الشمري لـ عكاظ : نحتاج أن نجتهد في فهم أنفسنا من خلال أشباهنا في هذا العالم
راهن من خلال «عبقرية اللغة» على أن الكثير يمرُّ بما لم يتمكن من التعبير عنه
السبت / 18 / جمادى الآخرة / 1440 هـ السبت 23 فبراير 2019 04:06
أروى المهنا (الرياض) arwa_almohanna@
يخلق 15 كاتبا وكاتبة هوامش فلسفية عميقة تجاه اللغة! مؤكدين بطريقة غير مباشرة عظمة الأبجدية وبعد «عبقرية اللغة».. يتعاظم هذا الشعور، يتعاظم الهاجس، وتتعاظم الفلسفة، يأتي العمل من تحرير وتقديم الكاتبة الأمريكية ويندي ليسر، وترجمة المترجم السعودي حمد الشمري، نقترب أكثر لعوالم الكتاب ولطريقة تناول كل كاتب وكاتبة للمشاعر الحرة في دواخلهم، لمحاولة إطلاقها كما هي دون خوف، دون تنميق، دون تردد من خلال الحوار مع حمد الشمري:
• كيف يمكن للغة أن تفصح عن نفسها؟
•• هذا سؤال مرهق لأنني وفي أحاديثي مع الأصدقاء، التي يفضلون تسميتها نقاشا أو حوارا أكتشف أن معنى اللغة الذي أريده مختلفا عما يريدون! وهذا الاختلاف في التصورات مهم جدا أحيانا لبيان الموضوع محل الخلاف أو غير مهم أحيانا حين يكون المسمى هو الأهم وليس الاسم كما جاء في مقدمة محررة كتاب «عبقرية اللغة» ويندي ليسير حين قالت: «والحقيقة أن مفهوم اللغة كله قد لا يكون بهذا الوضوح المزعوم».
لذا فمن هي اللغة أو ما هي اللغة إن شئتِ كي نحاول تتبع خطواتها وآثارها التي تفصح عن نفسها من خلالها؟ فمن المنطلق اللساني تفصح اللغة عن نفسها عبر خصائص لغوية: صوتية وصرفية ونحوية.. خاصة عند اغترابها أو اغتراب لسان أبنائها. وأحيانا تفصح اللغة عن نفسها على شكل نكتة، أغنية، طبق طعام. أذكر أن كتاب (The Language of Baklava) بمعنى «لغة البقلاوة» كان من أوائل ما قرأت بالإنجليزية وهو لبروفيسورة أمريكية في جامعتي التي درست بها. ديانا أبو جابر، أبوها أردني وأمها أمريكية، وألَّفتْ هذا السِفْرَ الماتع لتقصَّ علينا من حكايات طفولتها مستخدمة الطعامَ وثقافتَه ولغتَه كعلامة «لغوية» مهمة بين ثقافة أمها الأمريكية وأبيها الأردني، والشكل الأبرز لإفصاح اللغة عن نفسها هو الإنسان بكل ما تعنيه اللغة وبكل ما يعنيه الإنسان. مثل طفل لا يمكنه أن يحفظ أسرار أسرته أمام معلميه وأقرانه.
• هل يمكن للغة تقويض القضايا بما يتناسب مع تاريخها؟
•• الحقيقة أن الناطقين بلغة أو بأخرى أو بأكثر من لغة قد يمارسون ما نسميه الخيارات المتعمدة (marked choices) التي تعني أنهم يقومون أثناء كلامهم باستخدام اللغة أو وجه من وجوهها للانتصار في جدال معين أو لبيان موقفهم من شيء معين. واللغات كما هو معلوم ليست محايدة فهي تحضر بمعيَّة حمولاتها التاريخية ولاشك، لكن عدم حياد الناس كذلك في ممارساتهم اللغوية يضيف لما تحمله اللغة معاني أخرى. أذكر مرة حديثا «محتدما» بعض الشيء مع بعض الأصدقاء عن الجمال ومعاييره. الذي حصل أن أحد المشاركين في ذلك الحديث تحول فجأة من كلامه بالعامية -كما كنا نفعل جميعا- إلى كلامه الفصحى ظانًّا أنه يصبغ رأيه بشيء من الرجاحة فقط لأنه نطقه بالفصحى. لا أجزم أن تلك كانت نيته لكنها حتما قراءتي اللغوية والثقافية لفعله ومدلولاته. مثل هذه الممارسات هي التي تجعل اللغة -أي لغة- أداة تقويض أو استحسان أو ترجيح في كثير من المسائل.
• راهنت على كسب ثقة القارئ كشاهد على «عبقرية اللغة».. هل كسبت الرهان؟
•• إن ما راهنت عليه فيما يخص ترجمة «عبقرية اللغة» وتقديمه للقارئ العربي هو أن تلامس فيه حكايات هؤلاء الأفراد المشاركين ما قد نعيشه على الصعيد الفردي أو الجمعي. راهنت على أن كثيرا منا يمرُّ بما لم يتمكن من التعبير عنه، فيجده منحوتا أمامه بأحرف يملأها الصدق والشفافية والبساطة. زعمت أن ثمة مصباحا كهربائيا سيظهر فجأةً فوق رؤوس بعض القراء -مثلما يحدث في الصور الكرتونية- عند بزوغ فكرة ما أثناء القراءة. لقد قلتُ أنا كثيرا عند بعض مواضع قراءتي للنص الإنجليزي «هذا تماما ما كنت أريد قوله».. لم أقله لكنه قيل ممن يشبهني بشكل أو بآخر على وجه هذه الأرض. وهذا الملمح قد جاء على لسان الروائية الأمريكية/ الهندية بهارتي موكرجي المشاركة في كتابنا بمقالتها (طريق العودة) حين حكتْ عن تشابه ملاحم الشعر والقصص والحكايات بين شعوب عالمنا. هذا الإحساس بالحميمية مع الكتاب هو ما جعلني أتأخر في ترجمته كثيرا، لأن الكتاب يحكي حكاية النفس بأعمق ما تكون. تأخرت محاولا أن أنقل الشعور والحب الذي وقع بيني وبين الكتاب. تمنيتُ فعلا أن ينال الكتاب قبولا عربيا يشبه شعوري عند لقياه. أتمنى أنني وفقت في ذلك. وأتمنى كما قالت ويندي ليسير في مقدمتها أن «نتعلم من كتَّاب الرواية، والمسرحية، والنقد، والصحافة الأدبية، أمرا لم يكن لنا أن نتعلمه من علماء اللغة».
• اللغة الإنجليزية جافة ولا إثارة فيها حسبما ترى الروائية الهندية الأمريكية موكرجي، كيف تتعامل بدورك مع الإنجليزية؟
•• الإنجليزية بالنسبة لي هي لغة تجربة إنسانية عظيمة مررت بها لسنوات مهمة من حياتي. تلك الفترة اعتراها التعرف على عوالم جديدة أتحسسها وأتعرف على ملامحها وأول مناطق تلك العوالم كانت نفسي أنا. الحقيقة أن لا أؤمن بجفاف اللغات البشرية على الإطلاق ولو بالنسبية لا أؤمن بها. عبر الإنجليزية وفي أيامها ومضاربها تعرفت على الكثير من النصوص الأدبية التي يملأها الندى والجمال والعاطفة، وتعرفت على الكثير من النباتات والأزهار والعطور، وتعرفت على الكثير من الأساتذة والجيران والزملاء والأصدقاء، وكنت أعبر عن نفسي بقيد أقل. أنا لا أشعر لا بالجفاف ولا بقلة التعبير التي تقال عنها حتى إن كان مصدر هذا القول بعض أهلها أحيانا. لقد عشت حالة من الثراء اللغوي وتوسع في المجازات كما حصل للكاتب اليوناني نيكولاس باباندريو حين قال: «كنت أرى أن احتكاك اللغتين تسبب في منحي شيئا عظيما، وهو قدرة تحويل المعنى الزهيد إلى معنى مجازي ثري. فأصبحت صورة الشخص الذكي اللماح في ذهني مثل (مخلب النسر)، كما أصبح الرجل الطويل (صديقا لشجرة الأَرْز)....».
• هل يمكن للغة أن تحدد كيف نفكر بشكل أو بآخر؟
•• الحقيقة أن أمر اللغة والتفكير ورؤية العالم محل أبحاث علمية عظيمة لباحثين عالميين، لكن بالمثال البسيط نستطيع أن نرى ذلك فعلا من خلال الأمثلة والحكم وغيرها من المقولات. السؤال هو: هل هي اللغة أم التجربة الإنسانية التي احتوتها اللغة من واقع طبيعي وجغرافي ومناخي، أم هي اللغة ونحوها وصرفها وأصواتها ونطقها؟ ثم وكما ذكرت في السؤال إجابة السؤال الأول، هل نحن نتكلم عن اللغة كنتاج مدون (مكتوب/ موروث) أم كتداول بيننا في تعاملنا فيما نحتاجه في أيامنا وليالينا ورويتننا وتربيتنا لأولادنا وأدائنا لواجباتنا! هناك لقاءات وأبحاث مترجمة للعالمة الأمريكية (Lera Boroditsky) ليرا برودوتسكي يمكن للقارئ الكريم العودة إليها خاصة أنها هي نفسها وعائلتها لهم تجربة مع الانتقال إلى بلاد جديدة ولغة جديدة. المهم بزعمي في هذا الخضم هو الانتباه للإبداع الخاص للفرد في أي سياق وتحت مظلة أي لغة وثقافة.
• كيف يمكن أن يكون ترجمة النص الفلسفي أشبه بالمغامرة الهشَّة؟
•• الترجمة كلها في مجال الفلسفة وغيرها هي نوع من المغامرة. أظن أن ثمة من عرَّف الترجمة بأنها مجموعة من اتخاذ القرارات، فالمترجم صاحب قرار واختيار وهذا فيه نوع من المغامرة، وكلما زاد المجال تعقيدا كلما زادت هذه المغامرة ومخاطرها (بمفهوم المال والأعمال). والفلسفة ليست قلعة سهلة الاقتحام في أي لغة كانت، وهذا يجعل مسألة الترجمة في مجالها أمرا يتطلب الجهد الكثير. الحقيقة وبصراحة تامة أنا درست شخصيا قرابة ست مواد في مجال الفلسفة والتفكير الناقد في المرحلة الجامعية ومع ذلك أجد صعوبة شديدة في التعاطي مع بعض مفاهيمها باللغة العربية لمشاكل الترجمة أحيانا ولمشاكل العرض ولو دون ترجمة أحيانا أخرى. ومع ذلك فإن أبسط النصوص وإن كانت جملة بسيطة تقولها أم لطفلها في حوار عفوي تلقائي قد تستعصي على الترجمة فالمسألة لا تقتصر على الفلسفة. لكن وكما قال بيرت كيزر الطبيب والروائي الهولندي: «هناك فرق شاسع بين أن تدلَّ إنسانا على طريقه إلى محطة القطار بالإنجليزية، وبين أن تدله على الطريق إلى أفلاطون. يتجاهل هذا الأمر أحيانا الناطقون بلغة خريطة المدينة». وهذا الفرق موجود في الترجمة كذلك.
• أبعاد المترجم حمد الشمري للمساهمة في خلق حركة معرفية جديدة؟
•• لا أعلم إن كان بإمكاني المساهمة في «الجديد» بمعناه الحقيقي، لكني أحاول فعلا أن أجتهد في لفت الأنظار لزوايا لغوية يكون الفرد فيها هو المحور، كما أتمنى على صعيد الترجمة الابتعاد قليلا عن أعمال الأعلام المشاهير الذين نكاد ندرك أقوالهم وأفكارهم حتى غير المترجم منها. هناك الكثير من «أشباهنا في العالم» (كما عنونت الأستاذة القديرة بثينة الإبراهيم لكتاب من مختاراتها وترجمتها)، ونحتاج أن نجتهد في فهم أنفسنا من خلال هؤلاء الأشباه وفهمهم هم كذلك بعيدا عن الأنماط التي صنعناها. «عبقرية اللغة» طبع بالحبر على الورق كخطوة أولى ولعل خطوات جديدة تكون في طيات القابل من الأيام. وأنا في الحقيقة بانتظار المزيد من القراءات للكتاب وأرحب بنقده خاصة فيما يخص عملي أنا كمترجم لأستعد للرهان القادم.
• كيف يمكن للغة أن تفصح عن نفسها؟
•• هذا سؤال مرهق لأنني وفي أحاديثي مع الأصدقاء، التي يفضلون تسميتها نقاشا أو حوارا أكتشف أن معنى اللغة الذي أريده مختلفا عما يريدون! وهذا الاختلاف في التصورات مهم جدا أحيانا لبيان الموضوع محل الخلاف أو غير مهم أحيانا حين يكون المسمى هو الأهم وليس الاسم كما جاء في مقدمة محررة كتاب «عبقرية اللغة» ويندي ليسير حين قالت: «والحقيقة أن مفهوم اللغة كله قد لا يكون بهذا الوضوح المزعوم».
لذا فمن هي اللغة أو ما هي اللغة إن شئتِ كي نحاول تتبع خطواتها وآثارها التي تفصح عن نفسها من خلالها؟ فمن المنطلق اللساني تفصح اللغة عن نفسها عبر خصائص لغوية: صوتية وصرفية ونحوية.. خاصة عند اغترابها أو اغتراب لسان أبنائها. وأحيانا تفصح اللغة عن نفسها على شكل نكتة، أغنية، طبق طعام. أذكر أن كتاب (The Language of Baklava) بمعنى «لغة البقلاوة» كان من أوائل ما قرأت بالإنجليزية وهو لبروفيسورة أمريكية في جامعتي التي درست بها. ديانا أبو جابر، أبوها أردني وأمها أمريكية، وألَّفتْ هذا السِفْرَ الماتع لتقصَّ علينا من حكايات طفولتها مستخدمة الطعامَ وثقافتَه ولغتَه كعلامة «لغوية» مهمة بين ثقافة أمها الأمريكية وأبيها الأردني، والشكل الأبرز لإفصاح اللغة عن نفسها هو الإنسان بكل ما تعنيه اللغة وبكل ما يعنيه الإنسان. مثل طفل لا يمكنه أن يحفظ أسرار أسرته أمام معلميه وأقرانه.
• هل يمكن للغة تقويض القضايا بما يتناسب مع تاريخها؟
•• الحقيقة أن الناطقين بلغة أو بأخرى أو بأكثر من لغة قد يمارسون ما نسميه الخيارات المتعمدة (marked choices) التي تعني أنهم يقومون أثناء كلامهم باستخدام اللغة أو وجه من وجوهها للانتصار في جدال معين أو لبيان موقفهم من شيء معين. واللغات كما هو معلوم ليست محايدة فهي تحضر بمعيَّة حمولاتها التاريخية ولاشك، لكن عدم حياد الناس كذلك في ممارساتهم اللغوية يضيف لما تحمله اللغة معاني أخرى. أذكر مرة حديثا «محتدما» بعض الشيء مع بعض الأصدقاء عن الجمال ومعاييره. الذي حصل أن أحد المشاركين في ذلك الحديث تحول فجأة من كلامه بالعامية -كما كنا نفعل جميعا- إلى كلامه الفصحى ظانًّا أنه يصبغ رأيه بشيء من الرجاحة فقط لأنه نطقه بالفصحى. لا أجزم أن تلك كانت نيته لكنها حتما قراءتي اللغوية والثقافية لفعله ومدلولاته. مثل هذه الممارسات هي التي تجعل اللغة -أي لغة- أداة تقويض أو استحسان أو ترجيح في كثير من المسائل.
• راهنت على كسب ثقة القارئ كشاهد على «عبقرية اللغة».. هل كسبت الرهان؟
•• إن ما راهنت عليه فيما يخص ترجمة «عبقرية اللغة» وتقديمه للقارئ العربي هو أن تلامس فيه حكايات هؤلاء الأفراد المشاركين ما قد نعيشه على الصعيد الفردي أو الجمعي. راهنت على أن كثيرا منا يمرُّ بما لم يتمكن من التعبير عنه، فيجده منحوتا أمامه بأحرف يملأها الصدق والشفافية والبساطة. زعمت أن ثمة مصباحا كهربائيا سيظهر فجأةً فوق رؤوس بعض القراء -مثلما يحدث في الصور الكرتونية- عند بزوغ فكرة ما أثناء القراءة. لقد قلتُ أنا كثيرا عند بعض مواضع قراءتي للنص الإنجليزي «هذا تماما ما كنت أريد قوله».. لم أقله لكنه قيل ممن يشبهني بشكل أو بآخر على وجه هذه الأرض. وهذا الملمح قد جاء على لسان الروائية الأمريكية/ الهندية بهارتي موكرجي المشاركة في كتابنا بمقالتها (طريق العودة) حين حكتْ عن تشابه ملاحم الشعر والقصص والحكايات بين شعوب عالمنا. هذا الإحساس بالحميمية مع الكتاب هو ما جعلني أتأخر في ترجمته كثيرا، لأن الكتاب يحكي حكاية النفس بأعمق ما تكون. تأخرت محاولا أن أنقل الشعور والحب الذي وقع بيني وبين الكتاب. تمنيتُ فعلا أن ينال الكتاب قبولا عربيا يشبه شعوري عند لقياه. أتمنى أنني وفقت في ذلك. وأتمنى كما قالت ويندي ليسير في مقدمتها أن «نتعلم من كتَّاب الرواية، والمسرحية، والنقد، والصحافة الأدبية، أمرا لم يكن لنا أن نتعلمه من علماء اللغة».
• اللغة الإنجليزية جافة ولا إثارة فيها حسبما ترى الروائية الهندية الأمريكية موكرجي، كيف تتعامل بدورك مع الإنجليزية؟
•• الإنجليزية بالنسبة لي هي لغة تجربة إنسانية عظيمة مررت بها لسنوات مهمة من حياتي. تلك الفترة اعتراها التعرف على عوالم جديدة أتحسسها وأتعرف على ملامحها وأول مناطق تلك العوالم كانت نفسي أنا. الحقيقة أن لا أؤمن بجفاف اللغات البشرية على الإطلاق ولو بالنسبية لا أؤمن بها. عبر الإنجليزية وفي أيامها ومضاربها تعرفت على الكثير من النصوص الأدبية التي يملأها الندى والجمال والعاطفة، وتعرفت على الكثير من النباتات والأزهار والعطور، وتعرفت على الكثير من الأساتذة والجيران والزملاء والأصدقاء، وكنت أعبر عن نفسي بقيد أقل. أنا لا أشعر لا بالجفاف ولا بقلة التعبير التي تقال عنها حتى إن كان مصدر هذا القول بعض أهلها أحيانا. لقد عشت حالة من الثراء اللغوي وتوسع في المجازات كما حصل للكاتب اليوناني نيكولاس باباندريو حين قال: «كنت أرى أن احتكاك اللغتين تسبب في منحي شيئا عظيما، وهو قدرة تحويل المعنى الزهيد إلى معنى مجازي ثري. فأصبحت صورة الشخص الذكي اللماح في ذهني مثل (مخلب النسر)، كما أصبح الرجل الطويل (صديقا لشجرة الأَرْز)....».
• هل يمكن للغة أن تحدد كيف نفكر بشكل أو بآخر؟
•• الحقيقة أن أمر اللغة والتفكير ورؤية العالم محل أبحاث علمية عظيمة لباحثين عالميين، لكن بالمثال البسيط نستطيع أن نرى ذلك فعلا من خلال الأمثلة والحكم وغيرها من المقولات. السؤال هو: هل هي اللغة أم التجربة الإنسانية التي احتوتها اللغة من واقع طبيعي وجغرافي ومناخي، أم هي اللغة ونحوها وصرفها وأصواتها ونطقها؟ ثم وكما ذكرت في السؤال إجابة السؤال الأول، هل نحن نتكلم عن اللغة كنتاج مدون (مكتوب/ موروث) أم كتداول بيننا في تعاملنا فيما نحتاجه في أيامنا وليالينا ورويتننا وتربيتنا لأولادنا وأدائنا لواجباتنا! هناك لقاءات وأبحاث مترجمة للعالمة الأمريكية (Lera Boroditsky) ليرا برودوتسكي يمكن للقارئ الكريم العودة إليها خاصة أنها هي نفسها وعائلتها لهم تجربة مع الانتقال إلى بلاد جديدة ولغة جديدة. المهم بزعمي في هذا الخضم هو الانتباه للإبداع الخاص للفرد في أي سياق وتحت مظلة أي لغة وثقافة.
• كيف يمكن أن يكون ترجمة النص الفلسفي أشبه بالمغامرة الهشَّة؟
•• الترجمة كلها في مجال الفلسفة وغيرها هي نوع من المغامرة. أظن أن ثمة من عرَّف الترجمة بأنها مجموعة من اتخاذ القرارات، فالمترجم صاحب قرار واختيار وهذا فيه نوع من المغامرة، وكلما زاد المجال تعقيدا كلما زادت هذه المغامرة ومخاطرها (بمفهوم المال والأعمال). والفلسفة ليست قلعة سهلة الاقتحام في أي لغة كانت، وهذا يجعل مسألة الترجمة في مجالها أمرا يتطلب الجهد الكثير. الحقيقة وبصراحة تامة أنا درست شخصيا قرابة ست مواد في مجال الفلسفة والتفكير الناقد في المرحلة الجامعية ومع ذلك أجد صعوبة شديدة في التعاطي مع بعض مفاهيمها باللغة العربية لمشاكل الترجمة أحيانا ولمشاكل العرض ولو دون ترجمة أحيانا أخرى. ومع ذلك فإن أبسط النصوص وإن كانت جملة بسيطة تقولها أم لطفلها في حوار عفوي تلقائي قد تستعصي على الترجمة فالمسألة لا تقتصر على الفلسفة. لكن وكما قال بيرت كيزر الطبيب والروائي الهولندي: «هناك فرق شاسع بين أن تدلَّ إنسانا على طريقه إلى محطة القطار بالإنجليزية، وبين أن تدله على الطريق إلى أفلاطون. يتجاهل هذا الأمر أحيانا الناطقون بلغة خريطة المدينة». وهذا الفرق موجود في الترجمة كذلك.
• أبعاد المترجم حمد الشمري للمساهمة في خلق حركة معرفية جديدة؟
•• لا أعلم إن كان بإمكاني المساهمة في «الجديد» بمعناه الحقيقي، لكني أحاول فعلا أن أجتهد في لفت الأنظار لزوايا لغوية يكون الفرد فيها هو المحور، كما أتمنى على صعيد الترجمة الابتعاد قليلا عن أعمال الأعلام المشاهير الذين نكاد ندرك أقوالهم وأفكارهم حتى غير المترجم منها. هناك الكثير من «أشباهنا في العالم» (كما عنونت الأستاذة القديرة بثينة الإبراهيم لكتاب من مختاراتها وترجمتها)، ونحتاج أن نجتهد في فهم أنفسنا من خلال هؤلاء الأشباه وفهمهم هم كذلك بعيدا عن الأنماط التي صنعناها. «عبقرية اللغة» طبع بالحبر على الورق كخطوة أولى ولعل خطوات جديدة تكون في طيات القابل من الأيام. وأنا في الحقيقة بانتظار المزيد من القراءات للكتاب وأرحب بنقده خاصة فيما يخص عملي أنا كمترجم لأستعد للرهان القادم.