كتاب ومقالات

2 مليار ريال و600 شاشة سينما في السعودية

عبدالله صادق دحلان

غداً وبعد أكثر من 50 عاماً تعود صالات السينما إلى مدينة جدة وبصفة رسمية بعيدة عن التخفي وراء الستار خوفاً من الرقيب، رغم وجودها بشكل سري من قبل نصف قرن بصفة تجارية في وسط مدينة جدة وفي كل نهاية أسبوع طوال العام، وفي مدينة الطائف تنتقل صالات السينما في فصل الصيف، ولقد تعرفنا ونقلنا من الأفلام العالمية بعض ثقافات الشعوب، وأبهرتنا أفلام هوليوود والأفلام الهندية والأفلام العربية المصرية، ولا زلنا نعيش على ذكريات تلك الأفلام رغم الصعوبات الجسيمة التي واجهت عارضي الأفلام، وكم من توقيفات واجهت القائمين عليها، وكم من مرة طردنا من أحواش عرض السينما بسبب مهاجمة المراقبين ومصادرة مكنة العرض والأفلام.

وتوقفت دور عرض السينما الهوائية المكشوفة وتحول عشاق السينما والأفلام الحديثة إلى السفر إلى مصر ولبنان ودول أخرى لمتابعة أحدث الأفلام، ومع تطور وسائل الترفيه في البحرين ودبي وانتعاش السياحة فيها تعددت دور السينما، وتحولت خارطة السفر إلى دبي والبحرين لرؤية أحدث الأفلام، وتحولت مئات ملايين الريالات للخارج لغرض الترفيه، ومنها على وجه الخصوص متابعة أحدث الأفلام، وبناءً على الطلب الشعبي لتوفير دور السينما تجاوبت الدولة مشكورة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بتوفير النظم واللوائح التي تسمح بإنشاء دور السينما لعرض الأفلام العربية والعالمية في جميع مدن المملكة وعلى وجه الخصوص المدن الكبيرة كبداية منظمة للسينما ودور العرض، وفي الحقيقة يشكر خادم الحرمين الشريفين وولي عهده على هذا القرار ذي البعد الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والذي سيسهم في نقل المعرفة والثقافات وسيعمل على توطين الملايين المهاجرة في الإجازات وتحقيق أحد أهم المتطلبات في الإجازات للمشاهد من المواطنين والمقيمين، شباباً وأطفالاً وشيوخاً.

وتمشياً مع الخطط الموضوعة لإنشاء دور العرض السينمائي يبدأ غداً الاثنين افتتاح أول دار عرض سينمائي في مدينة جدة، حيث انتهت شركة (فوكس سينما) المملوكة لمجموعة الفطيم الإماراتية من جميع الاستعدادات لإنشاء وتجهيز على أعلى المستويات لدار عرض سينما في مجمع (رد سي مول) التجاري في جدة، لتعيد تاريخ بداية أول عرض سينمائي في المملكة الذي كان رائده في مدينة جدة الأستاذ فؤاد جمجوم رحمه الله.

وستحتفل مدينة جدة غداً الاثنين 28 يناير 2019م بافتتاح 12 شاشة عرض، وهو يوم تاريخي لتشغيل دور السينما بصفة رسمية، وستكون المرحلة الثانية خلال هذا العام بافتتاح 27 شاشة عرض في مجمع (الأندلس مول) و9 شاشات في مجمع (ستارز أفينيو) و11 شاشة في مجمع (أبحر مول) و6 شاشات في مجمع (المسرة مول) خلال العام 2020.

وتخطط الجهات المعنية في المملكة لإنشاء حوالي 350 دار سينما تحتوي على أكثر من 2500 شاشة بحلول عام 2030، وبهذا تكون المملكة قد انتقلت إلى عصر جديد يركز على تنويع مناطق الاستثمار بمختلف أنواعه وعلى وجه الخصوص الحديث منه وعلى رأسها دور السينما.

إن البعد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي خلف افتتاح دور السينما سيكون له أثر كبير في اقتصاد المملكة وعلى ثقافة شعبها، وإذا كان

هناك تخوف من الآثار السلبية للسينما فإن الانفتاح على القنوات الفضائية العالمية أسوأ أثراً من دور السينما التي تعرض أفلاماً تحت رقابة منضبطة لحماية جميع طبقات المجتمع، فهي دور عرض لأفلام بعيدة عن الإساءة للدين والوطن والعادات والتقاليد، رغم أن بعض القنوات الفضائية العربية والعالمية تقدم أفلاماً وبرامج تسيء للدين والمجتمع وتخدش الحياء.

علماً بأن الشركة الإماراتية (فوكس سينما) حصلت على ترخيص باستثمار قيمته مليارا ريال وتخطط لافتتاح 600 شاشة عرض في عدد من مدن المملكة الكبيرة والصغيرة.

وتأتي جدة في المرحلة الثانية لافتتاح دور السينما بعد العاصمة الرياض حيث افتتحت شركة (amc) الأمريكية يوم 18 أبريل من العام الماضي أول دار عرض سينما في مركز الملك عبدالله المالي في الرياض مسجلة أول ترخيص سعودي لإنشاء أول دار عرض في المملكة.

ومع افتتاح دور عرض السينما في المملكة يتطلع سكان المملكة العربية السعودية إلى إنشاء دور العرض المسرحي ودخول المسرحيات العالمية والعربية للعرض المستمر في المملكة بعد أن نجحت بعض التجارب لعرض مسرحيات عربية في مدينة جدة.

لقد كنت من ضمن أوائل المتابعين للحركة الثقافية في مجال السينما والمسرح، كما طالبت من كل المنابر التي وقفت عليها بضرورة فتح المجال لدور السينما وتشجيع العمل المسرحي وبناء الأوبرا السعودية لأنها جزء من ثقافات الشعوب فهي عوامل بناء لا هدم كما يعتقد البعض، ولن تؤثر سلبياً دور السينما والأفلام المعروضة ودور المسارح والأوبرا على ثقافة كل من حضرها وواظب عليها خارج المملكة.

* كاتب اقتصادي سعودي