مدرسات سعوديـات في دول الخليج

هل هي بداية البحث عن وظيفة خارج الوطن

مدرسات سعوديـات في دول الخليج

إعداد: ابتهاج عدنان منياوي

مابين الرفض والقبول والدهشة والترحيب قابل المجتمع السعودي خبر سفر عدد من الخريجات السعوديات للعمل بدول الخليج في مهنة التدريس.. فلم يكن بالحسبان أن تتجه أنظار السعوديات في يوم ما للخارج بحثا عن الوظيفة بعد أن بات الحصول عليها في البلد جزءاً من معاناة لا تنتهي وحتى ان انتهت فستكون بوظيفة لا يكفي راتبها أعباء المعيشة التي أصبحت تتزايد بشكل ملفت.. والتي ساهمت بشكل أو بآخر في زيادة نسبة العنوسة من خلال تأخر سن الزواج لعدم استطاعة الشباب على إنشاء أسرة إما بسبب تدني مستوى الرواتب أو لعدم توفر وظائف للشباب أيضا إلى جانب زيادة معدلات الوفيات ضمن معلمات المناطق النائية وبدل الخطر الذي تتحمله كل معلمة ترغب في قبول الوظيفة للبحث عن دخل ثابت حتى وان كان هذا الدخل يمكن أن يخسرها حياتها كل هذه المضامين تعتبر خطوط تماس للمشكلة الأساسية وهي البطالة. قضايا حواء فتحت ملف بدء توجه السعوديات للعمل في دول الخليج مستندة على ما تم نشره مؤخرا من نزوح عدد من السعوديات للدول المجاورة للعمل في مهنة التدريس إضافة إلى ما صرحت به مديرة مجمع البيان القطري من استقبالهم لطلبات توظيف من خريجات سعوديات عبر الموقع الالكتروني للمجلس الأعلى للتعليم بدولة قطر وتوافد العشرات للتقديم الشخصي.
أرقام خطيرة
أشار آخر تقرير لعام 1428هـ صدر عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات في وزارة الاقتصاد أن نسبة البطالة في المرأة الحاصلة على شهادة البكالوريوس هي أكثر منها في الرجل الحاصل على نفس المستوى التعليمي. إذ بلغ عدد السعوديات العاطلات عن العمل ممن يحملن شهادة البكالوريوس نحو 73.4% في حين بلغ معدل العاطلين الذكور والحاصلين على شهادة البكالوريوس 36.4% من إجمالي عدد العاطلين الحاصلين على البكالوريوس.
لا انعكاسات سلبية
د.سالم سحاب أكاديمي وكاتب له وجهة نظر في هذه القضية حيث قال لست أرى في المنظور القريب أي انعكاسات سلبية لعمل السعوديات في دول الخليج لا على الصعيد الاجتماعي ولا على أي من الأصعدة الأخرى. وهنا أحب التأكيد على تحرير مصطلح «الهجرة» ليصبح (البحث عن فرصة) وحسب، فهذه المواطنة ستعود حتماً (إلا ما ندر) إلى ربوع الوطن عندما تلوح لها فرصة مقابلة في وطنها تكفل لها وظيفة مناسبة بأجر مناسب. في ظني أن مصطلح الهجرة أكبر من أن ينطبق على هذه الحالات خاصة إذا ما علمنا أن الخليج كله وطن واحد متشابه في القيم والعادات والمثل والتقاليد. وعن الإيجابيات فذكر أنها كثيرة أولها تخفيف الضغط الاجتماعي المحلي الناتج عن بطالة أنثوية متكدسة في البيوت لا تجد حلاً لأزمتها خاصة غير المتزوجة التي قد لا تجد من ينفق عليها في حين تزخر الحياة بمباهج ومتطلبات باتت مكلفة على رب الأسرة البسيط، معتبراً التوجه للعمل بدول الخليج تمازجاً بين الشقيقات الصغيرات من جهة والمملكة بصفتها الشقيقة الكبرى من جهة أخرى، وهو خيار خليجي يكفل لخليجنا شيئاً من الاستقرار والهدوء والأمن على المستوى الاجتماعي، كما يسهم في تنمية هذه المجتمعات اقتصادياً كون المواطنة السعودية ستنفق جزءاً كبيراً مما تربحه مقابل عملها في المنطقة الخليجية على عكس الوافدة الأخرى التي ترسل معظم ما تكسبه من أجر إلى وطنها الأصلي ولقد تأخرت هذه الخطوة سنوات طويلة تأخراً ساهم في تأزيم إشكالية البطالة الأنثوية وتزايد إعداد الوافدين والوافدات إلى الخليج في حين تأخرت البدائل الخليجية المتعددة ومنها عمل السعوديات هناك.
مسؤولية مشتركة
د. عفاف صلاح الياور - متخصصة في إدارة وتخطيط تربوي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة وفرع كلية التربية الأقسام الأدبية تقول: تعد قضية هجرة السعوديات للعمل بدول الخليج العربي إحدى النتائج المتوقعة لسوء التخطيط وغياب النظرة المستقبلية وضعف التنسيق بين الوزارات المختلفة مثل وزارة التربية والتعليم ووزارة الخدمة المدنية ووزارة التخطيط ووزارة العمل، وما يحدث الآن هو انعكاس لما تم إغفاله وإسقاطه من حسابات الخطط السابقة.
وإذا بحثنا في مبررات هذه الهجرة نجدها كثيرة ومتعددة فمنها ما يخص المعلمة، ومنها ما يخص أعضاء هيئة التدريس بالجامعات والكليات، ومنها ما يخص الطبيبات، ومنها ما يخص سيدات الأعمال ومنها ما يخص الإعلاميات والقائمة في ازدياد!.
والقضية لم تعد تقتصر على فئة دون الأخرى فلكل فئة مبرراتها الخاصة بها، وينبغي على المسؤولين أخذ ذلك بعين الاعتبار حتى لا نفاجأ بذلك مستقبلاً وإنما من وجهة نظري مسؤولية مشتركة بين الوزارات مثل وزارة الخدمة المدنية، ووزارة التخطيط ووزارة العمل إضافة إلى وزارة التربية والتعليم وباقي الوزارات. ومن الملاحظ منذ سنوات أن هناك أعداداً كبيرة من الخريجين والخريجات، وليس هناك قدرة للاستيعاب الوظيفي فما فائدة التقديرات المستقبلية لعدد الخريجات.. وبالمقابل غياب الخطط الإستراتيجية التي تحقق الاستغلال الأمثل لهذه الطاقات والقدرات.
أسباب ودوافع
أما إذا نظرنا إلى مبررات هجرة المعلمات على سبيل المثال هناك أسباب منها:
معظم خريجات الجامعات والكليات من التخصصات النظرية التي لا يحتاجها سوق العمل الحالي، واكتفاء وزارة التربية والتعليم من هذه التخصصات النظرية وبالتالي قلة عدد الوظائف مقابل زيادة عدد الخريجات بالرغم من خلو بعضها بالتقاعد أو خلافه.. إلا أن قائمة الانتظار في تضخم مستمر مع ضعف الرواتب وما يقابله من غلاء في المعيشة وارتفاع في الأسعار وزيادة البطالة النسائية.. فبالرغم من أن المرأة تشكل نصف عدد السكان في المملكة إلا أن مشاركتها في سوق العمل لا يتجاوز 12.5% ما يعني أن هناك 87.5% قوة معطلة بالإضافة إلى عدم توفر بيئة مناسبة وتسهيلات تعينها في تحمل الحياة، وكذلك عدم ربط خطة التعليم العالي باحتياجات التنمية.
وتضيف الياور انه وبالرغم من أن البعض يرى بعض الإيجابيات في هذه الهجرة.. إلا أنه من جهة نظري تظل الغربة غربة، فلا يوجد مثل تراب الوطن وهوائه وشمسه ومائه، فمهما كانت المغريات خارج الوطن، إلا أن المعاناة تكون كبيرة، حتى لو كانت في دول الجوار ومن الانعكاسات السلبية البعد عن المجتمع، عن الأهل، عن الوطن، الإحساس بالغربة والبعد الروحي والجسدي عن الوطن، الانصهار في مجتمع مهما يكن قربه يظل بعيداً، الزواج من غير السعوديين وما يترتب على ذلك من آثار خاصة في حالات الإنجاب وحدوث الانفصال، الانتماء لمجتمع آخر، وفي حالة ترك الأسرة في السعودية والذهاب إلى العمل دونها، فإنه يترتب على ذلك تفكك أسري وعدم الاستقرار والشعور بالاطمئنان.
مؤشر لزيادة البطالة النسائية
وتؤكد د.عفاف أن هذا النزوح ما هو إلا مؤشر هام على زيادة البطالة النسائية فليس من السهل على الإنسان أن يترك وطنه ومجتمعه، إلا لسبب يتعلق بالرزق وسد الاحتياج.
البحث عن وظيفة
د. زهير عبدالله دمنهوري وكيل جامعة الملك عبدالعزيز للتطوير- علق قائلاً علينا البحث عن الأسباب التي أدت إلى توجه هذه الأعداد من السعوديات للعمل في دول الخليج في أول فرصة سنحت لذلك بل وفي أول شهر تقريبا من سماح الأنظمة لذلك. ومن المؤكد أن توجههن للعمل ليس من باب الترف أو الفسحة أو التغيير ولكن هناك ظروفا معينة أدت إلى هذا التوجه وهو البحث عن الوظيفة المناسبة. وعلينا أن لا نستبق الأحداث من ناحية الانعكاسات السلبية على الصعيد الاجتماعي حيث لابد من المتخصصين في علم الاجتماع والتخصصات الإنسانية ذات العلاقة أن تستشرف هذه الظاهرة ونتائجها على الصعيد الاجتماعي.
توسيع فرص العمل للسعوديات
وأضاف لابد من إيجاد فرص وظيفية مناسبة ومشجعة ماديا لهؤلاء السعوديات. فالعمل بالنسبة لهن ضرورة في هذا العصر وفي هذه الظروف الحالية. ولابد من تضافر كافة الجهود من قبل جميع الجهات المختصة لإيجاد فرص وظيفية وفتح مجالات متعددة مناسبة وتأهيل وتدريب من يحتاج منهن بالمهارات المطلوبة للعمل. مشيرا إلى ان توجه أعداد من السعوديات للعمل في دول الخليج هو دليل على أن معدل البطالة النسائية في ازدياد. حيث أن العمل الآن لأي سعودية متعلمة ومؤهلة أصبح مطلباً ودعماً للتنمية الاجتماعية والاقتصادية. فالمرأة السعودية أثبتت قدرتها على العطاء والمساهمة في المجالات المتاحة لها مثل: التعليم والطب والأعمال التجارية وغيرها. ولابد من توسيع هذه المجالات في إطار ما يمكن السماح به حتى تخطو عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المملكة خطوات أسرع.
ظاهرة غير مسبوقة
من وجهة نظر أفراح العطاس إعلامية وباحثة في شؤون المرأة ان هذه ظاهرة غير مسبوقة تستحق التوقف للتساؤل عن الأسباب التي دفعت السعوديات للعمل في الخارج.. واعتقد ان السبب يعود إلى زيادة نسبة البطالة في المملكة وخاصة بين خريجي الجامعات.
انعكاسات سلبية
د.هدى باطويل أستاذ مشارك بقسم المكتبات بجامعة الملك عبدالعزيز تتفق مع ما سبق وتضيف قائلة لاشك إن هجرة المعلمات السعوديات لدول الخليج العربي له انعكاسات ايجابية وسلبية في آن واحد فاستمرار هجرة المعلمات السعوديات سيؤثر على المدى الطويل في وجود نقص حاد في بعض التخصصات، مما يؤدي إلى الاعتماد على استقدام المعلمات من خارج الوطن مرة أخرى، فضلاً عن ما يترتب على الغربة من مشاكل من بعد عن الأهل والأصدقاء، والتفكك الأسري الذي يترتب على هجرة المعلمة المتزوجة. لزوجها وبيتها وسيتسبب في تأخر سن الزواج عند الفتيات رغبة في العمل وكــسب لقمة العيش مما يؤدي إلى وجود خلل في الديمــوغرافية الــسكانية علاوة على المشاكل النفسية والاجتماعية المترتبة على غياب الأم المهاجرة. مضيفة أن هناك عوامل يمكن أن تساهم على العودة منها توفير فرص عمل مناسبة وصرف رواتب مجزية وأن تستحدث وزارة الخدمة المدنية وظائف جديدة لاستيعاب اكبر عدد ممكن من الخريجات وأن ينهض القطاع الخاص بدوره في هذا المجال. وتقديم المغريات المادية الأخرى.
ورفع مدة إجازة الأمومة إلى 6 أشهر وخفض سن التقاعد إلى 20 عاما.