لماذا يحاربون هيئة الغذاء والدواء في المقاصف المدرسية؟
الاثنين / 14 / جمادى الآخرة / 1440 هـ الثلاثاء 19 فبراير 2019 00:38
عبداللطيف الضويحي
لأسباب ربما نفسية أو إدارية، هناك وزارات، تستمتع بالهروب من مسؤولياتها إلى مسؤوليات وزارات ومؤسسات حكومية أخرى على حساب الجودة في كلتا الحالتين. وزارات تهرب مما يجب إلى ما يستحب. فلماذا يا ترى تتنصل هذه الوزارات والمؤسسات من دورها الرئيس وتهمل مهامها الفنية التخصصية المحورية وتقصر بأدائها، في حين أنها تتفانى في مشاكسة ومناكفة وزارات ومؤسسات أخرى على مهام ومسؤوليات تلك المؤسسات.
إنها عقلية لا تعمل إلا في ظل المنافسة، وهي منافسة في الغالب غير صحية. إنها وزارات تصر على أن تكون علاقاتها مع الوزارات الأخرى علاقة تنافسية بدلا من العلاقة التكاملية معها. وهذا يخالف بطبيعة الحال فلسفة العمل الحكومي، التي يقوم على أن كل مؤسسة حكومية مناط بها عمل لا يتكرر ولا يتداخل مع جهة حكومية أخرى.
المقصف المدرسي ضحية هيمنة وسيطرة الثنائي: وزارة الصحة ووزارة التعليم، حيث تحوّل معها المقصف المدرسي إلى بقالة تماما لا تختلف عن أي بقالة. بقالة تغيب عنها إدارة المدرسة والمراكز الصحية المناط بها المراقبة، بحيث أصبح المتعهد هو رقيب نفسه دون رقيب، وأغلبهم يقول إن ما يربحه هو التشبس والغازيات والحلويات.
الذين يتحدثون عن أن تحسنا طرأ على نوعية الغذاء في المقصف المدرسي بعد أن انتقلت مسؤوليته من التعليم إلى الصحة المدرسية، واهمون، لأن الجديد في الأمر هو فقط زيادة الإجراءات.
تخيلوا يا سادة يا كرام أن المركز الصحي الذي قليلا ما ينضبط العاملون فيه بساعات دوامهم، هو الذي يقوم بمراقبة المقصف المدرسي. (المتعوس وخايب الرجاء) أو تكون الرقابة عن طريق الإبلاغ على الرقم المخصص، والذي لا يتأخر طويلا حتى يبعث لك برسالة يفيدك بها بأنه قد تم إغلاق الملف.
التنافس مع هيئة الغذاء والدواء ليس محصورا في وزارتي الصحة والتعليم، فنفس المشكلة تعانيها هيئة الغذاء والدواء مع وزارة الشؤون البلدية والقروية، بتدخلها في رقابة المطاعم والمحلات وهي وزارة تنوء بحملها في ما هو في صميم عملها. هذا ما أعرفه وقد تكون هناك جهات حكومية أخرى لا تزال تعتقد أن الغذاء صنعتها وشغلتها ولا تريد أن تفرط به وتعطي الخبز لخبازه.
ينص قرار تأسيس هيئة الغذاء والدواء على «إن الغرض الأساسي من إنشاء الهيئة هو القيام بتنظيم ومراقبة والإشراف على الغذاء والدواء والأجهزة الطبية والتشخيصية». لماذا لا تسند مهمة المقاصف المدرسية إلى هيئة الغذاء والدواء؟ أليست هيئة الغذاء والدواء هي المعنية بالغذاء؟ أليس الطلاب والطالبات شريحة كبيرة من المجتمع وتستحق العناية والرعاية الكاملة لغذائهم؟ أليس الغذاء الجيد والمفيد، كفيلا بتخفيف عبء الأمراض والضغوط الهائلة على المستشفيات؟ أليس من مصلحة وزارة الصحة أن تسند غذاء الطلاب والطالبات لجهة مختصة بالغذاء، لكي يخف الضغط على خدماتها الصحية لأمراض يمكن الحد منها وتقليصها لو التفتنا بجدية لثقافة الغذاء وسلوك الغذاء في المدرسة وفي البيت بما في ذلك تسليم المقاصف بإدارتها وتنظيمها ومراقبتها وتطويرها إلى هيئة الغذاء والدواء.
ما الذي تستطيع أن تقدمه وزارة التعليم أو وزارة الصحة لغذاء الطلاب والطالبات، والوزارتان لم تنجحا بتقديم قصة نجاح غذائية يمكن أن تشفع لهما في تغييبهما لدور هيئة الغذاء والدواء عن المقاصف المدرسية، مع العلم أن التعليم والصحة كل منهما ممثل في مجلس إدارة هيئة الغذاء والدواء، ووزير الصحة هو رئيس مجلس إدارة هيئة الغذاء والدواء. فأين الخلل؟ ومن المتسبب بغياب أو تغييب هيئة الغذاء والدواء عن المقصف المدرسي وعن غذاء مفيد وصحي للطلاب والطالبات.
إنني أطالب بإقامة هيئة الغذاء والدواء مسؤولةً مسؤولية كاملة عن المقاصف المدرسية والغذاء الصحي المفيد لأبنائنا وبناتنا في المدارس، ليس من باب الرقابة فقط على ما يتم بيعه في المقاصف، ولكني أتوقع أنها ستقوم بتوعية الطلبة بالضار والمفيد من الغذاء.
منذ أيام كانت ابنتي ندى تتهيأ لحفل يوم الشواء الذي وعدتها وزميلاتها المدرسة بأن يقمن بالشواء والطبخ، لكن فرحتها لم تدم طويلا فتبخرت وتلاشت، عندما قررت المدرسة بأن يطلبوا الأكل من المطاعم، بدلا من أن تقوم البنات بالشواء وأن تستثمر المدرسة ذلك بالتوعية بنوعية الغذاء وطريقة الطهي.
أخيرا، أريد أن أذكر معالي وزير الصحة ومعالي وزير التعليم بمقال كتبته منذ أسابيع، بعنوان «الصحة والتعليم وإلزامية فحص الفيتامين للطلبة والطالبات»، وفيه أرى أن أمراض السمنة والسكر وكثيرا من الأمراض المنتشرة بين الأطفال والشباب تدق جرس الخطر وتضع علامات استفهام حول الغذاء وسوء التغذية، مما يستدعي تنسيق الجهود بين الصحة والتعليم لإجراء فحوصات إلزامية لكل الطلاب والطالبات واختبار حالتهم الغذائية خاصة مع تفاقم مشكلات نقص عناصر الفيتامينات والمعادن في السنوات الأخيرة.
* كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org
إنها عقلية لا تعمل إلا في ظل المنافسة، وهي منافسة في الغالب غير صحية. إنها وزارات تصر على أن تكون علاقاتها مع الوزارات الأخرى علاقة تنافسية بدلا من العلاقة التكاملية معها. وهذا يخالف بطبيعة الحال فلسفة العمل الحكومي، التي يقوم على أن كل مؤسسة حكومية مناط بها عمل لا يتكرر ولا يتداخل مع جهة حكومية أخرى.
المقصف المدرسي ضحية هيمنة وسيطرة الثنائي: وزارة الصحة ووزارة التعليم، حيث تحوّل معها المقصف المدرسي إلى بقالة تماما لا تختلف عن أي بقالة. بقالة تغيب عنها إدارة المدرسة والمراكز الصحية المناط بها المراقبة، بحيث أصبح المتعهد هو رقيب نفسه دون رقيب، وأغلبهم يقول إن ما يربحه هو التشبس والغازيات والحلويات.
الذين يتحدثون عن أن تحسنا طرأ على نوعية الغذاء في المقصف المدرسي بعد أن انتقلت مسؤوليته من التعليم إلى الصحة المدرسية، واهمون، لأن الجديد في الأمر هو فقط زيادة الإجراءات.
تخيلوا يا سادة يا كرام أن المركز الصحي الذي قليلا ما ينضبط العاملون فيه بساعات دوامهم، هو الذي يقوم بمراقبة المقصف المدرسي. (المتعوس وخايب الرجاء) أو تكون الرقابة عن طريق الإبلاغ على الرقم المخصص، والذي لا يتأخر طويلا حتى يبعث لك برسالة يفيدك بها بأنه قد تم إغلاق الملف.
التنافس مع هيئة الغذاء والدواء ليس محصورا في وزارتي الصحة والتعليم، فنفس المشكلة تعانيها هيئة الغذاء والدواء مع وزارة الشؤون البلدية والقروية، بتدخلها في رقابة المطاعم والمحلات وهي وزارة تنوء بحملها في ما هو في صميم عملها. هذا ما أعرفه وقد تكون هناك جهات حكومية أخرى لا تزال تعتقد أن الغذاء صنعتها وشغلتها ولا تريد أن تفرط به وتعطي الخبز لخبازه.
ينص قرار تأسيس هيئة الغذاء والدواء على «إن الغرض الأساسي من إنشاء الهيئة هو القيام بتنظيم ومراقبة والإشراف على الغذاء والدواء والأجهزة الطبية والتشخيصية». لماذا لا تسند مهمة المقاصف المدرسية إلى هيئة الغذاء والدواء؟ أليست هيئة الغذاء والدواء هي المعنية بالغذاء؟ أليس الطلاب والطالبات شريحة كبيرة من المجتمع وتستحق العناية والرعاية الكاملة لغذائهم؟ أليس الغذاء الجيد والمفيد، كفيلا بتخفيف عبء الأمراض والضغوط الهائلة على المستشفيات؟ أليس من مصلحة وزارة الصحة أن تسند غذاء الطلاب والطالبات لجهة مختصة بالغذاء، لكي يخف الضغط على خدماتها الصحية لأمراض يمكن الحد منها وتقليصها لو التفتنا بجدية لثقافة الغذاء وسلوك الغذاء في المدرسة وفي البيت بما في ذلك تسليم المقاصف بإدارتها وتنظيمها ومراقبتها وتطويرها إلى هيئة الغذاء والدواء.
ما الذي تستطيع أن تقدمه وزارة التعليم أو وزارة الصحة لغذاء الطلاب والطالبات، والوزارتان لم تنجحا بتقديم قصة نجاح غذائية يمكن أن تشفع لهما في تغييبهما لدور هيئة الغذاء والدواء عن المقاصف المدرسية، مع العلم أن التعليم والصحة كل منهما ممثل في مجلس إدارة هيئة الغذاء والدواء، ووزير الصحة هو رئيس مجلس إدارة هيئة الغذاء والدواء. فأين الخلل؟ ومن المتسبب بغياب أو تغييب هيئة الغذاء والدواء عن المقصف المدرسي وعن غذاء مفيد وصحي للطلاب والطالبات.
إنني أطالب بإقامة هيئة الغذاء والدواء مسؤولةً مسؤولية كاملة عن المقاصف المدرسية والغذاء الصحي المفيد لأبنائنا وبناتنا في المدارس، ليس من باب الرقابة فقط على ما يتم بيعه في المقاصف، ولكني أتوقع أنها ستقوم بتوعية الطلبة بالضار والمفيد من الغذاء.
منذ أيام كانت ابنتي ندى تتهيأ لحفل يوم الشواء الذي وعدتها وزميلاتها المدرسة بأن يقمن بالشواء والطبخ، لكن فرحتها لم تدم طويلا فتبخرت وتلاشت، عندما قررت المدرسة بأن يطلبوا الأكل من المطاعم، بدلا من أن تقوم البنات بالشواء وأن تستثمر المدرسة ذلك بالتوعية بنوعية الغذاء وطريقة الطهي.
أخيرا، أريد أن أذكر معالي وزير الصحة ومعالي وزير التعليم بمقال كتبته منذ أسابيع، بعنوان «الصحة والتعليم وإلزامية فحص الفيتامين للطلبة والطالبات»، وفيه أرى أن أمراض السمنة والسكر وكثيرا من الأمراض المنتشرة بين الأطفال والشباب تدق جرس الخطر وتضع علامات استفهام حول الغذاء وسوء التغذية، مما يستدعي تنسيق الجهود بين الصحة والتعليم لإجراء فحوصات إلزامية لكل الطلاب والطالبات واختبار حالتهم الغذائية خاصة مع تفاقم مشكلات نقص عناصر الفيتامينات والمعادن في السنوات الأخيرة.
* كاتب سعودي
Dwaihi@agfund.org