كتاب ومقالات

أوبرا بسمة العتيبي

أريج الجهني

بسمة العتيبي التي ظهرت في أقل من شهر بعد مرور قضيةٍ مست نمط حياة الفتيات السعوديات عالميا، وكرست الظلم والاضطهاد الذي ينمطه العالم لنا كنساء سعوديات، ويتلذذون برؤية أو سماع أي قصة لتأكيدها. ظهرت بسمة لتعيد البسمة لكل من يعي معنى أن تظهر للعالم بأفضل ما عندك، وقفت كملكة متوجة بثوبها الذهبي وملامحها العريقة المتوهجة، أضاءت أركان المكان بصوتها وأكدت ميلاد عهد جديد للمرأة ببريق عينيها الحالمتين.

أن تظهر بسمة في هذا التوقيت بالذات هو أمر فني وثقافي وسياسي جميل، فالأوبرا بحد ذاتها فن طال انتظاره، وكنت دائما أتساءل إذا كان لدينا دار أوبرا، فمن الأصوات السعودية التي ستقف لتحييها؟ فالأوبرا فن عريق يشمل الغناء والكتابة والتمثيل لفكرة تمثل ثقافة المكان، وهي في العادة تحكي تاريخ حقبة زمنية أيضا، فما أجمل أن يُعد من الآن عمل فني لهذه الموهبة في حفل وطني رفيع المستوى بعنوان «أوبرا بسمة» على غرار «أوبرا عايدة»، الملحمة العالمية الشهيرة عمل يحكي الواقع الذي نعيشه الآن مع القفزة المجتمعية التي تحققت بحكمة قادة البلاد وعزيمة الشعب ووفائهم، عمل يحكي مستقبلا مشرقا للمرأة تتوسطه وتنطلق منه.

إن ذائقة المجتمع السعودي تتوق لكافة ألوان الفنون، وهذا ما أكد عليه الكاتب رجاء العتيبي في جريدة الجزيرة في مقال تحت عنوان فن الأوبرا «لا يمكن أن نقول إن الأوبرا فن جديد على الجماهير السعودية، الجمهور السعودي عندما يشاهدها على مسارحنا لن يسألوا عن اسمها وشكلها ونوعها، وستكون ضمن جدولهم في عطلة نهاية الأسبوع»، وأتفق تماما مع هذا، والواقع أثبت بالأرقام أعداد المتطلعين للفن والمتفاعلين معه، بل إن افتتاح دار أوبرا خاصة للفن السعودي سيكون رافدا ثقافيا واقتصاديا متميزا، وقد أعلنت هيئة الترفيه في وقت سابق أنها تعتزم هذا على أن تكون الدار في مدينة جدة، وحتى اللحظة نحن في انتظار الإعلان الرسمي عنها، والأهم أن تستقطب الطاقات الشابة مثل بسمة لتقدم عملا أوبراليا وطنيا يحكي سيرة أمل.

على الجهة الأخرى وفي الجانب الرمادي، لم أندهش من محاولة البعض تعكير صفو هذا الحضور العالمي المسالم والمطلوب، فالفن هو اللغة التي تفهمها الشعوب وتقدرها، لكن للأسف رغم هذا لم يتردد البعض من منازعة هذه الفتاة في تاريخ حياتها، وهي ابنة الألفين التي تجاوزت هذه اللغة، وكوني فتاة قبيلية وجدت أنه من المهم التحدث عن صعوبة الظهور والحضور في بعض الأحيان للفتيات القبيليات، فمهما كان مجتمع أسرتها متفهما، ما زال البعض يعيش بعقلية متصدعة، خلطت الانتماء والعاطفة بالقرارات الفردية والأمور الاختيارية التي لا تضر أحدا!، بل تجد البعض يردد «فلانة لا تمثلنا، علانة ليست منّا»، وهكذا تبدأ مسلسلات هزلية، ومراهنات على قرارات الفتيات من مختلف الفئات.

الأوبرا «صوت»، والمرأة خسرت صوتها لسنوات جعلوها عورة، جعلوها نكرة، طمسوها من الصورة ومن كل مكان. إن جوهر الفكر النسوي بمختلف توجهاته هو فكرة «الصوت»، أن تتحدث المرأة عن نفسها، عن مشاكلها، عن حاجاتها، أن تقدم منتجات فنية وعملية، نعم هناك أصوات نسائية قدمت نفسها عبر الزمن إما لقوتها وإما لدعم محيطها، ونعتز ونفتخر بها، لكن الرائع في رؤية ٢٠٣٠ أن المرأة اليوم تقف على أرضية صلبة بقوانين وقرارات أخرست الاجتهادات وحطمت تابوهات جعلت الكثير من الفتيات يعانين لسنوات، نعم ما زال الطريق طويلا والتغيير الثقافي أطولها، لكن حضور الفتيات محافل عالمية مختلفة خطوة تحسب للسعوديات، في حين تخاذل البعض في تحسين صورة الوطن واختار الصمت، بسمة صعدت للمسرح وقدمت صوتها للعالم، شكرا يا بسمة وأتمنى أن أكون أول الحضور لحفلك.

* كاتبة سعودية

areejaljahani@gmail.com