كتاب ومقالات

سنة أولى حديد

أريج الجهني

ازداد عدد الفتيات المشتركات في ممارسة «رفع الحديد» بشكل ملحوظ سواء في المنزل أو في بعض الصالات المخصصة لهن، بعد سنوات من الهلع والخرافات التي كانت تسكن رؤوس البعض ووهم التحول من الفتاة الرقيقة للفتاة المتوحشة، بل وجدت خلال المشاهدة والبحث أن تنميط الفتيات كان لا يعارض ممارسة الفتيات لرفع الأثقال فقط بل يعارض فكرة الرياضة بالمطلق ويروج للسمنة وزيادة الوزن ولا أظن أن فتاة لم يتغنَ لها أهلها بـ«ريانة العود» وهكذا كبرت أجيال من الفتيات منفصلات عن هاجس الصحة والرشاقة مقولبات داخل أنماط تجعلهن يغبن عن الحقيقة المرة في أن ذات الجسد الذي تغنوا به وبعد أن تنجب فلن يتردد «أبو العيال» في «التعدد» لينال رضا الفتاة «الممشوقة» وهكذا حتى تنضم الممشوقة بعد سنوات لفريق الريانات وتنضم لهن فتاة أخرى وأخرى وهكذا، نعم هناك بعض العقول الجاهلة التي تجعل حساب قيمتك من حساب وزنك، بل لا تخجل من وضعه مبرراً لانتقاصك أو القدح في شخصك.

خلال هذا العام كنت أفكر دائماً لماذا انتشرت هذه الخرافات حول الرياضة بالمجمل! تحديداً رياضة الأوزان؟ على الأقل في «جيل الثمانينات» الذي أخيراً بدأ يسترد عافيته بل أصبح جزءاً فاعلاً في صناعة القرار، لا أعلم لكن بالتأكيد أن الوعي الصحي المرتبط بالرياضة في تحسن، بدليل ما نشرته الهيئة العامة للرياضة حول ارتفاع نسبة الممارسين للرياضة في السعودية بنسبة 23% في 2018 مقارنة مع ما مضى، بالمجمل التحسن في فهم الرياضة كنمط حياة ظاهر جداً في أوساط الشباب والفتيات حالياً، لكن ماذا عن نوع ونمط ومدة الرياضة؟ ماذا عن التغذية وتبعاتها؟

للأسف الفتيات على وجه التحديد هن الأكثر معاناة، فما زال هناك شح واضح في عدد الصالات الرياضية ومستواها وجودتها وتوفر «مدربات شخصيات متمكنات»، فلا يكفي فتح صالة ووضع أجهزة سير فقط ويحسب كنادٍ، اعتقد أننا ما زلنا نسير بخطى خجولة جداً لرفع الوعي الصحي، والأدهى والأمر الأسعار الجنونية للاشتراكات الشهرية سواء للرجال أو للسيدات وهي بالطبع أغلى للسيدات، وهنا أتساءل لماذا يصل متوسط الاشتراك لمدة عام في الصالات الرياضية لما يقارب عشرة آلاف إلى 12 ألفا ويزيد، بينما اشتراك في أفضل وأرقى صالات الرياضة في بريطانيا مع مدربات متخصصات يبدأ من خمسة آلاف ريال حتى سبعة آلاف! وتكون الصالة مكتملة المواصفات ومتاحة للدخول 24 ساعة طوال أيام الأسبوع حتى في فترات الأعياد! ما دور وزارة التجارة هنا؟!

رفع الحديد بالتحديد نشاط بدني مهم، وما زال يمارس بشكل ضعيف وعشوائي، رغم فوائده وتأثيره الإيجابي على الذهن والقوام، ولمدى بعيد، كذلك صفوف الملاكمة والدفاع عن النفس، من يقوم بمتابعة كل هذه الأنشطة كمنظمات؟ ما دور وزارة الصحة؟ بشكل عام أعتقد أن حملة وزارة الصحة مؤخراً حول حساب السعرات كانت من أنجح الحملات في تاريخ «صحة الإنسان السعودي»، رغم ما طالها من تندر ودعايات سلبية من البعض إلا أنها بدأت خطوة تصحيحية، بل قدمت روابط مجانية لحساب السعرات وتوعية مناسبة، لكنها ما زالت تحتاج أن تكون أكثر وضوحاً وألاّ تتوقف في تناول موضوع السمنة فلا تحتاج سوى أن تبحث في قوقل تحت عنوان «السمنة في السعودية» لتنصدم من النسب والأرقام والوفيات، حرق السعرات لا يعني فقط «جسداً ممشوقاً» أو «وسوسة كما يظنه البعض»، بل يعني توفير فاتورة علاجات ووقاية من الأمراض لزمن طويل بإرادة الله سبحانه وتعالى، ثم بالالتزام بنمط حياة صحي يشمل «حساب كميات الأكل وما أكثر التطبيقات المجانية المساعدة في هذا»، وأيضاً برفع النمط الرياضي فالأغلب كما هو ملاحظ يميل لممارسة «الكارديو» كالمشي ونحوه.

ما تحتاج إليه الآن أن تتجه لشخصين «إخصائي التغذية صاحب الشهادة لا التجربة» و«مدرب شخصي معتمد»، حيث للأسف الكثير من أصحاب التجارب «الناجحة» في خسارة الوزن أصبحوا يوزعون نصائح مجانية قد توقعك في كارثة صحية! فإذا قررت بالفعل أن تصبح إنساناً ذا نمط صحي، لا تغامر بصحتك وتوجه لصاحب الاختصاص، ليحدد لك السعرات التي تحتاجها والنشاط البدني المطلوب، ولا تغفلوا التنسيق مع المدربين في الصالات، رغم قلتهم للأسف، خاصة في الصالات النسائية، وهذا لعله يفتح باب توظيف مستقبلي للتخصصات أعلاه، حيث يفترض أن يتم احترام التخصصية والمهنية إذا أردنا بالفعل معالجة الواقع، في الختام إن صحة الإنسان لا تأتي إلا مع الوعي، فالعمل على رفع وعي «المواطن السعودي» الذي تسعى الرؤية لصناعته يبدأ من فهمه لذاته «من أكون»، انطلاقاً لدوره «ماذا سأكون»، وصولاً لمظهره وجودة حياته «كيف سأكون»، نعم صحتكم ودوركم وهويتكم منظومة واحدة، كونوا أصحاء.

* كاتبة سعودية

areejaljahani@gmail.com