. وعلينا أن ندرب أنفسنا على سماع الأصوات الأخرى؛ لأن ما يحدث من جدل نقدي صحي جداً، ومولد لمزيد من الرؤى والأفكار.
• كيف ترى أثر الصحوة على الذائقة، وعلى إنتاج الفن ؟
•• الصحوة بطبيعتها الشمولية أثرت بشكل كبير على ذائقتنا، وعلى منتجنا الفني بشكل عام. ولكن كانت هناك أعمال فنية حالفها الحظ؛ بحيث أفلتت من قبضة الصحوة؛ بفضل أفراد عملوا على مشاريعهم بعيداً عن سطوتها. تلك السطوة ذات الصبغة التربوية التي كانت تأخذ الأعمال في اتجاهات وعظية، ومعبرة عن وجهات نظر دينية؛ لا علاقة لها بالجمال بما هو قيمة عليا، ترتقي بالذوق، والروح، والأحاسيس. كلنا وقعنا في أسر خطابها، وقلة منا تنبهوا لخطرها على الفنون، وحاولوا تنقية إنتاجهم من آثارها. ولا زلت تجد صداها يتردد لدى حتى من يدعون أنهم على اتصال بشيء من الحداثة، وخاصة تلك النصوص الشعرية التي تأتي في منطقة وسطى بين الحداثة والتقليد. فالنفس التربوي واضح وجلي بحيث لا تخطئه الروح.
• ما تعليقك على من يقول «خرجنا من القبيلة ولم تخرج منا» ؟
•• القبيلة تنظيم اجتماعي قديم، يقوم على مجموعة من العادات والتقاليد والأعراف. والدولة الحديثة استوعبت هذا النظام ضمن تركيبتها؛ في محاولة للانتقال إلى مستويات انتماء أكبر وأشمل، بحيث تغدو فكرة الوطن هي الهوية الجامعة للجميع. ومع انتشار القنوات الفضائية وبروز الثقافية الشعبية في عالم ما بعد الحداثة؛ استعادت القبيلة شيئاً من وهجها، وبدأ الناس في العودة إليها بذرائع متعددة. وفي المحصلة لا بد من الاعتراف بتأثير الوعي القبلي على أبناء القبائل، لأن علاقتهم بمساقط رؤوسهم لم تنقطع، ولأن تجاوز مثل هذه الانتماءات لا يكون إلا عندما تبهت علاقة الفرد بتلك المساقط، وهذا ما نعول عليه مع مرور الوقت.
• أين تكمن إشكالية التجريب في السعودية ؟ وهل نجحت أم أخفقت ؟ وما سبب الإخفاق ؟
•• نحن مطالبون بالتجريب في كل مرحلة، وبالأخص في العصر الرقمي، وليس هناك من «إشكالية» في ذلك، ولكن قد يطمئن البعض إلى ما أنجز من تجريب، ويركن إلى إعادة استنساخ تجربته من وقت إلى آخر، دون الانحراف بها ولو قليلاً. وهذا ما قد يجعلنا نتجاوز قراءة كثير من التجارب التي اكتشفنا سر جمالها، ولم تعد تحقق لنا أي إدهاش، بحثاً عن تجارب أخرى أكثر جدة. أما النجاح فهو حليف كل تجريب يقوم على مبررات فنية مقنعة، ولا يمثله سوى فئة قليلة من المبدعين؛ أما البقية فهم غالباً ما يحاكون التجارب الناجحة، وينسجون على منوالها.
• لماذا استحضرت في مجموعة «الكتابة على جهاز آيفون» بعض الرموز الشعبية ؟!
•• أعتقد أن المجموعة تحاول مقاومة السيولة الشاملة التي بدأت تطال كل شيء، ومنها ذاكرتنا. نحن أجيال باتت أعمارنا خلفنا، وتلوح لنا بمنديل أبيض؛ وما كان مني إلا أن حاولت حماية ذاكرتي الطويلة من التبخر. أعرف أنها لحظة صعبة، وتدفع بكل ما نعرفه، ونحبه، ونتقنه إلى تلك «السلة الكونية»، لذا يتشبث بعضنا بأستار الماضي، كي لا يذهب بعيداً. وربما كانت إعادة تصريف للحنين الذي نحمله بين جوانحنا كلما طعنا في السن. هي حياة عشتها، ثم عدت وتأملتها كتابة، وأرجو أن أكون قد أجلت زوالها لفترة من الزمن.
• ماذا نحتاج لتشكيل حقبة أكثر معاصرة على المستوى الفني ؟!
•• سؤال في منتهى الأهمية، ولا أعتقد أنني أملك الإجابة الشافية عنه، وقد نحتاج إلى كثير من النقاشات حول هذا الموضوع. لكن في تصوري أن «الغلاف المعلوماتي» بدأ يعيد صياغتنا بحسب إقامة كل منا داخله، وبدأنا نلحظ تأثير ذلك على شكل كتابات بعض المبدعين ورؤاهم، وكذلك على اللغة التي يكتبون بها. هناك كتاب ولدوا داخل هذا الغلاف، وآخرون يقفون على حوافه، ولا بد أن نلمس اختلافاً بين كتابات الفريقين. الفريق الذي تلقى «معرفة منظمة» بإيقاع بطيء، والآخر الذي يتلقى «معرفة مفككة»، ولكنها غزيرة، على طريقة «السوبر ماركت»، ثم يقوم بإعادة رتقها كما يحلو له. ففي الحالة الأولى يكون «الانتباه عميقاً» وموجهاً، وفي الحالة الثانية يكون التلقي حراً، ويعتمد على «كثرة الانتباه» على حد رأي ريمي ريفيل، وبالضرورة سيكون منتجهما على قدر من التباين. وبوصفنا نعيش شيئاً من «الحياة الذكية» فعلينا أن نلتقط اللحظة بأدوات لا تقل ذكاءً عنها؛ إذا أردنا نكون معاصرين على المستوى الفني والجمالي.
• ماذا يشد ذائقتك من الكتابات المعاصرة ؟!
•• حقيقة أنا منشغل بكل ما يكتب حول هذه اللحظة التاريخية. أحاول أن أفهمها من خلال كتابات علماء الاجتماع والفلسفة والتاريخ... هناك إنسان جديد يولد بحسب ميشال سار، بحس، ووعي، وطريقة تفاعل مختلفة عنا، ومشروع الأمير محمد بن سلمان يصب في هذا الاتجاه، من خلال رؤية حضارية تضع في اعتبارها الأجيال الجديدة في المملكة. أغلبنا يقاوم الغياب الاضطراري بتكثيف حضوره على مواقع التواصل، ولكن دون إنجاز معرفي ملفت. معظم ما يكتب من قبل بعض نقاد الثمانينات وما بعدها على سبيل المثال، لا يند عن كونه محاولات لتسجيل الحضور لا أكثر. هناك عجز عن إنتاج أفكار جديدة تستحق التقدير، وهناك ملتقيات نقدية مكلفة لا تخرج منها سوى بأفكار صغيرة جداً، أو بإعادة تدوير لأفكار الآخرين، وتعبر عن مرحلة ماضية طواها الزمن. نحن نعيش زمن الخلاصات، لا زمن «الثرثرات المعرفية التي تضر ولا تنفع» على حد تعبير معجب الزهراني. ينبغي أن تقدم الأفكار بصفاء شديد، وخالية من «الحشائش الضارة» التي تستهلك وقت القارئ الثمين، دون فائدة تذكر.
• يلحظ المتابع أنك معتنٍ بالتجريب، ونصك متماهٍ مع التقنية إلى حد ما، ما سر هذا الاندغام بين نصك والواقع ؟
•• أتمنى أن يكون رأيك صحيحاً ! وإن كان كذلك فأظن أن لمرونة المبدع أثرها في التجاوب مع تحولات الواقع، سواء أكان حقيقياً أم افتراضياً، وأعتقد أن أي إبداع لا يلقي بالاً إلى مثل هذه الجزئية سيقع في فخ الإعادة والتكرار، ومن ثم الاطمئنان إلى الماضي، الذي نستند إليه مثل جدار. هذا الماضي الذي لم يعد شيئاً يذكر في الزمن الرقمي، ويوميات ما بعد الحداثة، التي تسيطر فيها اللحظة المعاشة على ما عداها من لحظات. وفي هذا السياق يحضرني رأي للشاعر التركي «أورهان ولي»، أنقله معنى لا نصاً، حيث يرى أن الكاتب الذي تمر عليه 5 سنوات، ولم يحدث تغييراً في كتابته، فعليه أن يعيد النظر في ما يفعله.
• ألا تخشى غضبة الرموز، وأنت تختط مساراً مغايراً ؟!
•• لم يعد هناك من وصاية لأحد مع «نهاية عصر الخبراء»، ويفترض أن لا يكون، وبالأخص في ظل التدفق المعرفي الهائل، وزوال الحدود وانتفائها. ولم يعد هناك من معرفة للخاصة وأخرى للعامة؛ الذين كانوا بحاجة إلى من يدلهم على مصادر المعرفة ومظانها، وتشفيهها لهم. المعرفة اليوم متاحة للجميع، وبطرق يسيرة جداً، والجيل الجديد يتعلم من الجيل القديم، والعكس صحيح. ولو أخذنا الناقد على سبيل المثال، والمفترض أنه من الخبراء، فأرجو أن يتمكن من مجاراة أعمال المبدعين، رغم استحالة تلك المجاراة على الصعيد الزمني، وكل دقيقة تأخير تعني الذهاب إلى سلة محذوفات كونية؛ ستمتلئ بكتابات كثيرة، من العصر الرقمي، ومن العصور السابقة عليه.
• هل لدى عبدالرحمن الشهري مشروع ؟ وما أبرز تجليات ذلك المشروع ؟
•• أعتقد أن كل كاتب لديه هواجس إبداعية معينة، ترقى، من وجهة نظره، أن تكون مشروعاً. وأنا أحد أولئك الذين يطمحون إلى ترك أثر ما، وإن كان الخلود فكرة في غاية الطرافة في هذا العصر. والهاجس الملح بالنسبة لي؛ هو كيف لي أن أكون ضمن أفق العصر لا خارجه. نحن نعيش لحظة رقمية تتطلب جهداً مريراً في التجدد، وتقديم ما يشفع للكاتب بمواكبتها. هناك أعمال تطبع بحساسيات تجاوزها الزمن، ولم تعد لها تلك القيمة التي تستحق أن نهدر من أجلها الورق، علماً بأن الكتاب الإلكتروني وسيلة أصدق في التعبير عن اللحظة. أما على مستوى النقد فأية أطروحة أو مجموعة مقالات؛ تتم طباعتها من قبيل حصر الإرث؛ فستأتي متأخرة حتماً، مهما بذل الناقد من جهد. التحولات عميقة، وينبغي الانتباه لها، والخطاب الإبداعي يعاد تشكيله كل يوم بسرعة تفوق التصور.
• لماذا يتحول الكاتب عبر وسائل التواصل إلى ناقد ؟!
•• أعتقد أن ثنائية الكاتب/ الناقد سابقة لوسائل التواصل الاجتماعي، بسبب طبيعة الإبداع، والثقافة، والأدوار التي يقوم بها الكاتب. وما يحدث في وسائل التواصل هو حراك ثقافي عام، يشمل إنتاج الفكرة ونقيضها، وكذلك الرأي، والخبر، والنص الإبداعي. نحن في زمن إعلام الفرد، وكل واحد منا لديه صفحته الخاصة، التي يحررها بطريقته، ويقول فيها ما يريد؛ شريطة عدم الإساءة إلى الآخرين. والرأي النقدي بالضرورة يعبر عن خلفية الكاتب المعرفية، واتجاهاته الإبداعية والفنية. ولا أرى غضاضة في إطلاق آراء تنتقد الظواهر، وإن من وجهات نظر معينة. وعلينا أن ندرب أنفسنا على سماع الأصوات الأخرى؛ لأن ما يحدث من جدل نقدي صحي جداً، ومولد لمزيد من الرؤى والأفكار.
• كيف ترى أثر الصحوة على الذائقة، وعلى إنتاج الفن ؟
•• الصحوة بطبيعتها الشمولية أثرت بشكل كبير على ذائقتنا، وعلى منتجنا الفني بشكل عام. ولكن كانت هناك أعمال فنية حالفها الحظ؛ بحيث أفلتت من قبضة الصحوة؛ بفضل أفراد عملوا على مشاريعهم بعيداً عن سطوتها. تلك السطوة ذات الصبغة التربوية التي كانت تأخذ الأعمال في اتجاهات وعظية، ومعبرة عن وجهات نظر دينية؛ لا علاقة لها بالجمال بما هو قيمة عليا، ترتقي بالذوق، والروح، والأحاسيس. كلنا وقعنا في أسر خطابها، وقلة منا تنبهوا لخطرها على الفنون، وحاولوا تنقية إنتاجهم من آثارها. ولا زلت تجد صداها يتردد لدى حتى من يدعون أنهم على اتصال بشيء من الحداثة، وخاصة تلك النصوص الشعرية التي تأتي في منطقة وسطى بين الحداثة والتقليد. فالنفس التربوي واضح وجلي بحيث لا تخطئه الروح.
• ما تعليقك على من يقول «خرجنا من القبيلة ولم تخرج منا» ؟
•• القبيلة تنظيم اجتماعي قديم، يقوم على مجموعة من العادات والتقاليد والأعراف. والدولة الحديثة استوعبت هذا النظام ضمن تركيبتها؛ في محاولة للانتقال إلى مستويات انتماء أكبر وأشمل، بحيث تغدو فكرة الوطن هي الهوية الجامعة للجميع. ومع انتشار القنوات الفضائية وبروز الثقافية الشعبية في عالم ما بعد الحداثة؛ استعادت القبيلة شيئاً من وهجها، وبدأ الناس في العودة إليها بذرائع متعددة. وفي المحصلة لا بد من الاعتراف بتأثير الوعي القبلي على أبناء القبائل، لأن علاقتهم بمساقط رؤوسهم لم تنقطع، ولأن تجاوز مثل هذه الانتماءات لا يكون إلا عندما تبهت علاقة الفرد بتلك المساقط، وهذا ما نعول عليه مع مرور الوقت.
• أين تكمن إشكالية التجريب في السعودية ؟ وهل نجحت أم أخفقت ؟ وما سبب الإخفاق ؟
•• نحن مطالبون بالتجريب في كل مرحلة، وبالأخص في العصر الرقمي، وليس هناك من «إشكالية» في ذلك، ولكن قد يطمئن البعض إلى ما أنجز من تجريب، ويركن إلى إعادة استنساخ تجربته من وقت إلى آخر، دون الانحراف بها ولو قليلاً. وهذا ما قد يجعلنا نتجاوز قراءة كثير من التجارب التي اكتشفنا سر جمالها، ولم تعد تحقق لنا أي إدهاش، بحثاً عن تجارب أخرى أكثر جدة. أما النجاح فهو حليف كل تجريب يقوم على مبررات فنية مقنعة، ولا يمثله سوى فئة قليلة من المبدعين؛ أما البقية فهم غالباً ما يحاكون التجارب الناجحة، وينسجون على منوالها.
• لماذا استحضرت في مجموعة «الكتابة على جهاز آيفون» بعض الرموز الشعبية ؟!
•• أعتقد أن المجموعة تحاول مقاومة السيولة الشاملة التي بدأت تطال كل شيء، ومنها ذاكرتنا. نحن أجيال باتت أعمارنا خلفنا، وتلوح لنا بمنديل أبيض؛ وما كان مني إلا أن حاولت حماية ذاكرتي الطويلة من التبخر. أعرف أنها لحظة صعبة، وتدفع بكل ما نعرفه، ونحبه، ونتقنه إلى تلك «السلة الكونية»، لذا يتشبث بعضنا بأستار الماضي، كي لا يذهب بعيداً. وربما كانت إعادة تصريف للحنين الذي نحمله بين جوانحنا كلما طعنا في السن. هي حياة عشتها، ثم عدت وتأملتها كتابة، وأرجو أن أكون قد أجلت زوالها لفترة من الزمن.
• ماذا نحتاج لتشكيل حقبة أكثر معاصرة على المستوى الفني ؟!
•• سؤال في منتهى الأهمية، ولا أعتقد أنني أملك الإجابة الشافية عنه، وقد نحتاج إلى كثير من النقاشات حول هذا الموضوع. لكن في تصوري أن «الغلاف المعلوماتي» بدأ يعيد صياغتنا بحسب إقامة كل منا داخله، وبدأنا نلحظ تأثير ذلك على شكل كتابات بعض المبدعين ورؤاهم، وكذلك على اللغة التي يكتبون بها. هناك كتاب ولدوا داخل هذا الغلاف، وآخرون يقفون على حوافه، ولا بد أن نلمس اختلافاً بين كتابات الفريقين. الفريق الذي تلقى «معرفة منظمة» بإيقاع بطيء، والآخر الذي يتلقى «معرفة مفككة»، ولكنها غزيرة، على طريقة «السوبر ماركت»، ثم يقوم بإعادة رتقها كما يحلو له. ففي الحالة الأولى يكون «الانتباه عميقاً» وموجهاً، وفي الحالة الثانية يكون التلقي حراً، ويعتمد على «كثرة الانتباه» على حد رأي ريمي ريفيل، وبالضرورة سيكون منتجهما على قدر من التباين. وبوصفنا نعيش شيئاً من «الحياة الذكية» فعلينا أن نلتقط اللحظة بأدوات لا تقل ذكاءً عنها؛ إذا أردنا نكون معاصرين على المستوى الفني والجمالي.
• ماذا يشد ذائقتك من الكتابات المعاصرة ؟!
•• حقيقة أنا منشغل بكل ما يكتب حول هذه اللحظة التاريخية. أحاول أن أفهمها من خلال كتابات علماء الاجتماع والفلسفة والتاريخ... هناك إنسان جديد يولد بحسب ميشال سار، بحس، ووعي، وطريقة تفاعل مختلفة عنا، ومشروع الأمير محمد بن سلمان يصب في هذا الاتجاه، من خلال رؤية حضارية تضع في اعتبارها الأجيال الجديدة في المملكة. أغلبنا يقاوم الغياب الاضطراري بتكثيف حضوره على مواقع التواصل، ولكن دون إنجاز معرفي ملفت. معظم ما يكتب من قبل بعض نقاد الثمانينات وما بعدها على سبيل المثال، لا يند عن كونه محاولات لتسجيل الحضور لا أكثر. هناك عجز عن إنتاج أفكار جديدة تستحق التقدير، وهناك ملتقيات نقدية مكلفة لا تخرج منها سوى بأفكار صغيرة جداً، أو بإعادة تدوير لأفكار الآخرين، وتعبر عن مرحلة ماضية طواها الزمن. نحن نعيش زمن الخلاصات، لا زمن «الثرثرات المعرفية التي تضر ولا تنفع» على حد تعبير معجب الزهراني. ينبغي أن تقدم الأفكار بصفاء شديد، وخالية من «الحشائش الضارة» التي تستهلك وقت القارئ الثمين، دون فائدة تذكر.