كتاب ومقالات

تصحيح الأخطاء

أسامة يماني

تصحيح الأخطاء سنة من سنن الحياة والكون، وهو مؤشر على صحة وحيوية وسلامة ونشاط الجهاز المناعي للإنسان، فالمبادرة بتصحيح الخلل الذي يُصيب الجسم دليل على قدرة الجسم على النمو والبناء والتجديد ومواجهة الأخطار والآثار الضارة تلقائياً دون الحاجة إلى مساعدات خارجية، فهو يُخرج دواءه منه ويُعالج ذاته من داخله.

حتى الطبيعة تصحح الآثار المترتبة على التلوث أو الدمار الناجم عن الحوادث أو البراكين والزلازل أو الحرائق، وتُعيد البيئة لحالتها الطبيعية قبل ما جرى عليها من آثار مدمرة.

وهذا التصحيح التلقائي في الجسد الإنساني والطبيعة، نستخلص منه درساً هاماً هو ضرورة العمل باستمرار على تصحيح الأخطاء التي نقع فيها أو نرتكبها، لأن الإنسان الذي يحرص ويسعى دائماً لأصلاح أخطائه يُحقق لذاته العديد من المنافع، لعل أهمها اكتشاف نقاط ومكامن الضعف لديه؛ لإن إصلاح الخطأ يتطلب معرفة واستيعاب المسببات والأسباب التي أدت إلى ارتكاب الخطأ، ومعرفة الظروف المحيطة التي أدت إلى الوقوع فيه، وبتلك المعرفة يمكن تقوية نقاط الضعف، وإصلاح الخلل في السياق، بما يضمن عدم الوقوع في الأخطاء مرة أخرى عند توفر الرغبة والإرادة للقيام بذلك.

ويمكن القول إن تصحيح الأخطاء مطلب ضروري للأفراد والشركات والمجتمع والدولة وكافة المؤسسات والكيانات القانونية، وبدون القيام بتلك العملية الضرورية التصحيحية سوف يستمر الخلل والضرر ويتفاقم الداء ويتحول إلى مرض مزمن غير قابل للشفاء في معظم الحالات.

ولهذا يجب الاستفادة من التجارب واستخلاص العبر من الآخرين، فالمؤسسات في الغرب لديها آلية متجددة للتقييم والتقويم، ولهذا يصحح الغرب أخطاءه وسياسته ويراجعها باستمرار.

وكل دول العالم المتقدمة صارت كذلك لأنها تُصلح باستمرار أخطاءها وتجدد أهدافها وآلياتها ومفاهيمها؛ فالصين لم تنكفئ على مذهبها الشيوعي المتشدد وثورتها وأفكار مفكرها المفكر والزعيم السكرتير الأول «تشن شياو دو»، بل ابتعدت أيضاً عن نهج «ماو تسي تونغ»، وقامت بتطوير فلسفتها الحاكمة ونظامها وآليات اتخاذ القرار في مؤسساتها، لتتمكن من تحقيق الأهداف التي طمحت لبلوغها، ودون أن تتبع شكل ونظام حكم الدول الأخرى، التي تبنت الديموقراطية كمنهاج حكم و إدارة.

إن التعلم من الفشل ومن العثرات والتعرف على الطرق المسدودة التي تستوجب عدم الولوج فيها أو الذهاب عبرها، واختيار وتجريب طرق أخرى أو أبواب مختلفة، يُعد أحد أهم وسائل إصلاح الأخطاء، مع الحرص على تجنب طرق التفكير التي تنطلق من المعطيات والمنطلقات التي ثبت عدم جدواها وفشلها، لأنها لن توصلنا إلى الهدف المنشود.

والنهضة لن تكون بالارتداد للماضي، وإنما بالنظر للمستقبل والاستعداد له، وبإدراك أن القوة ليست دائماً هي القوة المادية الصلبة، وإنما هناك أيضاً قوة ناعمة فعالة، نستطيع بها تجنب المخاطر، وجعل الثروة في العقول وليس في الوفرة المادية.

ولهذا أقول في النهاية: إن الأخطاء التي يُعاد استنساخها وارتكابها نتيجة خلل في طريقة التفكير والقناعات والمفاهيم، هي دلالة واضحة على الضعف والمرض والتخلف، ولهذا لن ينفع امتلاك مبنى مدرسة متطور طالما الفكر الذي يدير المبنى يعيش في الماضي، وبنفس القناعات والمنطلقات التي عفا عليها الزمن. وأن تصويب الأخطاء والسعي للتطوير لن يكون بتعديل الشكل وإنما بتغيير الفكر والمفاهيم والمضمون، وبدون ذلك سوف نذهب في سعينا إلى طريق مسدود.

* مستشار قانوني

@osamayamani

yamani.osama@gmail.com